دارة الملك عبد العزيز ترصد تاريخ تطوّر العملات في الجزيرة العربية

بدءاً من «الطويلة» النمساوية في عهد الدّولة السعودية الثانية

نماذج من العملات السّائدة في السّعودية  على مرّ التّاريخ - نماذج من العملات السّائدة في السّعودية على مرّ التّاريخ («الشّرق الأوسط»)
نماذج من العملات السّائدة في السّعودية على مرّ التّاريخ - نماذج من العملات السّائدة في السّعودية على مرّ التّاريخ («الشّرق الأوسط»)
TT

دارة الملك عبد العزيز ترصد تاريخ تطوّر العملات في الجزيرة العربية

نماذج من العملات السّائدة في السّعودية  على مرّ التّاريخ - نماذج من العملات السّائدة في السّعودية على مرّ التّاريخ («الشّرق الأوسط»)
نماذج من العملات السّائدة في السّعودية على مرّ التّاريخ - نماذج من العملات السّائدة في السّعودية على مرّ التّاريخ («الشّرق الأوسط»)

قدمت دارة الملك عبد العزيز رصداً تاريخياً لبداية استخدام العملات في التعاملات التجارية وعمليات البيع والشّراء وتبادل السّلع في الجزيرة العربية منذ قرون، ومراحل التعاملات النقدية السّائدة والوضع النقدي في مناطق الجزيرة العربية والخليج الخاضعة للعهد السعودي. كما استعرضت الدارة ما اشتهر من العملات والنّقود في عهد الدولة السعودية الثانية وبدايات مرحلة توحيد البلاد وتأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس عبد العزيز، مبرزة الجهود التي بذلها الملك في عمليات الإصلاح النّقدي في البلاد، وإنشاء مؤسسة تعنى بهذا الجانب، وتنظيم أعمال النّظام المالي في السعودية، كما قدمت رصداً لمراحل سك العملات وطرح إصدارات في فئاتها الورقية والمعدنية منذ عهد الملك المؤسس إلى عهد الملك سلمان. وأعادت الدارة في تقرير وُزّع أمس، إلى الذاكرة بداية تاريخ استخدام العملات في الحركة التجارية ومزاولة البيع والشّراء وتبادل السّلع، معتبرة «الطويلة» أقدم عملة جرى تداولها والمسكوكة من النّحاس وكانت قد استخدمت على نطاق محلّي في عهد الدولة السعودية الثّانية، وقد عثر على إحداها في محافظة الهفوف وترجع لعام 757م، وعملة «ريال ماريا تيريزا» ويحمل صورة الملكة تيريزا وهي إمبراطورة النمسا، وقد كثر استعمالها في كل أنحاء الجزيرة العربية وهي أكثر شعبية من غيرها لأنّها من الفضة الخالصة.
وعرّفت الدارة بعملة «الروبية الهندية» التي كانت سائدة في سائر مناطق الخليج والأحساء وفي وسط نجد، وانتشرت هذه العملة بين التجار خاصة الذين يتعاملون مع بلدان الخليج العربية، و«الجنيه الإنجليزي الذهبي» وكان يستخدم في الأحساء بشكل كبير متدرجة في استعراض التتابع التاريخي لوجود العملات حيث تطور النقود والنّظام النّقدي في السعودية، عندما اعتمدت التعاملات النّقدية على خليط من العملات الأجنبية مثل «الريال الفرنسي» والريال الفضي العثماني وذلك قبل عام 1926، وبعد ذلك اعتمد سك القرش الأميري من معدني النّحاس والنيكل. وصدر في عام 1928، أول نظام نقد سعودي واعتماد الريال العربي الفضي عملة رسمية للبلاد ووقف التعامل بالريال العثماني، من ثم سك في عام 1935م ريال فضي جديد يحمل اسم المملكة العربية السعودية، وبعدها تم في عام 1952، إنشاء مؤسسة النقد العربية السعودية.
واستعرضت الدارة ما اشتهر من تلك النقود مثل «الريال المجيدي» نسبة إلى السلطان العثماني عبد المجيد خان، و«البارات» وهي نقود من «الكوبر نيكل»، وتمثل في حقيقتها أجزاء للريال المجيدي، كذلك جرى تداول كثير من النقود الأخرى كالقروش المصرية ونقود بعض الدّول المجاورة في الجزيرة العربية، ونقود دول شرق آسيا خاصة نقود الهند الشرقية، أو ما يعرف حاليا بإندونيسيا. وذكرت الدارة في رصدها لتطور النقود وإنشاء النظام المالي في السعودية، فمع بداية عام 1926، أمر الملك عبد العزيز بسك كمية أخرى من فئة نصف القرش فقط التي جرى سكها بشكل جميل جدا، خصوصا ظهر هذه الفئة التي حملت العبارات السابقة المشتملة على مكان السك وتاريخه، وقيمة النقد. وأبرزت الدارة ما شهدته التطورات النّقدية الجبارة، وكان أولها أن ألغى الملك عبد العزيز التعامل بجميع النّقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية وغيرها؛ حيث أمر بطرح نقوده الجديدة التي حملت لقبه السابق، ويظهر هذا اللقب على النقود التي جرى سكّها من معدن الكوبر نيكل من فئة القرش، ونصف القرش، وربع القرش التي جاء تصميمها مطابقا لتصميم القرش وفئاته المضروبة باستثناء سنة السك التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية. وأشارت إلى قيام الملك عبد العزيز، في العام نفسه بخطوة تعدّ من أهم المراحل التي مرّت بها عملية الإصلاح النقدي إبان تلك الفترة، بطرح أول ريال عربي سعودي خالص وقد جرى سكه من معدن الفضة على غرار الريال المجيدي وكان يعدّ النقد الفضي الرئيسي المتداول آنذاك.
وأوضحت الدّارة أن أول تنظيم للوضع النقدي في البلاد، كان بصدور أمر الملك عبد العزيز ونُشر في الجريدة الرسمية «أم القرى» عدد 160 وتاريخ 9/ 1/ 1928، حيث تضمن كثيرا من المواد التي رسمت السياسة النقدية للدولة، وبصدور هذا النظام النقدي الجديد أصبح لزاما على الجميع التعامل بالريال السعودي، ونبذ ما سواه من النقود الأخرى، الأمر الذي تطلب إعادة سكه مرة أخرى سنة 1930م بجميع فئاته ووفق مواصفاته السابقة عدا سنة سكه، حيث طرح للتداول وفق معيار صرفه من القروش الحجازية النجدية التي أعيد سكها هي الأخرى خلال تلك السنة بجميع فئاتها، وطبقا لمواصفاتها السابقة عدا تاريخ سكها. وعن طرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للدولة بعد توحيدها، ذكر تقرير إدارة الملك عبد العزيز أنه كان على الريال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال وذلك بعد أن تمكن الملك عبد العزيز آل سعود من توحيد أجزاء البلاد المتناثرة وتحويل البلاد من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وتقرر استخدام لقب «ملك المملكة العربية السعودية» بدلا من لقب «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها»، ونظرا لعدم وجود سلطة نقدية مركزية، تحكم وتنظم إصدارات الدولة من النقود التي كانت تسك خارج البلاد، وترد على دفعات، أو بشكل غير منتظم، فقد أدى إلى تدني قيمة صرف الريال الفضي السعودي، كذلك أدى إلى حدوث فارق كبير لا يتمشى مع قيمة الريال كمعدن في السوق العالمية، الأمر الذي دفع بكثير من الصيارفة إلى القيام بتهريبه خارج البلاد وبكميات كبيرة خاصة إلى أسواق الهند التي شكلت منطقة جذب لهم، وهنا رأى الملك عبد العزيز أنّ البلاد بحاجة ماسة إلى وجود جهاز مصرفي يتولى إدارة دخل الحكومة الذي يشهد تناميا مطردا، بفضل الدخل المتزايد من الصادرات النفطية، كما يتولى تنظيم الأوضاع النقدية التي تعاني اضطرابا كبيرا، بسبب التقلبات الحادة لأسعار معدني الذهب والفضة، اللذين يشكلان العمود الفقري لعملة الدولة.
وأبانت الدارة أنّه تم نقل المركز الرئيس للمؤسسة من جدة إلى الرياض، وكان الإصدار الأول للعملات النقدية الورقية الرسمية بموجب نظام النقد الصادر في المرسوم الملكي في عهد الملك سعود بن عبد العزيز.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».