مفاوضات تشكيل الحكومة اللبنانية في مراحلها النهائية

تمثيل «الكتائب» و«العزم» مرتبط بتفاهمات مع «المستقبل» و«الوطني الحر»

TT

مفاوضات تشكيل الحكومة اللبنانية في مراحلها النهائية

دخلت مساعي تأليف الحكومة اللبنانية مرحلة توزيع الحقائب والتفاوض عليها، بعد وصول المفاوضات على الحصص إلى المربع الأخير، ويتوقع أن تُنجز تلك المهام خلال الأيام القليلة المقبلة، وتسبق الإعلان عن ولادة الحكومة بعد عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من زيارته إلى أرمينيا، حيث يشارك في القمة الفرنكوفونية التي تعقد في العاصمة يريفان.
ونقل النواب عن رئيس مجلس النواب نبيه بري تأكيده أنه «آن الأوان لكي يتحمل الجميع مسؤولياتهم من أجل حسم موضوع الحكومة»، داعيا إلى «تواضع كل الأطراف في التعامل مع عملية التشكيل». وعن أجواء التحرك القائم في هذا الشأن، قال بري: «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، ملاحظا أن «هناك حركة ناشطة اليوم، والبعض يتحدث عن أجواء إيجابية واعدة». وجدد القول إن «الوضع الاقتصادي دقيق للغاية، وهذا يفترض منا أن نتعاون جميعا لمواجهة هذا الاستحقاق الذي يؤثر على الوضع العام في البلاد». وأشار إلى أن «تردي الوضع الاجتماعي والخدماتي، بل الفساد أيضا، يعود إلى عدم تطبيق القوانين كما عبرت مرارا». وأكد أن «المجلس سيستمر بتحمل مسؤولياته والقيام بدوره، وستكون هناك جلسة تشريعية قبل نهاية هذا الشهر».
واستقرت الحصص الوزارية في الجولة الأخيرة من المفاوضات على توزيع يمنح «التيار الوطني الحر» 7 وزراء، ورئيس الجمهورية 3 وزراء، و6 وزراء من حصة «المستقبل»، و6 آخرين من حصة الثنائي الشيعي «حزب الله» و«حركة أمل»، و4 وزراء من حصة «حزب القوات اللبنانية»، إضافة إلى وزير من حصة «تيار المردة»، إلى جانب وزيرين من حصة جنبلاط، ووزير درزي ثالث بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، بحسب ما قالت مصادر مواكبة لـ«الشرق الأوسط»، مضيفة أن تمثيل حزب «الكتائب» بوزير، يرتبط بتفاهمات مع «التيار الوطني الحر» على أن يؤخذ هذا المقعد من حصة التيار، فيما تمثيل «كتلة العزم» التي يرأسها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي بوزير واحد، يرتبط بتفاهم مع الرئيس المكلف سعد الحريري.
وقالت مصادر مطلعة على أجواء «المستقبل» إن الحصص لم تستقر بعد على رقم محدد، وما زالت موضع «أخذ وردّ»، مشيرة إلى أن حصة «المستقبل» ستكون 6 وزراء، لافتة إلى أن تمثيلهم من 6 وزراء سنة أو غير ذلك مرتبط بالتوزيع النهائي وتبادل وزراء يمثلون طوائف أخرى. كما أكدت المصادر أن سنة «قوى 8 آذار» لن يتمثلوا في الحكومة.
ولم تحسم معضلة الوزراء الدروز الثلاثة، رغم أن المعطيات الأولية تشير إلى أن «الحزب التقدمي الاشتراكي» سيتمثل بوزيرين درزيين، وربما وزير من طائفة أخرى، وذلك بعد التفاهم على أن يحظى الوزير الدرزي الثالث بتوافق من رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، ويختاراه من بين 5 أسماء مقترحة. وقال رئيس «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أمس: «إن الدعوة إلى التسوية مطلوبة من جميع الأفرقاء، لكن حذار أن يفسرها البعض أيا كان بأنها تنازل عن الثوابت. وعلى هذا لن نقبل بأحصنة طروادة جديدة في الوزارة المقبلة»، فيما قال رئيس «الحزب الديمقراطي» طلال أرسلان الذي بات محسوما بأنه لن يكون وزيراً: «نؤيد الدعوة إلى تسوية من دون التنازل عن الثوابت وعدم القبول بأحصنة طروادة».
وبموازاة المفاوضات النهائية لحسم ملف الحصص، يخوض الرئيس المكلف سعد الحريري مفاوضات لحسم ملف الحقائب الوزارية، وتتصدرها قضية الحصص المعروضة على حزب «القوات» الذي بدا أن هناك معارضة لمنحه حقيبة «العدل»، ويطالب بحقيبة خدماتية أخرى عن المعروض عليه، وهو حقيبة «التربية»، كما يفاوض «المستقبل» على احتفاظ الأخير بحقيبة «الثقافة» المعروضة هذه المرة على «القوات»، واستبدالها بحقيبة أخرى. وقالت المصادر المواكبة إن هذه النقاط وغيرها «يجري التفاوض عليها أخيراً»، فيما رفضت مصادر «القوات» الدخول في تفاصيل مرتبطة بتلك المعطيات، مشددة على «أننا دخلنا مرحلة المفاوضات الجدية بقوة، ولن ندخل في التفاصيل».
وقالت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكلام عن تعثر المفاوضات ليس صحيحاً»، موضحة أن «الرئيس المكلف بذل جهودا جبارة لتجاوز مسألة الفراغ القائمة، لكن كل الصيغ التي كان يتم بحثها كانت تبحث في الإعلام من دون أن نبلغ رسميا عن أي صيغة». وأكدت المصادر أنه «اعتبارا من أمس (أمس الأول) واليوم (أمس) تجددت المفاوضات وهي مستمرة وتجري على قدم وساق».
وقالت المصادر: «لم نتوصل بعد إلى النتيجة النهائية، فهي مفاوضات جدية، ونتأمل أن نصل إلى الصيغة المطلوبة على هذا المستوى»، مفضلة أن تبقى طبيعة المفاوضات سرية، وعدم الكشف عن مكامن العقد بالذات.
وفيما تشير كل المعطيات إلى أن قرار تشكيل الحكومة اتخذ، والمفاوضات قطعت شوطاً، قالت عضو كتلة «المستقبل» النائبة رولا الطبش: «إننا متفائلون بتفاؤل دولة الرئيس سعد الحريري، ولا شك أن هناك جلسات مع مختلف الكتل لزيادة التشاور ولحلحلة العقد التي ما زالت، ونحن نتوقع إن شاء الله من الآن حتى آخر الشهر أن تكون لدينا حكومة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».