بصوت رخيم كان مألوفاً بشدة في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ورغم كثرة عدد الصحف اليومية في مصر حالياً وتنوعها، فإن العمّ خالد عبد الله لم يتنازل عن جملة: «أخبار... أهرام... جمهورية» المعتادة التي وثقتها السينما المصرية في أفلامها المختلفة لباعة الصحف المتجولين في القاهرة.
بلكنة صعيدية (لهجة خاصة بسكان جنوب مصر) وابتسامة راضية، كان الرجل يسير بخطوات متسارعة في شارع «الملك فيصل» الشهير بمحافظة الجيزة، منادياً بأسماء الصحف التي يبيعها، وبينما كان يمسك بمقود دراجته الهوائية، قال لـ«الشرق الأوسط»: «عملي يبدأ في تمام العاشرة مساء كل ليلة، حينما أحصل على حصتي من الجرائد، وأضعها في صندوقي على الدراجة، وأتحرك بها صوب زبائني الذين تعودوا شراء صحف الطبعة الأولى التي تصدر قبل العاشرة مساء كل يوم، وأنادي على كل زبون باسمه، وحين يفتح شرفته أو بلكونة منزله، ألقي بها في اتجاهه، لتستقر في المكان الذي يقف فيه، ولا أخطئ هدفي مطلقاً».
رغم أن اسمه الرسمي صادق عبد الله صادق، فإنه يشتهر بين أهل منطقته باسم خالد، وينتظرونه كل مساء. يعمل منذ العاشرة صباحاً وحتى الخامسة مساء في معمل أسنان، ثم يمارس مهنته القديمة ليلاً بوصفها عملاً ثانياً لتحسين دخله. وكان العم خالد قبل ذلك لا ينشغل سوى بجرائده، عندما كان سعر النسخة لا يزيد على ربع جنيه مصري، والإقبال على شراء الصحف كبيراً، وكانت حصيلة مبيعاته في اليوم تصل لحدود سبعمائة نسخة أو أكثر قليلاً، الآن لا يبيع أكثر من 50 نسخة، بعد أن عزف الناس عن قراءة الصحف ورقياً، واتجهوا إلى مطالعتها عبر الإنترنت.
ولا يهتم العم خالد بحجم الصحف المبيعة، ولا سياسات تسعيرها، لكن ما يعرفه أن ارتفاع الأسعار سوف يقلل مبيعاته كما حدث في الآونة الأخيرة، وسوف يقلص أعداد زبائنه من نحو 50 شخصاً إلى 15 شخصاً فقط، وذلك إذا ما تم تنفيذ توصيات رؤساء تحرير الصحف الحكومية، بزيادة سعرها إلى 3 جنيهات بدلاً من جنيهين، وقتها لن يكون هناك، حسب رأيه، أي جدوى للتعب والمشاوير اليومية التي ترهقه؛ حيث يتحرك قاطعاً شارع «الملكة» المتفرع من شارع «الملك فيصل»، ومنه إلى تقسيم عمرو، ليلبي طلبات زبائنه، الذين يحاسبه بعضهم بشكل يومي، ومنهم من يأخذ ما يحتاجه ويدفع له بشكل أسبوعي. ويبيع النسخة المطبوعة من الصحف الحكومية بسعر جنيهين ونصف الجنيه. وبالتالي؛ فإنه يتحصل على نحو 25 جنيهاً فقط كل مساء من توزيعه الصحف، أي ما يعادل نحو دولار ونصف الدولار.
ويقسم العم خالد عبد الله، الذي كان متفرغاً لبيع الصحف قبل 3 عقود، يومه إلى نصفين؛ الأول للعمل في معمل لصناعة الأسنان، والثاني خصصه لعمله المحبب الذي يجعله قريباً من مرحلة فتوته وشبابه، حين كان يقطع شوارع وأحياء الجيزة كاملة ليروي عطش المحبين للقراءة والاطلاع، وقت أن كانوا يجرون وراء الخبر سواء كان سياسياً أو رياضياً، وينتظرونه في صحف الصباح والمساء.
ورغم الأجواء القاتمة التي تحيط بمستقبل عمله في ترويج الصحف والجرائد، فإن العم خالد يحتفظ بابتسامته، وهو يقول: «توزيع الصحف ساعدني في تربية وتعليم أبنائي وتزويجهم، وأطمع أن يساعدني كذلك في إتمام تعليم ابنتي الصغرى التي تدرس في المرحلة الإعدادية».
يتابع العم خالد، الذي يزيد عمره على 63 عاماً، حديثه قائلاً: «أجد متعة كبيرة، وأنا ألفّ الجرائد على الدراجة يومياً، قبل توزيعها».
بائع صحف متجول يقاوم تراجع توزيع الجرائد في مصر
يحافظ على نداء: «أخبار... أهرام... جمهورية» كل ليلة
بائع صحف متجول يقاوم تراجع توزيع الجرائد في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة