نزهة العلوي: لا أبحث عن المساواة مع الرجل... لسنا في منافسة

اللقاء الأول مع نزهة العلوي كان في باريس. كانت المناسبة تقديمها مجموعة من حقائب يد لامرأة قوية ومعاصرة، كتبت عليها بالبنط العرض واللون الذهبي «كوني ما تريدين»، إضافة إلى مجموعة محدودة من الأزياء ذات الطابع العصري المطعم بنكهة مغربية.
اللقاء الثاني كان في مراكش. هذه المرة لم تكن مجرد مصممة إكسسوارات وأزياء. كانت سيدة أعمال وقائدة نسوية بكل المقاييس، تدير وتقود «ميزون مايشاد» (Mayshad)، مؤسسة متعددة الأهداف، ترعى أنشطة فنية وقضايا اجتماعية، كتمكين المرأة وزيادة التوعية بمخاطر التغير المناخي والبحث عن حلول وغيرها.
كان اكتشاف هذا الوجه من شخصيتها واهتماماتها مثيرا للدهشة، لأنه كان خفيا وقلَّما يرتبط بمصممة. لكنها تصحح لي: «أنا لستُ مصممة إكسسوارات وأزياء بالمعنى التقليدي، لأني لم أدرس فن التصميم. قوتي تكمن في قدرتي على انتقاء حرفيين يتمتعون بقدرات فذة على ترجمة تصوري وأفكاري بشكل يرقى بها إلى مستوى الفنية والتميز الذي أسعى إليه».
وتتابع وكأنني فتحتُ شهيتها على إلقاء المزيد من الضوء على هذه النقطة تحديدا بأن أحد التحديات التي تواجهها دائماً أن تشرح لمن تقابلهم أنها ليس مجرد مصممة أزياء أو مصورة فوتوغرافية محترفة أو راعية للموسيقى وحاملة لهموم المرأة وغير ذلك، بل هي كل هذا مجتمعاً.
في المدينة الحمراء، مراكش، نُظم مهرجان موسيقي حافل على مدى أسبوع، اجتمعت فيه فرق مغربية تمثل موسيقى فولكلورية من عدة مناطق، ولكي تُضفي على المهرجان صبغة عالمية. استضافت فرقة الأوبرا للموسيقى الكلاسيكية من نيويورك.
كان مهما بالنسبة لها أن يكتسب المهرجان صبغة عالمية تعكس شخصيتها كامرأة معاصرة تتكلم لغات ولهجات متعددة وتنصهر بداخلها ثقافات متنوعة تصالحت مع بعض. فهي تقضي معظم أوقاتها تتنقل بين نيويورك، والمغرب، ولوس أنجليس وباريس، حيث يوجد لها مشغل رئيسي. هذا التنوع يُلهمها ويؤجج ملكتها الإبداعية.
تنتمي نزهة العلوي إلى طبقة راقية من المجتمع المغربي، وبالتالي كان بإمكانها أن تُركز جهودها على الجانب المرفه، إما الموضة أو التصوير الفوتوغرافي الذي أكدت احترافيتها فيه، لكنها في المقابل اختارت أن تسلك طريقا مختلفا، تكون فيه رائدة. فهي تطمح إلى رسم وجه جديد للموضة تُصبح فيه وسيلة تُمكن من هم أقل منها حظا في الحياة، وحسب قولها: «ليسوا أقل مني قدرة على العطاء والإبداع لكن الظروف لم تساعدهم».
وتتوقع أن كثيراً من الشركات وبيوت الأزياء، إن لم نقل كلها، ستركب هذه الموجة قريبا، ويُصبح لها جانب اجتماعي حتى تبقى مواكبة للعصر وتكتسب مصداقية أكبر.
تقول إنه لا معنى للجمال والمال والسلطة عندما يفتقر الإنسان إلى هدف إنساني «فالمتعة والسعادة هي العطاء، بدليل أن المرأة تكون في قمة السعادة عندما تُعطي... عندما تتعطل هذه القدرة لأي سبب من الأسباب تشعر بعدم أهميتها».
انطلاقاً من هذه الرغبة في العطاء، تعمل نزهة على تكوين قياديين وتمكينهم؛ تارة من خلال محاضراتها أو مؤلفاتها، وتارة أخرى من خلال إقامة معارض فوتوغرافية وطرح إكسسوارات تحمل شعارات تصب في هذا الجانب، وتراعي في الوقت ذاته حاجة المرأة، كعاملة وأم لها مسؤوليات متعددة، فهي أولا وأخيرا امرأة وأم لبنتين، الأمر الذي يمنحها الشرعية في أن تدلي بدلوها وتُترجم الأناقة بمفهومها. لا ترى مثلا أن تمكين المرأة يعني سلبها أنوثتها أو تجريدها من شخصيتها. «كان هذا في الماضي عندما اقتحمت عالم الرجال لأول مرة، وكان لزاما عليها آنذاك أن تحارب بأسلحة ذكورية لفرض نفسها. الآن يمكنها أن تتنافس وتتطور من دون أن تتنازل عن أنوثتها، بل العكس فأنا أعتقد أن المرأة تولد بإحساس مرهف قوي يمكن أن يكون أساس الإبداع، لهذا يجب تنميته وليس طمسه من أجل إرضاء الآخر». وتتابع: «لا أسعى إلى المساواة، لأنني أرفض أن أقارن نفسي بأي أحد، بما في ذلك الجنس الآخر. هناك مجال أن نقوم بالمهمات والأعمال نفسها، من دون أن نتشبه ببعض». تلتقط أنفاسها وتستطرد: « تذكري كليوباترا وغيرها من النساء المذكورات في كتب التاريخ... لقد كُنّ قائدات بكل معنى الكلمة، لهذا أعتقد أن امرأة تعرف مكامن قوتها الداخلية أقوى من أي مخترع أو مبدع في العالم... السر أن تثق في نفسها».
مفهوم تمكين المرأة، الذي تكرره نزهة العلوي أصبح مستهلكاً في الآونة الأخيرة. فقد استعمله كثيرون استراتيجيةً تسويقية بعد أن أصبحت الطرق المتعارف عليها «تقليدية». عندما أشير إلى هذه النقطة تنتفض، وكأنني لمستُ وتراً حساساً بداخلها. ترد بأن التسويق بات فعلاً يتطلب لغة جديدة تتماشى مع تغيرات العصر، لكنها ترفض فكرة أن تكون قد تبنَّت المفهوم لهذا الغرض «لا بد من الإشارة إلى أنني رسمتُ أهدافي وأطلقتُها منذ سبع سنوات تقريباً. في ذلك الحين لم يكن مفهوم تمكين المرأة بالقوة والانتشار ذاتهما، وإن كنتُ أوافقك أن المفهوم أصبح عُملة رائجة. ومع ذلك أراها أكثر إلحاحاً بعد وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. لقد منحها زخماً لم يكن يتوقعه أحد، لأنه أفاقنا فجأة على الخطر المحدق بنا إن لم نفعل شيئاً».
بداية نزهة كانت في مجال التصوير الفوتوغرافي، الذي لا تزال تعشقه وتمارسه. دخولها عالم الموضة كان من خلال استيرادها ماركات عالمية إلى المغرب في بداية مشوارها المهني. لكن أحلامها كانت أكبر من 12 محلا افتتحتها في ربوع المغرب. بعيون مصورة محترفة، كانت ترى الموضة من زوايا فنية وإنسانية وخيرية. ومن هنا بدأت فكرة تأسيس دار «مايشد» تراودها وتُلح عليها. كان عمرها 27 سنة، عندما بدأت تعمل عليها لتتمخض بعد 7 سنوات عن إمبراطورية صغيرة وصل صيتها إلى الولايات المتحدة الأميركية وتتطلع للوصول إلى بقاع أخرى.
تشرح: «مراعاة الجانب الأخلاقي لا يتعارض مع تحقيق الربح، وهذا ما علينا إدراكه، تماماً كما لا يكتمل العمل على تمكين المرأة بطريقة واحدة».
تقول هذا وهي تقصد أن إلقاء محاضرات تسلِّط الضوء على قضايا إنسانية وبيئية يجب ألا يقتصر على الكلام. «فالكلام وحد لن يُحقق الأهداف مهما كانت النيات حسنة» حسب قولها «لا بد من القول والفعل معاً حتى تصل الرسالة إلى أكبر عدد من الناس». وحتى تصل رسالتها إلى كل أنحاء المغرب، جنَّدت والدتها، ماما عبوش، لتكون سفيرة «مايشد وومان» في جنوب المغرب. فهي تتمتع بديناميكية لا يضاهيها سوى حبها للحياة والفن، والأهم من هذا تنحدر من الجنوب، وتُتقن لغته وتعرف أسراره جيدا، لهذا كانت الخيار المناسب لتطبيق بعض المشاريع التي رسمتها نزهة وتخطط لها منذ سنوات. فالعلاقة الإنسانية، كما تُكرر لا تُبنى عن بُعد، ولا في ليلة أو يوم بل هي مسيرة طويلة ترتكز على الاحترام والاستثمار ليس فقط في التقنيات بل في البشر في المقام الأول. وتستدل على ذلك بتجربتها الشخصية. فحتى في قمة نجاحها، وحين كانت الماركات العالمية تطلب منها تمثيلها في المغرب، كانت تؤمن بأن إنجازها الحقيقي كان تكوين وإنشاء ابنتيها «لأنهما المستقبل، عدا ذلك كان كل شيء محيطٍ بي مادياً، بما في ذلك نجاحي التجاري إلى حد أني وصلت إلى مرحلة لم أشعر بأنه بإمكاني أن أفتخر بإنجازاتي من الناحية الإنسانية».
كانت تلك هي اللحظة التي جعلتها تتوقف لالتقاط أنفاسها وترتب أوراقها، ونتج عنها ولادة مفهوم «ميزون مايشاد».