الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين

الحرب لا تتعمد التهجير فحسب.. بل تستهدف القدس «قلب» الدولة الفلسطينية

الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين
TT

الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين

الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين

يكفي النظر إلى خريطة جوية لفهم لماذا فرضت منطقة الخان الأحمر الفلسطينية نفسها على الأحداث خلال الأسابيع الفائتة. فالمنطقة التي تقع في قلب الدولة الفلسطينية تسمح بتشبيك «مخيف» لمجموعة من المستوطنات الإسرائيلية الضخمة المحيطة، وتقودها جميعاً إلى القدس، مشكلة «حزاماً خانقاً» من المستوطنات حول العاصمة المرجوة للفلسطينيين، وتقطع بلا رحمة الدولة المنتظرة إلى نصفين. وهذا، ناهيك عن أن الترحيل القسري لبدو الجهالين، الذين عاشوا في هذا المكان منذ أكثر من 50 سنة، قد يشكل جريمة حرب أخرى بامتياز ضد شعب أعزل.

من بين تجمعات فلسطينية كثيرة مهددة بالترحيل والهدم في الضفة الغربية، تحولت المعركة حول الخان الأحمر إلى مواجهة رئيسية وذات أولوية، حشد فيها الفلسطينيون كل الطاقات، بما فيها اللجوء إلى القضاء والصمود على الأرض، لإدراكهم أن السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المنطقة ستعني، ضمن أشياء أخرى كثيرة، خسارة التواصل الجغرافي في الضفة الغربية، وعزل القدس عن باقي محيطها العربي. ويضاف لهذين العاملين خسارة مزيد من الأراضي لصالح المستوطنات التي تنمو كالسرطان في المنطقة، وربما أيضاً سيعني هزيمة أخرى جديدة في معركة طويلة.
أمام هذا الواقع المعقد، لم يجد الفلسطينيون بداً من خوض معركة قد تبدو خاسرة أمام القوة العسكرية الإسرائيلية المتحكمة، دفاعاً عن الحلم الذي لم يتحقق حتى الآن... أي «الدولة الفلسطينية في حدود 1967».

الخان قبل إسرائيل
قبل أن تحتل إسرائيل الضفة الغربية عام 1967 بنحو 15 سنة، وصل عرب الجهالين إلى المنطقة القريبة من القدس، آتين من منطقة عراد التي هجروا منها، واستقروا في 12 تجمعاً قريباً من القدس، على الطريق إلى أريحا.
أحد هذه التجمعات يُسمى «الخان الأحمر»، ويقع على «الطريق السريع» قرب مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم الإسرائيليتين القريبتين من القدس.
في البداية، ضمن المهجرون أراضي للسكن والرعي، لكن إسرائيل قررت أن تقيم هناك مستوطنة كفار أدوميم، فجرى تهجيرهم إلى المكان الذي يعيشون فيه اليوم، وهو ببساطة مجموعة من بيوت الصفيح والخيم المتناثرة في سفح جبل على بُعد نحو كيلومترَين إلى جنوب مستوطنة كفار أدوميم، وتقطنه 21 أسرة، بواقع 146 شخصاً.
وإضافة إلى البيوت البدائية جداً، يوجد هناك مسجد ومدرسة شيدا عام 2009، ويدرس في المدرسة أكثر من 150 طالباً، نصفهم من تجمعات مجاورة. وهذه المدرسة بنتها جمعية «تيرا فينتو» الإيطالية، بطريقة بناء يُستخدم فيها طين الوحل وعجلات السيارات، ومول بناؤها عبر إيطاليا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي. واليوم، باتت هذه المدرسة بعد انتهاء الدوام خيمة صمود كبيرة، ينام فيها عشرات الفلسطينيين المصممين على مواجهة جرافات إسرائيل، حين تصل لتنفيذ قرار هدم الخان الذي أصدرته محكمة إسرائيلية.

بداية الحكاية
لا يوجد وقت محدد لبدء المضايقات الإسرائيلية لأهل المنطقة. فقبل سنوات كثيرة، حولت السلطات حياة السكان إلى جحيم، رافضةً ربط التجمع بشبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق، ومانعةً بناء المنازل والمباني العامة، ومحددةً مساحات الرعي، وفارضةً واقعاً يشكو من نقص كبير في خدمات الصحة والتعليم والرفاه. ولسنوات كثيرة أيضاً، رفضت إسرائيل منح ولو ترخيص واحد لتشييد أي مبنى في المنطقة، فاضطر بدو الجهالين لبناء منازل من الصفيح، أو نصب خيم متنقلة، في مواجهة قرارات الهدم والمصادرة.
في المقابل، رصدت مؤسسات حقوقية أنه منذ عام 2006 حتى نهاية مايو (أيار) 2018، هدم 26 مبنى سكنياً، وتُرك 132 شخصاً بلا مأوى، بينهم 77 من الأطفال والفتيان. وخلال هذه الفترة، رفع سكان التجمع عدداً من الالتماسات إلى محكمة العدل العليا، محاولين منع تهجيرهم، لكن بنهاية مايو، حكم قضاة المحكمة بأنه يحق للدولة هدم منازل سكان تجمع الخان الأحمر، وتهجيرهم من المكان.
وفي بداية يوليو (تموز)، وصل مندوبو الإدارة المدنية، برفقة عناصر من الشرطة، ومعهم آليات ثقيلة، وباشروا التحضير لهدم مباني تجمع خان الأحمر، وترحيل سكانها، لكن أبناء الخان، متضامين، ناموا أمام الجرافات. وبعد يومين، لجأ السكان لرفع التماس للمحكمة العليا. وفي اليوم نفسه، أصدرت المحكمة أمراً مؤقتاً بوقف إجراءات الهدم إلى حين البت في الالتماس.
لكن الدولة الإسرائيلية قدمت رداً لاحقاً للمحكمة، أكدت فيه إصرارها على ترحيل السكان فوراً إلى الموقع الأصلي المحاذي لمزبلة أبو ديس. وأضافت في الرد أنها مستعدة للسعي في وقت ما مستقبلاً لإنشاء بلدة جديدة لسكان التجمع في موقع صحراوي، يقع جنوب غربي أريحا، لكنها اشترطت لأجل ذلك أمرين:
1 - أن ينتقل إلى البلدة الجديدة (إضافة لسكان تجمع خان الأحمر) سكان ثلاثة تجمعات مجاورة له. وبموجب هذا الشرط، سيرتفع عدد السكان الذين يقتضي ترحيلهم إلى الضعف، وربما أكثر، ليربو على 400 شخص.
2 - أن يُخلي جميع السكان منازلهم دون اعتراض، وأن يوقعوا على تصاريح يشهدون فيها بأنهم يغادرون منازلهم بالتراضي.
وقد رفض السكان ذلك، وردوا في الشهر التالي رسمياً بأنهم متمسكون بمنازلهم وحقوقهم، ومصرون على رفض هدم تجمعهم وترحيلهم عنه. وفي تعقيبهم على خطة الإسكان البديل التي قدمتها الدولة للمحكمة، كشف السكان إلى أي حد تفتقر الخطة إلى حُسن النية، وكونها غير لائقة ولا قابلة للتّطبيق، لأن الموقع المقترح لا تفصله عن منشأة لتطهير مياه المجاري سوى بضع مئات من الأمتار. ومن أجل شق الشوارع التي يفترض أن تصل إليه، ينبغي مصادرة أراض فلسطينية.
ثم إن الدولة تضع الإجراء القضائي الحالي موضع السخرية، حين تربط ترحيل تجمع خان الأحمر إلى بلدة جديدة مع ترحيل تجمعات فلسطينية أخرى، فتكشف بذلك عن غايتها الحقيقية، ألا وهي القضاء على وجود كل التجمعات الفلسطينية الواقعة في الأراضي الممتدة شرق مدينة القدس، وصولاً إلى منتصف الطريق للأردن. وبذا، تدقّ الإسفين الاستيطاني الذي سيشق الضفة، ويقسمها نصفين، تبعاً لمسار «جدار الفصل» الذي تخطط لإنشائه في المنطقة.
وعملياً: كان يجب أن يرحل السكان، بحسب قرار المحكمة الإسرائيلية، بداية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وهو الموعد الأخير الذي منحته المحكمة للسكان، قبل أن يطلب الجيش منهم هدم منازلهم بأياديهم حتى لا يضطر للتدخل، لكن لا يبدو أن ذلك سيحصل في أي لحظة. ووفق عيد أبو داهوك، وهو أحد أهم نشطاء التجمع ورئيس المجلس القروي (السلطة أعلنت المنطقة قرية جديد في إطار مواجهة إسرائيل): «لن نرحل... سنبقى هنا». وأمام كل جماعة متضامنة تصل إلى المنطقة، يقول عيد المعروف بـ«أبو خميس» معلقاً: «نحن بوابة القدس الشرقية... إذا سقطت الخان الأحمر، سيسقط الأقصى أيضاً، وكذلك العملية السلمية كلها».
ولا ينوي «أبو خميس» الامتثال لقرارات الهدم الإسرائيلية، مهما كلف الثمن، مبرراً: «لم يجرِ التشاور معنا، ويريدون إرسالنا إلى مكان يقع قرب مكب النفايات، وهو لا يتناسب مع أسلوب حياتنا هنا. أيضاً سكان أبو ديس حذرونا من المجيء». ويحمل حديث «أبو خميس» رسائل يحاول من خلالها أيضاً مخاطبة الرأي العام، بعيداً عن تسييس القضية. ولم يشأ السكان الدخول في تفاصيل حول الخطة الإسرائيلية المرعبة المعروفة، بـ«إي 1» (E1).

الأسباب المعلنة والمخفية
تدعي إسرائيل أن أبنية الخان الأحمر، وهي بمعظمها منازل من الصفيح والخيام، بنيت من دون تصاريح، وتشكل تهديداً على السكان بسبب قربها من «الطريق السريع»... وبهذه الحجة، تريد هدمها. لكن في حقيقة الأمر ثمة مخططاً كبيراً وراء ذلك، يدركه الفلسطينيون أكثر من غيرهم، هو مخطط «إي 1»، إذ يقول رئيس الوزراء الفلسطيني، الدكتور رامي الحمد الله، إن المخطط الإسرائيلي للمنطقة خطير للغاية، مضيفاً: «إنهم يهدفون إلى تنفيذ مشروع (إي 1)، في انتهاك واضح وصارخ للقانون الدولي، ولكل المواثيق والصكوك الدولية».
ويشرح: «هذا العدوان المنظم على التجمعات البدوية تغيير للوقائع على الأرض، وتقويض لحل الدولتين، ولإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ومتواصلة جغرافياً، من الخان الأحمر وجبل البابا وسوسيا إلى أم الجبال وأم الخير (مناطق بدوية مهددة)... هناك، تتجذر معركة حماية الأرض والوجود الفلسطيني. هذه الأراضي امتداد طبيعي لأرضنا المحتلة، وجزء لا يتجزأ من دولة فلسطين التي لن تقوم إلا والخان الأحمر وكل التجمعات البدوية في قلبها».
لكن ما هو مخطط «إي 1» الذي استنفر الفلسطينيين؟ يقول الفلسطينيون إنه مخطط استيطاني ضخم، هدفه «تشبيك» المستوطنات الإسرائيلية في قلب الضفة الغربية، وهو يقوم على 13 ألف دونم مربع. ونُشر أول مرة عن المخطط عام 2012، عندما أمرت الحكومة الإسرائيلية بدفع الإجراءات التخطيطية الخاصة بآلاف الشقق السكنية التي ستكون توسيعاً لمستوطنة معاليه أدوميم، في إطار الخطة «إي 1»، وتحديداً في المنطقة التي تربط معاليه أدوميم بالقدس. وكان لافتاً أن هذا القرار صدر بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية مراقبة في الأمم المتحدة.
ووفق تقرير لمنظمة «بتسليم» الإسرائيلية، فإن تنفيذ مخططات البناء في منطقة «إي 1» سيؤدي «إلى خلق تواصل عمراني بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس، وسيزيد من حدة عزل القدس الشرقية عن سائر أجزاء الضفة الغربية، وسيمس بالتواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها».

الموقف والرد الفلسطينيان
يتنوع الرد الفلسطيني بين قانوني ودعم مباشر للمنطقة، إضافة إلى تحركات دولية، إذ يقول المكتب الوطني التنسيقي للمناطق المسماة «ج»، التابع لرئاسة الحكومة الفلسطينية، إن قضية الخان الأحمر هي الأولى من هذا النوع، ذلك أنه استنفِذَت جميع الخيارات القانونية أمام المحاكم الإسرائيلية، مما سيساهم في خلق سابقة قانونية للسلطات الإسرائيلية للتعجيل بهدم تجمعات بأكملها في الضفة الغربية، بهدف مواصلة المخطط الاستيطاني «إي 1»، أو ما يعرف أيضاً بـ«مخطط القدس الكبرى».
ومقابل ذلك، أقرت الحكومة الفلسطينية إحداث هيئة محلية باسم قرية الخان الأحمر في محافظة القدس، كما افتتحت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية العام الدراسي في ما يعرف بـ«مدرسة الإطارات» في تجمع الخان الأحمر، التي تخدم 174 طالباً وطالبة من أبناء تجمع الخان الأحمر، والتجمعات البدوية القريبة والأغوار. ولقد عملت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» على إطلاق حملة «أنقذوا الخان الأحمر»، ووفرت الهيئة كل الاحتياجات اللوجيستية والغذائية لأبناء التجمع والمعتصمين، وقدمت خدمة توفير سندات ملكية ووثائق قانونية داعمة للمرافعات القضائية عن قرية الخان الأحمر، بما فيها سندات الملكية للأرض، وسند تأجير من قبل أصحاب الأراضي من قرية عناتا للمواطنين المقيمين على أراضي القرية، وتأمين طاقم محامين للدفاع عن قضية الخان الأحمر أمام المحاكم الإسرائيلية.
وفوق كل ذلك، فتحت وزارة الصحة عيادة صحية تعمل على مدار 24 ساعة في التجمع، بالإضافة إلى عيادة متنقلة تقوم بتقديم الخدمات الصحية لأهالي التجمع يومين في الأسبوع. أما وزارة الزراعة والبيطرة فزودت الخان الأحمر بالاحتياجات الأساسية، من علف وأدوية للمواشي، وأقرت سلطة المياه إجراءات احترازية، بالتعاون مع المؤسسات العاملة في المجال الإنساني.
ليس هذا فحسب، بل قدمت السلطة الفلسطينية، بتاريخ 12 سبتمبر (أيلول) 2018، بلاغاً جديداً للمدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، بشأن جرائم الاحتلال في ما يتعلق بالتهجير القسري، وهدم قرية الخان الأحمر. وقال الدكتور صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن الشكوى تضمن بناء على طلب من الضحايا إتاحة الفرصة للقاء يجمع المدعية العامة للجنائية معهم لشرح تفاصيل ما يحدث في الخان الأحمر، وتحديداً المجلس المحلي للخان. وأشار عريقات إلى أن البلاغ الذي قُدم أكد على أهمية قيام المدعية بإصدار تحذير إلى إسرائيل لمنع هدم وتهجير سكان الخان الأحمر قسرياً.

احتجاج دولي أيضاً
لم يقف الأمر عند الاحتجاج الفلسطيني، بل احتج الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ودول مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، على خطة هدم الخان، وطالبوا إسرائيل بالعدول عن خطة الهدم التي تعتبر تهجيراً غير مبرر، ولها تداعيات على حل الدولتين، كما وصفت منظمات حقوقية الخطة الإسرائيلية بأنها «جريمة حرب».
وفي المقابل، أرسل وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان رسالة إلى سفراء 8 دول أوروبية لدى إسرائيل، متهماً حكومات هذه الدول بـ«التحيز المتعمد» في ملف هدم وإخلاء الخان الأحمر. وقال ليبرمان في رسالته إن «موقف هذه الدول من قضية الخان الأحمر بمثابة تدخل صارخ بالشؤون السيادية لإسرائيل». وكان ليبرمان يشير إلى الإعلان الذي صدر في نهاية الشهر الماضي عن فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا والسويد وبولندا وبريطانيا، الذي حذرت فيه حكوماتها إسرائيل من «عواقب وخيمة» لهدم الخان الأحمر.
اليوم، يحاول الفلسطينيون بكل قوة ممكنة التصدي لخطة هدم التجمع البدوي، ويعتصم هناك مئات من الناشطين الذي حولوا المكان إلى قبلة لكل متضامن مع سكان المنطقة. وقد تعهد الحمد الله بأن يظل الخان الأحمر «على الخريطة في قلب الدولة الفلسطينية»، لكن الفلسطينيين يدركون أنهم في النهاية قد يخسرون هذه المعركة أمام الجرافات الإسرائيلية المتأهبة، ويقولون إنهم سيحاولون بناء المكان مرة أخرى.

موقف القانون الدولي واضح

> موقف القانون الدولي واضح تجاه موضوع الخان الأحمر، فهو يقول بلا مشروعية هدم الممتلكات العامة والخاصة (المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة)، وتعتبره جريمة حرب (المادة 8 «2» «أ» «4» من نظام روما الأساسي). بالإضافة إلى ذلك، يشكل التهجير القسري انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة (المادة 49 (1) و147)، فضلاً عن كونه جريمة ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسي (المادة 7 «1» «د» و7 «2» «د»).


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.