سعوديون يستعيدون ذكرياتهم في رمضان

الاستعداد الشهر الكريم في المدينة المنورة يبدأ بـ«الشعبنة»

ذكريات تسرد وقصص تحكى في رمضان
ذكريات تسرد وقصص تحكى في رمضان
TT

سعوديون يستعيدون ذكرياتهم في رمضان

ذكريات تسرد وقصص تحكى في رمضان
ذكريات تسرد وقصص تحكى في رمضان

أيام وليالي شهر رمضان في الأمس البعيد بالسعودية، أصبحت ذكريات تسرد وقصصا تحكى، يحن لها من عاشها في طفولته رغم ما بها من شظف في العيش وضيق في ذات اليد وصعوبة في التواصل للتبليغ عن حلول الشهر الكريم لدى الصائمين من أهل تلك القرى النائية.
وفي ندوة عنوانها «رمضان في ذاكرتهم»، أقامها النادي الأدبي بالرياض أخيرا، وشارك فيها عبد الرحيم الأحمدي (المدينة)، ومنصور العمرو (الرياض)، ورجاء عبد القادر حسين (مكة المكرمة)، وأدارها محمد القشعمي، أعادت تلك الذكريات بحلوها ومرها.
عبد الرحيم الأحمدي الذي عاش بعض طفولته في المدينة قبل أن يكملها في مكة، حيث جاء في الأصل من وادي الصفرا وهي منطقة بين المدينة وينبع يقول: «أول ما يقرب شهر رمضان يبدأ الإخبار عنه، حيث ينتظره الناس عن طريق البريد ويخبرون كل مركز يمرون عليه».
وحين وصول الخبر، تطلق البنادق، وتتسلسل بإطلاق النار من منطقة إلى أخرى حتى يعرف الناس جميعا أن هلال رمضان هل وما أن ينتصف الليل تجد جميع المناطق بين المدينة وينبع قد علموا بدخول الشهر.
ووفق الأحمدي، كان رمضان يحل في أيام الصيف وشدة الحرارة ويصادف موسم جني الرطب وعمل «القلايد» وهي بلح قبل أن يصبح رطبا يجمع من نخل معين ويطبخ مع الملح والكركم ليعطي الأخير لونا ويحافظ عليه، أما الملح فهو واق وبمثابة البسترة ثم يجفف البلح المقلي في الظل.
وفي الجانب الآخر تنسج النساء الحبال، من ليف النخل حتى ينظمنه فيما يسمى بـ«القلايد»، وهو موجود عند باعة المكسرات و«القلايد» تدخل في طبخ حلوى معينة تسمى «الدبيانة» وهي مزيج من قمر الدين والتين الجاف والبلح وبعض المكسرات، حيث يغلى، ويشتريه الحجاج كهداية عند عودتهم لأهلهم وبلادهم.
وفي الصباح الباكر من كل يوم في رمضان وفق الأحمدي، يستيقظ الناس مبكرا ويجنون هذا البلح ويمشون ليغتسلوا في العيون الحالية، ويجلسون قرب الماء لتخفيف حرارة النهار وإذا صلوا الظهر بللوا «الشراشف» والتحفوها فناموا، حيث كانت بمثابة مكيف يلطف حرارة الجو، وكانت النساء يصنعن «القلايد» ويتولين الطبخ للبلح و«دشره» للتجفيف.
بين الصلاة والصلاة يقرأ الصائمون القرآن، حتى يحين وقت الإفطار وهو عبارة عن تمر وقهوة ليس إلا، لأنه موائد المتنوعة، مشيرا إلى أنه في ذلك الزمان، تقرأ في التراويح سورة «التكاثر» و«الإخلاص» فقط حتى يوتروا، وليس هناك مبالغة في التبتل في رمضان ولكن يزيد التصدق على المستحقين.
وبعد أداء صلاة العشاء يقرأ المصلون جزءا من القرآن ثم ينصرفون إلى مجلس القهوة حيث الرطب والتمر، وبعدها ينطلق المنتدى الشعري والروايات والحديث ثم ينامون وفي السحور ويتناولون إحدى تفريعات القمح كـ«الرشيشة» ويعني «الدريش» أو القمح المجروش، أما في ليلة 27 من رمضان يتناولون السمك المجفف باعتباره سنة نبوية.
وأما العيد يخبر عنه كما يخبر عن حلول رمضان، وقبل ذلك يجهز الرماة ملح البارود يخلط ببعض الفحم وبعض المواد الأخرى حتى يتشكل ملح خاص يستخدم في رصاص البنادق لتضرب بها في الهواء إيذانا بتحديد يوم العيد.
وفي صباح العيد تخرج الناس إلى المصلى ويكون عادة بين القرى في مكان وسيع من كثبان الرمل وفي هذا اليوم يجهزون ذبيحة العيد، والملابس والتي ينتظرها الأطفال والنساء من العيد إلى العيد لأنه كسوة العام وأغلبها من «البستر» أو «التوت» ويكون في أغلبها من الملابس الحمراء أو الصفراء التي يسمونها الملا وتعمل النساء في تطريز هذه الملابس.
بعد ذلك يتعايد الناس في المصلى ثم يتعايدون بين المساء وتطلق البنادق ويذبح الذي يقع عليه الاختيار الذبيحة، لمدة ثلاثة أيام والاحتفالات تكون بالرمي على الأهداف والرقص بالسيوف، والتباري بالرماية.
محمد القشعمي، الذي جاء إلى الرياض منذ عام 1370 هجرية، لا تزال ذكريات طفولته في رمضان في مسقط رأسه منطقة الزلفي راسخة في ذهنه. ويذكر أن الحجازيين قبل رمضان، يقولون: «نشرب من وراء الزير» ويزيد: «ونحن في الزلفي نقول تحت تصنع من جلد الغنم قربة ونشرب التنقيط في غفلة الصائمين»، وهو يرسم بيئة الإنسان الصائم في ذلك المكان لتتخيل.
يقول القشعمي: «أتذكر وأنا طفل لم يتجاوز الثالثة أو الرابعة بعد كنا فرح بمجيء رمضان لأنه على الأقل يعني أن هناك ما يؤكل أو يطبخ ووقتها المواصلات غير موجودة ما عدا الحيوانات لأن السيارات لا تصل تلك القرى التي تحيط بها الرمال على مسافات بعيدة. وفي تلك القرى، كان يزرع فيها النخيل وقليل من الخضراوات كالقرع والقمح، «أما بقية الأيام لا تذكر أننا أكلنا حتى شبعنا من الموجود من التمر، ونتذكر أن صيفية كاملة كانت تعتمد القرية فيها على القرع والماء فقط».
وقال:«عمتي كانت تقول إن التمر به سراوة وتمنعنا أن نفتحه لئلا نرى السوس فنأكلها بسوسها وبسراوتها وجراثيمها وغيره وتحذرنا بأنها تدعو وتقول الله يكشف من كشف ستري، وإذا لم نشبع نبلع فصوص التمر حتى لا يتعرض الحلق».
ولفت إلى الراديو كأحدث وسيلة للتواصل ومعرفة شهر رمضان لم يدخل الزلفي إلا على يد «محمود البدر» قبل أن ينتقل إلى الرياض منذ 60 عاما هو أول من أدخل الراديو للمنطقة.
وقال القشعمي: «الخبر عن حلول شهر رمضان، لا يأتي إلا عن طريق برقية في المجمعة فقط، في منتصف الليل حيث يرسلون سيارة للزلفي بأن يوم غد رمضان أو غد عيد فيقومون بإضاءة سراج ويعلقونه في أعلى المنارة ولكن القرى الثانية يصلهم الخبر بعد الظهر أو بعد العصر، إذا كان رمضان أو عيدا مثلا».
رجاء حسين وهي أديبة وشاعرة ومؤلفة من مكة، تروي ذكرياتها في رمضان في هذه البقعة، من خلال قصتها مع عمتها «منة»، وتقول: «ستي منة في الروشان وهي عمتي واسمها مريم، حينما تضاء الفوانيس وتلمع النحاس وتزيد حركة (السقا) بزفة ذات جماليات اعلمي أن رمضان على الأبواب».
وزادت: «عمتي منة كانت تجلس في (مهبتها) وهي مروحتها في الروشان في العصاري على مدى سنوات طويلة لتتفرج على الغادي والقادم وعلى راعي المنفوش وبائعي الأشياء الباردة وكان هناك ما يسمى بالتوت البارد وكانت لبرودته نكهة خاصة عند تناول تحت غيظ حر مكة».
ووفق حسين، كانت البيوت في مكة، عبارة عن ديوان وهو المقعد الذي تدار فيه الأمور التجارية، والسلطة وهو مدخل كان جناح في البيت وهو المجلس بكسر الميم هو المجلس الآن، مشيرة إلى أن البيت كان يسمى الـ«عزلة» في مكة، مشيرة إلى هذا الشكل من المكونات، يعد ملمحا من ملامح رمضان في ذلك الزمان البعيد.
ويمثل المجلس موقعا لمناقشة أمور الاقتصاد والتربية، مبينة أن له الفضل في بلورة الكثير من الشخصيات التي ساهمت في بناء السعودية، مشيرة إلى أنه صقلهم بأصول التربية والتعليم وثقافة الحوار، بما في ذلك برتوكول تناول الطعام واحترام الكبار إلى آخره وتصف المجلس في رمضان بما يسمى بـ«المركاز»، يعني انتظام كل العائلة في جلسة كبيرة جدا تضم الكبار والصغار وتعد فيها الشاي ويستمع فيها للحديث عن حركة التجارة أو الطوافة، فضلا عن العادات والتربية، كما لا تخلو جلساته من أناشيد الأطفال والاجتماعيات.
وللمركاز أيضا دور في حل المشكلات، «لا نسمع سيرة طلاق لأنه يصلح ذات البين، في ذلك الزمان لا نرى شرطيا أو عسكريا لأن هيبة العائلة كانت مسيطرة على الوضع».
وأضافت: «كنا نسمع صوت المدفع عند أذان المغرب وعند السحور، وهناك بعض الأكلات المشهورة، مثل (شربة الحب) و(السمبوسة) وكان التكافل جميلا جدا فالحارة لا تجد فيها عزلة كبار المطوفين أو شيوخ المطوفين وكانت فيها بيوت ولاية وفقراء ولكن لم نحس بهذه الفوارق أبدا».
منصور العمرو الذي ترجع جذوره إلى عنيزة حيث أينع في المدينة، يحكي أن الاستعداد لرمضان في المدينة المنورة، يبدأ من شهر شعبان بما يسمى بالشعبنة وهي الخروج إلى المزارع والبساتين وأطراف المدينة على مدى يومين أو أكثر وتجهيز الهدايا وتجهيز البيت والأثاث وتنظيف وتجديده من عشرة شعبان وتخرج السجادات والجلائد وينظف بجريد النخيل وتغسل على مكان مرتفع وتنزل الماء في مكان منخفض. ووفق العمرو، يميز رمضان في ذلك الزمان شرب الماء من «الأزيار»، والذي يعد متعة فيما تنظف ربة البيت الزير وهناك حجار صغيرة تستخدم فيها وتبخر بـ«المستكة» وتبقى رائحة المسكتة مدة طويلة تستمر إلى ما بعد رمضان كأنها طعم في الماء.
في منتصف شعبان هناك نشاط للأطفال بشكل معين، ينشد فيه «سيدي شاهين ما شبيت» ويؤتى من الروشان يأتون بالحلوى و«الفشار»، مبينا أن رمضان يعلن عنه في المدينة بضرب المدافع حيث كان في جبل سد من الجهة الشمالية الغربية من المسجد الحرام قبل التوسعة الأخيرة، وذلك قبل انتشار استخدام المذياع في منتصف الثمانيات، بعد انتشار الراديوهات الصغيرة.
قال العمرو «كنا نطلع على سطح البيت وننظر إلى المنارة الرئيسة وهي مجاورة للقبة الخضراء كان عليها مصباح أحمر فمجرد إضاءته ننتقل بأنظارنا نحو الجهة الغربية لضرب المدفع عند الإفطار، وكان في المسد أربعة مآذن تستخدم فيها مكبرات الصوت، وتبدو كأنها أربعة مساجد بأصوات شجية مؤثرة، وكانوا يحرصون على الأذان من أسرة عثمان آل بخاري وإخوانه».
وذهب العمرو إلى أن الصيام في رمضان، ارتبط بالتمر كعبادة وكسنة، مبينا أن موسم الرطب في المدينة كان يختلف ما هو عليه الآن في البداية، حيث كان هناك نوع يسمى الجبيلي ومعروف نخلته تثمر مرتين في الموسم وهناك نوع يأتي بعده يسمى الحلية ومن ثم الحلوى.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».