في موسم كادت تغطى فيه الديكورات والإخراج المسرحي على الأزياء، نجحت «شانيل» في تحقيق المعادلة الصعبة. الفضل يعود طبعاً لطول باعها في هذا المجال. فقد كانت من الأوائل، إن لم نقل رائدة، في إتحافنا بعروض ضخمة يكون فيها الديكور بقوة وأهمية الأزياء. فقد سبق أن حولت «لوغران باليه»؛ مقر عروضها الرئيسي، إلى «سوبر ماركت» ضخم، وإلى شارع باريسي احتضن مظاهرات الحركة النسوية، ومحطة نصبت فيها صاروخاً أطلقته في نهاية العرض... وهلم جرا من الأفكار التي لا تنضب. الجميل في الأسبوع الماضي أن كارل لاغرفيلد أكد لنا أننا لا نحتاج أن نأخذ الموضة بجدية ولا أن نتعامل معها من منظور فكري. نحتاج فقط إلى أزياء أنيقة فيها إبداع وتفاصيل منفذة بحرفية تحترم الزبونة وتبرر أسعارها. قال رئيسها التنفيذي برونو بافلوفسكي في إحدى مقابلاته مع «الشرق الأوسط» إنها ضرورية، لأن العرض يكون أشبه بمقدمة لقصة تكون فيها الأزياء البطل الرئيسي لكنها تحتاج إلى حبكة وتفاصيل أخرى تُكملها وتزيد من عناصر الإبهار والتشويق.
في الأسبوع الماضي، كانت القصة محبوكة بشكل متقن في عرض يمكن القول بكل ثقة إنه كان مسك ختام «أسبوع» طويل تعدى 9 أيام. ولا شك أن منظمة الموضة الفرنسية «لاشومبر سانديكال» تعمدت أن يكون في آخر يوم حتى تُرغم ضيوف الأسبوع على البقاء في باريس أطول وقت ممكن.
وبالفعل لم يكن من الممكن تفويته. ليس لأن الدار تتمتع بسحر لا يقاوم على المستوى العالمي فحسب؛ بل لأنها دائما تُفاجئ وتُدخل السعادة إلى النفوس. فمصمم الدار، كارل لاغرفيلد يعرف جيدا كيف يحرك مفاتيح هذه النفوس ويجعلها ملك يديه. لم يختلف الأمر هذه المرة، فقد حول «لوغران باليه» إلى شاطئ برمال بيضاء ومياه لازوردية تتلاطم فيه الأمواج بخجل وهدوء. لم يترك أي شيء لم يفكر فيه من حيث التفاصيل، من حراس الإنقاذ، إلى أكواخ خشبية متناثرة تستحضر شواطئ الستينات من القرن الماضي، مرورا بشكل الكراسي التي تطوى بسهولة، والإضاءة التي أعطت الانطباع كما لو أن الشمس تواطأت معه بداخل «لوغران باليه» رغم أن سُحباً ثقيلة حجبتها في خارجه. غني عن القول إن منظر البحر وأشعة الشمس الذهبية كان له مفعول السحر على نفسيات الحضور حتى قبل أن يبدأ العرض، إلى حد القول إن الدار لم تكن بحاجة لتبرير نفسها وتُقدم له تبريرات تفيد بأن الماء والرمل المستعملين سيعاد تدويرهما احتراما للبيئة وحفاظا عليها. كان أيضا هناك استعداد لغفران أي شيء للمصمم حتى وإن كان تشكيلة عادية يغلب عليها التويد والقطع الكلاسيكية المعهودة. فالإبداع له حدود، وغالبا ما يأتي على حساب شيء آخر. لكن لاغرفيلد لم يكن يحتاج إلى تعاطف من هذا النوع. على صوت النوارس وتعالي صوت تلاطم الأمواج، بدأ العرض مؤكدا لنا من أول إطلالة أن قوة الأزياء تضاهي قوة الديكور جمالا وابتكارا. كانت مفعمة بعصرية ديناميكية جديدة. رغم حداثتها وانطلاقها، فإنها جاءت تخاطب كل الأعمار. صحيح أن الدار لم تستغن عن التويد؛ ماركتها المسجلة، إلا إنه كان خفيفا بألوان باستيلية شفعت له وأدخلته أجواء البحر والصيف بسهولة. الألوان نفسها ظهرت في قطع منفصلة أخرى غلب على تصاميمها تنوع يستهدف مخاطبة كل الأذواق، من الجاكيتات التي جاء بعضها واسعا وبعضها الآخر محددا عند الأكتاف، إلى التنورات ذات الفتحات الجانبية و«الشورتات» الضيقة والفساتين المنسدلة على الجسم بسخاء. لم ينس أن يُرسل في آخر العرض مجموعة للمناسبات باللون الأسود يتراقص فيها التول والموسلين. وإذا كانت العارضات مشين على الرمال حافيات، فإن هذا لا يعني أنه لم يقدم اقتراحاته في هذا المجال. بيد أن حقائب اليد كانت هي الحاضر الأقوى. ولأن حقيبة واحدة لا تكفي بالنسبة لكارل لاغرفيلد، فإنه أرسل بعض العارضات باثنتين.
- إطلالة حيوية بألوان الورد والمرجان
> قد تكون فكرة شانيل عرض قضاء يوم على الشاطئ، لكنها لم تكن أبداً تنادي أو تُشجع على التنازل عن الأناقة أو الاستغناء عن الماكياج. كل ما في الأمر أنه عليك أن توحي بأنك غير مبالية وبأنكِ لم تقضي سوى ثوانٍ في تحضير إطلالتك. السر في اختيار نوعية الماكياج الذي يُفضل أن يكون بتركيبات مناسبة ومرشحات واقية من أشعة الشمس، والأهم من كل هذا أن يتحدى الماء حتى يبقى في مكانه عوض أن يسيل. قسم الماكياج في دار «شانيل» أخذ كل هذا بعين الاعتبار، واستعمل في العرض مستحضرات من مجموعته الأخير التي تشمل أحمر الشفاه بصبغات لا تتزحزح عن مكانها مهما كان هي «روج ألور فيلفت» بتركيبة مطفية وألوان مستقاة من الورد والمرجان.
العيون في المقابل لم تكن درامية، حيث اعتمدت على ظلال عيون «لي 9 أومبر إدييشن نمبر2 كوينتيسونس» التي تمنح الوجه مظهراً ندياً، وماسكارا استعملت على أسفل الرموش أيضاً لتزيد من اتساع العيون. وأخيراً وليس آخراً رشة خفيفة من لون الورد على الوجنتين. والنتيجة إطلالة طبيعية للغاية تتميز بحيوية تحتفل بالربيع والصيف.
«شانيل»... تقدم درساً في السعادة والإبداع
في تشكيلتها لربيع وصيف 2019... البحر والأناقة والوجه الحسن
«شانيل»... تقدم درساً في السعادة والإبداع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة