اعترف عامل في مقهى مشهور بأن تخزين الكعك الذي يباع إلى الزبائن مع القهوة يجري على مرحلتين، مرة بالتجميد في «فريزر»، والأخرى في براد عادي. ومع دخول الكعك إلى البراد الثاني يكون صالحاً للبيع خلال سبعة أيام فقط. وقال العامل، إن الكعك المعروض أمام الزبائن هو أقدم المخزون، ويكون في الغالب قرب انتهاء صلاحيته، كما أن الكعك غير المبيع في نهاية اليوم يعود إلى الثلاجة ويعرض في صباح اليوم التالي. ولذلك؛ فزبائن الصباح الذين يعتقدون أنهم يحصلون على كعك طازج هم في الواقع يتناولون كعك اليوم السابق.
هذه هي حيلة واحدة من بين عشرات الحيل التي تلجأ إليها المطاعم والمقاهي بهدف رفع أرباحها. وأهم هذه الحيل في المطاعم الفاخرة هي قوائم الطعام التي تأتي مجلدة في مغلف فاخر وتصميم جذاب مع خطوط مزخرفة. وكلما كانت القائمة ثقيلة في وزنها كان الانطباع لدى الزبائن أنهم في مطعم فاخر. والهدف غير المعلن هو دفع المستهلك إلى إنفاق المزيد على وجبات بهوامش ربح أعلى.
وتنتشر حيلة كتابة قوائم الطعام بالفرنسية أو الإيطالية وفقاً لهوية المطعم مع رفع الأسعار على الوجبات التي تكون أرخص باللغة المحلية. وتهدف قوائم الطعام إلى تسويق المطعم وزيادة المبيعات بدلاً من خدمة الزبائن؛ ولذلك فهي تكتب بخطوط مائلة ودائرية بتصميم جيد. وتستخدم المطاعم صفات فاخرة للوجبات كما تصور بجوار كل وجبة شكل الطبق المتوقع الذي قد يجذب الزبون الجائع من قبل أن يقرأ محتويات الوجبة.
ويقول خبير في تصميم قوائم الطعام، إن إعداد هذه القوائم ليس عشوائياً، وإنما يتم من أجل إقناع الزبون باختيار وجبات معينة. وتستغرق بعض المطاعم أكثر من عام كامل في تصميم قائمة طعام جديدة وفق معايير معينة تعرف باسم «هندسة قوائم الطعام».
وتضاف أوصاف جذابة لأنواع من الأطعمة لزيادة الإقبال عليها مثل «مسقعة صنع منزلي» أو «خضراوات عضوية». وتشير بعض الدراسات من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، إلى أن الأوصاف الجذابة للوجبات تزيد نسبة المبيعات بنحو 73 في المائة. كما أن وضع الأطباق غالية الثمن في مقدمة قائمة الطعام يجعل الوجبات التالية تبدو رخيصة نسبياً في نظر الزبون الذي يقبل عليها.
وتستخدم أحياناً الألوان للإيحاء بدلالات معينة مثل اللون الأخضر للوجبات الطازجة واللون البرتقالي لفتح الشهية. ومن حيث الثمن تخصم المطاعم بنساً واحداً من ثمن الوجبات حتى يكون 5.99 بدلاً من ستة جنيهات، كما لا تضع علامة العملة وتكتفي بالرقم وحده.
وبدلاً من وضع أسعار الوجبات على جانب واحد من القائمة، بحيث يسهل على المتصفح أن يقارن الأسعار، تلجأ المطاعم الفاخرة إلى وضع سعر الوجبة مع نص الفقرة التي تصف الوجبة. وتلغي هذه الوسيلة رغبة الزبون في مقارنة الأسعار ويختار بذلك وجبة غالية الثمن.
وتلجأ المطاعم إلى حيلة أخرى لتسهيل الاختيار أمام الزبائن. فهي لا تستخدم قوائم بها الكثير من الأصناف وإنما تلجأ إلى تقسيم القائمة إلى أقسام رئيسية مثل «اللحوم» و«الأسماك» و«البيتزا» و«الأنواع النباتية» وتضع في كل قسم أربعة أو خمسة خيارات بحد أقصى.
وتحاول المطاعم إكساب وجباتها صفات أصلية فتلجأ إلى استخدام أسماء الوجبات بلغاتها الأصلية، مثل كلمة «مقبلات» التي تكتبها «انتباستي» والحلوى التي تكتبها «دولشي»، وهي أوصاف باللغة الإيطالية بدلاً من اللغة المحلية. كما تضع المطاعم أسماء مشهورة على مكونات الوجبات مثل الصلصات التي تشجع الزبائن على الإقبال عليها لأن جودتها مضمونة.
ومن المطاعم ما يقدم «اختيار الشيف» على القائمة، وهو وجبات قليلة قد تكون أغلى من الوجبات الأخرى، وقد تكون مماثلة في السعر. ويقول بعض الزبائن، إن اختيار هذه الوجبات قد يكون الأفضل؛ لأن محتويات الوجبة تكون طازجة، بينما يعتقد البعض الآخر أن «اختيار الشيف» يتكون من الوجبات التي تريد المطاعم التخلص منها.
وتعرف المطاعم من أبحاثها أن معظم الزبائن ينظرون أولاً إلى أعلى يمين القائمة ويهملون أسفل يسارها. ولذلك؛ توضع أغلى الوجبات وأكثرها ربحاً في الركن الأيمن أعلى الصفحة. وأحياناً تلجأ بعض المطاعم إلى وضع بعض الوجبات في برواز خاص أو بلون مختلف لجذب نظر الزبون إليها.
ولا توجد معلومات في قوائم الطعام عن حجم الوجبة التي يتوقعها الزبون حتى ولو كانت الوجبة تأتي في حجمين «عادي» و«كبير»، ومن يطلب الحجم الكبير على اعتقاد أنه يحصل على قيمة أفضل، لن يعرف بالتأكيد الفارق بين الحجم الذي طلبة والحجم العادي.
كما تشير معلومات من بعض المطاعم، إلى أن الصنف الأول تحت كل قسم من القائمة، من المقبلات إلى الحلوى، هو الأكثر ربحاً للمطعم. وذلك لأن الكثير من الزبائن يطلبون الصنف الأول من القائمة.
وتلعب العلامات والمؤشرات دوراً أيضاً في جذب الزبائن، مثل الإشارة إلى أن الوجبة جديدة على القائمة، أو موسمية لفترة محددة، أو تقديم وجبة على أنها «طبق اليوم» بسعر مخفض. وتكتفي بعض المطاعم بالكلمات من دون الصور؛ لأن الزبون اعتاد على رؤية صور الوجبات في المطاعم الأوروبية الرخيصة التي تقدم صورها للسياح للتغلب على مشكلة اللغات المختلفة. كما أن الزبون يقارن دوماً بين الصورة وبين طبق الطعام الذي لا يشبهها في معظم الأحيان. وبدلاً من الصور تلجأ بعض المطاعم إلى مقاطع الفيديو لدى استعراض قوائم الطعام على الإنترنت قبل طلبها.
من الحيل المتبعة أيضاً تقديم الوجبات على صحون كبيرة الحجم، بحيث يعتقد الزبون أنه تناول وجبة صغيرة ويطلب بعدها الحلوى والقهوة. كما يتناول الزبون طعامه بأدوات مائدة مصقولة وغالية الثمن تمنح زبون المطعم اعتقاداً بأن نوعية طعامه أيضاً متميزة. أما إذا كان المطعم من نوع البوفيه الذي يأكل فيه الزبون كل ما يستطيع، تكون الصحون في هذه الحالة من النوع الصغير.
وفي العصر الحديث تلجأ بعض المطاعم إلى أبحاث نفسية لاستكشاف ما سوف يطلبه الزبون عن طريق الذكاء الاصطناعي. وأنفقت سلسلة مطاعم شهيرة ملايين عدة من الدولارات لاستخدام تقنيات قراءة عين المتصفح لقائمة الطعام، وتوقع ما سوف يختاره منها، كما تحتفظ المطاعم بسجل الزبائن المسجلين لديها والوجبات التي تناولوها في زياراتهم السابقة. ولذلك؛ فقد تقترح مطاعم المستقبل الوجبة المفضلة لدى الزبون من قبل أن يطلبها.
وبالطبع، يلعب المناخ العام في المطعم دوره لتشجيع الزبائن على إنفاق المزيد على الوجبات بموسيقى خفيفة في الخلفية، وإضاءة شمعة على كل طاولة ومساعدة الزبائن على الجلوس، وعلى استخدام المفرش الأبيض لحماية ملابسهم. ويشير بحث في علم النفس من جامعة ليستر البريطانية، إلى أن بث الموسيقى الكلاسيكية في المطاعم يزيد من إنفاق الزبائن لشعورهم بأنهم من الصفوة.
ولا يجب النظر إلى هذه الحيل على أنها مصممة لخداع الزبائن، بل هي من أسرار المهنة التي توجد في الكثير من المهن الأخرى. فالمطاعم مثل المنشآت التجارية كافة تهدف إلى الربح من أجل الاستمرار في السوق. كما أنها مثقلة بالتكاليف الثابتة فوق تكاليف الطعام اليومي من إيجار وأجور وفواتير وضرائب. وتعرف المطاعم أيضاً أن معرفة الزبائن بهذه الحيل لن يؤثر على اختياراتهم في المستقبل.
حيَل تلجأ إليها المطاعم لزيادة إنفاق الزبائن
قوائم بالفرنسية وصور شهية وموسيقى كلاسيكية
حيَل تلجأ إليها المطاعم لزيادة إنفاق الزبائن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة