«قصة مدينتين»... وباء عنف العصابات الصامت في شيكاغو

«قصة مدينتين»... وباء عنف العصابات الصامت في شيكاغو
TT

«قصة مدينتين»... وباء عنف العصابات الصامت في شيكاغو

«قصة مدينتين»... وباء عنف العصابات الصامت في شيكاغو

تانيكا هومفريز في حالة ذهول. جثة ابنتها ترقد في تابوت مفتوح، مطرز باللون القرمزي، أمام مذبح في كنيسة ستون تيمبل مشنري بابتيست في شيكاغو.
وعلى الرغم من أن جاناي (17 عاما) هي ابنة هومفريز الكبرى، فإنها كانت لا تزال «طفلتها»، وذلك ما قالته والدتها التي أنجبت تسعة أطفال، ستة من البنين وثلاث بنات.
جاناي قتلت بطلق ناري أثناء توقفها على رصيف في حي لاواندال. مقتلها يمثل رمزا للحقيقة القاسية للعيش في الأطراف الجنوبية والغربية من المدينة، حيث يقتل أفراد عصابات المراهقين بعضهم بعضا يوميا تقريبا.
ولا تستطيع تانيكا هومفريز حتى الحزن على ابنتها وهي في حالة سكينة، فكثير من أفراد العصابات حضروا لتوديع جاناي، كما كان هناك صف أمام التابوت حتى قبل بدء مراسم الجنازة. ففي الوقت الذي كان فيه بعض الأشخاص يتفحصون رسائل هواتفهم، كانت رسالة نصية من عصابة منافسة كافية بإفساد كل شيء، حيث وصل رجال الشرطة، مما تسبب في تفرق الزائرين في الكنيسة.
ظل معدل القتل في شيكاغو مصدرا لعناوين الصحف لأوقات طويلة، حتى لو كانت معدلات القتل في ممفيس أو بالتمور أعلى بالمقارنة بعدد السكان. وأوقات الصيف عادة ما تشهد ارتفاعا في معدل القتل، حيث تتزايد وتيرة العنف في المدينة.
وقد تم إطلاق النار على 77 شخصا في أول عطلة نهاية الأسبوع من شهر أغسطس (آب) 2018، مما أدى إلى مقتل 12 منهم. وبعد أسابيع، تم اتخاذ إجراءات قانونية ضد مشتبه به واحد فقط.
العصابات تدير الشوارع في عدة مناطق بالمدينة الواقعة على بحيرة ميتشيغان، حيث يحمل أشخاص عمر الواحد منهم 12 عاما السلاح. وهم يتقاتلون على أمور من بينها السيطرة على الأراضي، والمخدرات والمال ومن أجل سمعتهم.
حرب الشوارع مقتصرة بصورة أساسية على الأطراف الغربية والجنوبية لهذه المدينة والبالغ تعداد سكانها 3 ملايين نسمة، وعلى الأحياء الفقيرة، التي معظم سكانها من أصحاب البشرة السوداء، الذين ليس لديهم أمل كبير في الخروج منها.
هذه المدينة شهدت اكتساب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أول خبراته السياسية، التي نشأت فيها ميشيل أوباما أيضا.
والشرطة لا تستطيع وقف أعمال القتل، وبدلا من ذلك تلجأ لمنع وقوع أسوأ أعمال العنف وتحاول التحكم في العصابات.
ويقول رئيس الشرطة إيدي جونسون: «إذا لم يقم الناس بإعطائنا المعلومات التي نحتاج إليها، ولم يحملهم شركاؤنا في القطاع القضائي مسؤولية ما يقومون بارتكابه من أعمال إجرامية، فهل ستتوقف إذا كان ذلك ما ترغب في عمله؟ الأمر سخيف».
ويعتقد جونسون أنه يتعين على المحاكم وممثلي الادعاء اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
معظم أعمال العنف تكون انتقامية، بين عصابات متنافسة. وتم حل 14 في المائة فقط من قضايا القتل، في الوقت الذي يبلغ فيه معدل القتل بالنسبة لتعداد السكان، ضعف المعدل في نيويورك تقريبا.
ويواجه عمدة شيكاغو رام إيمانويل مشكلات بالنسبة لتعيين مزيد من رجال الشرطة، وتقابل محاولاته لإرسال مزيد من الدوريات الشرطية لمناطق المشكلات برد فعل أقل من متحمس.
وعندما يشير المنتقدون لإخفاق مسؤولي المدينة في وقف العنف، يتصدى إيمانويل، الذي تولي منصب عمدة شيكاغو منذ أكثر من سبعة أعوام، بصورة متكررة للدفاع عن موقفه، مستشهدا بما تشهده المدينة من فساد وعنصرية وغطرسة منذ عشرات السنين.
ويقول القس جريج ليفينغستون، الذي يترأس التحالف من أجل نيو شيكاغو «شيكاغو هي المدينة الأكثر عنصرية في الولايات المتحدة».
ومؤخرا أعلن إيمانويل، الذي شغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد إدارة أوباما، أنه لا يعتزم الترشح مجددا لمنصب عمدة شيكاغو.
وقال القس «إنها قصة مدينتين». على الجانب الشمالي، توجد صفوة شيكاغو تحتسي الشامبانيا على متن قوارب، في الوقت الذي يستمتع فيه السائحون بالنسق المعماري للمدينة. وعلى الجانبين الجنوبي والغربي، الشوارع خالية ليس فيها أي سائحين.
يقوم ليفينغستون بجمع أموال لمساعدة الفقراء. ومن دون مساعدته، لم تكن تانيكا هومفريز لتتمكن من دفن ابنتها. ويقول القس للأم قبل أن يغادر «أنا أحبك، حسنا؟».
المبادرات من جانب المواطنين مثل المبادرة التي يديرها ليفينغستون منتشرة في جميع أنحاء شيكاغو. وهي غالبا منظمات صغيرة تحاول تحقيق القليل من الإنجازات البسيطة، لا سيما على مستوى الأحياء بصورة أساسية.
مارشاون بلكون ومبادراته التي يديرها باحترافية «بيكمنغ إيه مان» تتخذ توجها آخر: حيث يتوجه الاختصاصي الاجتماعي إلى المدارس ويقدم مساعدته للطلاب الذين يعتبرهم مدرسوهم أنهم في خطر. وقد ساعد برنامجه 6800 صبي و1800 فتاة في الحصول على مزيد من الدعم.
وتقول المتحدثة باسم المبادرة فيرونكا ريسا «لقد قمنا بزيادة حصة المخصصات الخاصة بالمدارس بنسبة 20 في المائة». وتضيف: «الطلاب يتعلمون أنه من الأفضل أخذ نفس عميق قبل الرد على عمل استفزازي، هذا الأمر يساعد في الفصل، مع المدرس أو مع رجل شرطة عنصري يريد أمرا ما منهم أو المسؤول عنهم الذي يقوم ببساطة باستفزازهم».
ويتفق الخبراء على أن التغيير سوف يكون بطيئا في شيكاغو. كل ثلاث ساعات، يتم إطلاق النار على شخص ما، وكل 15 دقيقة، يتوفى شخص ما بسبب طلق ناري. سوف يكون بالفعل تحسن إذا زادت هذه الفترة الزمنية. ولكن لا يهم متى سوف تتحسن الأمور في شيكاغو، بالنسبة لتانيكا هومفريز، لقد فات الأوان بالفعل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».