«دابق».. الذراع الإعلامية لـ«دولة الخلافة»

في خطوة جديدة، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية عن إصدار أول صحيفة رسمية للخلافة الإسلامية باسم «دابق»، توزعها مرحليا في العراق، وتتحدث عن مشاريع لإصدار صحف أخرى ومواقع إلكترونية باللغة العربية ولغات أجنبية، «لتبليغ رسالة الخلافة للناس».
وحمل العدد الأول من مجلة «دابق» عنوانا رئيسا موضوعا «عودة الخلافة»، وبحسب حسابات تنظيم داعش على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن مجلة «دابق» الجديدة تعتمد التقويم الهجري في صفحاتها؛ فالعدد الأول هو عن شهر رمضان من عام 1435 هجرية.
ويعود الاسم إلى منطقة «دابق» في حلب، شمال سوريا. وتشرح «داعش» سبب اعتماد الاسم في المجلة، إذ إنّها «منطقة حصول الملاحم». والمعروف أنّ «دابق» هي منطقة حصول «معركة مرج دابق» التي انتصر فيها العثمانيون بقيادة السلطان سليم الأول على المماليك في 18 أغسطس (آب) من عام 1516. وقد أدت المعركة إلى سيطرة العثمانيين لأربعة قرون على المنطقة، تحت عنوان «الخلافة الإسلامية». تتبع «داعش» نهج العثمانيين إذن، وكأنّ كل الأمر حلقة من مسلسل «حريم السلطان» الذي يُصوّر الدولة العثمانية على أنها دولة العدالة والأمان.
تتألف «دابق» من 50 صفحة، وينتجها «مركز الحياة الإعلامي»، التابع للتنظيم. استعمل «داعش» خريطة «دولة الخلافة»، أي المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم في سوريا والعراق، كخلفية لصفحة الغلاف. معيار «البساطة» في التصميم واضح: ألوان مريحة، اسم المجلة ثم رقم وعنوان العدد، وثلاثة عناوين فرعية. اختار التنظيم تصميما وعناوين أشبه بالتمهيد لفيلم سينمائي ضخم.
كذلك اختار التنظيم عنوان «عودة الخلافة» للعدد الأول. وحملت موادّ العدد ترجمة للعنوان، فبعد التمهيد، نُشر موضوع عن «إعلان الخلافة»، وتقارير وأخبار من «دولة الخلافة»، و«دولة الخلافة في كلمات الأعداء»، وقصة من الهجرة إلى الخلافة. وتضمّنت المجلة مواضيع عن الجهاد والجماعة والهجرة والمنهج. ومجلة «دابق»، بحسب إسلاميين في لندن، قد تكون على خطوة مجلة «القاعدة» «إنسباير» التي كانت تصدر بالإنجليزية من 2010 حتى مقتل القائمين عليها في غارة بطائرة من دون طيار (الدرون) باليمن عام 2012، ولم ينشر أي عدد جديد لمجلة «إنسباير» الإلكترونية التابعة لتنظيم القاعدة بعد أن لقي مؤسسوها مصرعهم في هجوم «الدرون».
وقال محللون استخباراتيون أميركيون إنهم يفتقدون «إنسباير»، حيث كانوا يعدونها، بالحد الأدنى، «نافذة» تتيح لهم التعرف على طريقة تفكير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مثلما يعرف عن نفسه التنظيم المتمركز في اليمن. وظهرت مجلة «إنسباير» لأول مرة في يوليو (تموز) 2010، وتعد واحدة من أبرز الوسائل الدعائية لـ«القاعدة»، إذ إنها كانت تصدر باللغة الإنجليزية وتحتوي على صور ملونة ومقالات تستهدف القراء الأميركيين والأوروبيين للتأثير على أفكارهم. ويبدو العدد الأول من مجلة «دابق» وكأنه في موقع المنافسة مع كبريات المؤسسات العالمية.
وغلاف المجلة الخارجي، حسبما يظهر على المواقع القريبة من «داعش» لا يخلو من أبعاد مهنية، يصلح لأن يعتمد غلافا لعدد خاص حول «عودة الخلافة» من قبل مجلة «تايم» أو «فورن بوليسي».
تبويب المواضيع، في الظاهر ومن حيث العناوين على الأقل، يبدو مهنيا، وأيضا مستوحيا النماذج الغربية؛ فالمجلة تعد بـتقارير وتحليلات إخبارية وتحقيقات فيتشر مطولة منوعة، وأخرى تاريخية فضلا عن الأخبار السريعة لـ«دولة الخلافة».
والعدد الأول من مجلة «دابق» جاء في 50 صفحة، وتجنب القائمون عليها نشر صور الفظائع التي يرتكبها التنظيم ضد المسلمين ومساجدهم وأضرحتهم والفظاعات التي ارتكبها مسلحو التنظيم ضد المسيحيين وبيوت عبادتهم، سواء في سوريا أو العراق. وفي صفحاتها الأولى صورة لمقاتلين لا نرى وجوههم يقفون في مواجهة النيران ويذكرون بجنود المارينز أكثر مما يذكرون بمقاتلي الدولة الإسلامية. وتعلن المجلة عن خطتها بالتركيز على مواضيع التوحيد، والمنهج، والهجرة والجهاد.
ويأتي نشر المجلة بلغات أكاديمية أجنبيّة ليطرح علامات استفهام حول الجمهور الذي تتوجه له، فعلى ما يبدو فإن القراء المستهدفين هم الغربيون أكثر من العرب. إضافة إلى ذلك، استخدم التنظيم عبارات «الخلافة، والولاية، والسمع، الطاعة، ملّة»، وغيرها من العبارات «الإسلامية» مع ذكر المعنى باللغة الإنجليزية. وذلك في وقت نشرت فيه حسابات على وسائل التواصل أنباء عن اعتزام التنظيم إصدار صحيفة ورقية باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان «الخلافة 2»، أو «الوسيلة للخلافة»، منوها بأن هاتين الصحيفتين ستوزعان بالمجان، ويعمل على إعدادهما متخصصون ماهرون في التحرير الصحافي، للحصول على أعلى مستوى.
بينما يؤكد فراس الفراتي، ناشط إعلامي في الرقة، أن بعض عناصر تنظيم الدولة يتكلمون ويُشيعون منذ عدة أيام بين أهالي الرقة أنباء عن إصدار صحيفة لتنظيم الدولة، ستُوزع على الناس ضمن حدود سيطرة التنظيم في سوريا، تعمل على نشر أفكار تنظيم الدولة بين الناس ومحاولة إقناعهم بضرورة البيعة لخليفتهم، حسب الفراتي.
ومن جهته، يؤكد مقربون موالون لتنظيم الدولة الإسلامية على مواقع التواصل الاجتماعي أن هذا الأمر هو «خطوة جيدة في إيصال حقائق غائبة للناس، تخص التنظيم وإظهار محاسن تنظيم الدولة التي يسعى أعداؤها لتشويهها». ويضيف: «تسعى الدولة الإسلامية لتوضيح كثير من الأمور الخيرة، التي لا يعلمها الناس عنها، وهذه الخطوة مهمة جدا نحو الانفتاح الإعلامي من قبل الدولة على العالم».
ويشيد العدد الأول من مجلة «دابق» بذكرى أبو مصعب الزرقاوي، الذي أسس تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» قبل أن يقتل في غارة أميركية في عام 2006، ويقدمه على أنه أحد أبرز مؤسسي الخلافة.
وتضمن العدد الأول من المجلة والذي حمل عنوانا رئيسا هو «عودة الخلافة» مقتطفات من خطب للبغدادي الذي أطلق على نفسه اسم «الخليفة إبراهيم» وظهر للمرة الأولى في تسجيل مصور قبل نحو أسبوعين، يتحدث فيه عن حقبة جديدة في الإسلام ويدعو الأطباء والمهندسين وغيرهم للهجرة إلى أراضي دولة الخلافة».
وتضم «دابق» صور حشود تهتف لمسلحي «الدولة الإسلامية» وهم ينظمون استعراضات عسكرية في مدن عراقية وسورية ويرفعون راية التنظيم السوداء، وصورا لأشخاص قتلوا بحسب المجلة على أيدي «الروافض» في إشارة إلى الشيعة، وصورا أخرى لجنود عراقيين قالت المجلة إنهم من الشيعة وجرى إعدامهم على أيدي مسلحي الدولة الإسلامية.
وتنشر المجلة في عددها الأول أيضا مقالا طويلا يستند إلى مقولات فقهية لتبرير إعلان «الخلافة» وموقع البغدادي زعيما دينيا وسياسيا لها». وبحسب باريت، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية» ناجح في التواصل مع أنصاره، ومن الواضح أنه يملك مهارات للتصميم، إلا أن مقالاته تفتقد الزخم والحماس الذي ميز مجلة القاعدة الصادرة باللغة الإنجليزية «إنسباير».
ويعتقد أن «إنسباير» كانت وليدة فكرة الشيخ الأميركي اليمني أنور العولقي، إلا أنه ليس من الواضح بعد الشخص الذي يقف خلف مجلة «دابق».
ويرى محللون أن المحتوى التحريري لمجلة «دابق» يتركز بشكل أكبر حول كيفية بناء دولة جديدة والترويج لها، بدل الإصرار على جعلها أداة للتجنيد ولنشر المعلومات التقنية. ويقول بيتر نومان مدير «المعهد الدولي لدراسة الحركات المتطرفة» ومقره لندن إن «الهدف ليس تشجيع مسلمين غربيين راديكاليين شبان على شن هجمات، بل على المجيء إلى سوريا». فيما يعتقد ريتشارد باريت المسؤول السابق في جهاز مكافحة الإرهاب في الاستخبارات البريطانية أن «دابق» عبارة عن منشور يروج للخلافة على أنها كيان حقيقي مضمون.
ورجح باريت ألا يكون للمجلة الجديدة الصادرة بالإنجليزية التأثير ذاته الذي حظيت به «إنسباير» والتي كانت في وقت من الأوقات أكثر المجلات والمنشورات الإلكترونية التي تعنى بأخبار الجهاديين تحميلا عن الإنترنت.
ويقول إن مواد البروباغندا الرئيسة لا تزال اليوم تمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» وإنستاغرام وغيرها من المنصات التفاعلية والحديثة.