انتعاش سوق الاستثمار العقاري في الساحل الشمالي الغربي في مصر

ارتفاع القيمة التسويقية لعشرات المدن والقرى السياحية

صورة نماذجية لقرية سياحية جديدة بالساحل الشمالي في مصر
صورة نماذجية لقرية سياحية جديدة بالساحل الشمالي في مصر
TT

انتعاش سوق الاستثمار العقاري في الساحل الشمالي الغربي في مصر

صورة نماذجية لقرية سياحية جديدة بالساحل الشمالي في مصر
صورة نماذجية لقرية سياحية جديدة بالساحل الشمالي في مصر

تجتذب سوق الاستثمار العقاري بالساحل الشمالي الغربي لمصر، مئات المواطنين المصريين والعرب الباحثين عن قضاء عطلات رائعة، بجانب الاستثمار وتحقيق أرباح مادية في فترات قصيرة، عبر خوض تجارب تملك العقارات بالقرى السياحية الجديدة.
وانقلبت الأوضاع رأساً على عقب، منذ أسس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشروعات كبرى لخدمة المنطقة، منها البدء في مشروع مدينة «العلمين الجديدة»، ومد محور (الضبعة - روض الفرج) في الصحراء، لاختصار المسافة بين القاهرة والساحل الشمالي، وقبل كل ذلك جرى العمل على إزالة ملايين الألغام التي تركها المتحاربون في الصحراء المصرية الغربية، أثناء الحرب العالمية الثانية.
وتتبع مدن الساحل الشمالي الغربي، محافظة مطروح إدارياً. وتشمل مدن «مرسى مطروح (عاصمة المحافظة)»، و«العلمين»، و«سيدي عبد الرحمن»، و«الضبعة»، بالإضافة إلى عشرات الفنادق والقرى السياحية الآخذة في التنامي بطول الساحل، مثل قرى «مارينا»، و«هايسندا»، و«تلال» و«لافيستا»، و«ماونتن فيو»، وغيرها. وبعض القرى والقصور ملحق بها مهابط للطائرات المروحية؛ خاصة تلك التي تستقبل شخصيات كبيرة.
بمجرد انتهاء موسم الصيف، اشترى محمود أحمد، من القاهرة، وهو مستثمر صغير، ثلاث عمارات وفندقاً على الشاطئ. وتضم هذه العقارات نحو 360 غرفة. ويشير إلى أنه انتهى، منذ الآن، من التعاقد على تأجير أكثر من خمسين في المائة من الغرف لزوار الصيف المقبل.
في السياق نفسه، يسافر مدخرون صغار من القاهرة وما حولها، هذه الأيام، على أمل شراء مصيف دائم في الساحل. ويقول أيمن غازي، خبير استثمار: «منذ اليوم بدأ تنظيم معارض كبيرة للتسويق لمشروعات سياحية هنا، وظهرت أرقام فلكية لبيع قطع أراض، وشقق، وشاليهات». ويضيف: «أعتقد أن النشاط الكبير جعل بعض المستثمرين يقولون: لماذا أبيع المتر بألفي جنيه، إذا كانت هناك فرصة لبيعه بعشرين ألف جنيه!». لافتا: «من وضعوا الأسعار لم يضعوها اعتباطاً. إنهم يدركون أهمية المنطقة ومستقبلها».
ويمكن تقسيم الساحل الشمالي الغربي إلى فئتين: الفئة الثرية، وتكون وجهتها، عادة، القرى السياحية المنتشرة في «العلمين»، و«سيدي عبد الرحمن»، و«الضبعة»، و«رأس الحكمة». ووصل سعر الشاليه على بعض هذه القرى، إلى أكثر من خمسين مليون جنيه (الدولار يساوي نحو 17.70 جنيه). والفئة الثانية من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وتحرص على زيارة «مرسى مطروح»، ذات الشواطئ المفتوحة، والأسعار الأقل في التأجير، والتملك، والخدمات.
ويضيف غازي: «مثل هذه الطبقات ذات الدخل المحدود تستعد، منذ الآن، لموسم الصيف المقبل، من خلال نظام التوفير الخاص بها، والمعروف بنظام (الجمعيات)». ويقول: «الكل يحصي نقوده... الكل يريد أن يجد له مكاناً في صيف 2019، سواء من الطبقات الدنيا، أو من الأثرياء».
من جانبه يوضح جبريل بوخليف، الخبير السياحي، أنه «بالإضافة إلى الإقبال من جانب المقتدرين على إنفاق ملايين الجنيهات في شاليهات وفيلات وشقق الساحل الشمالي، ظهرت طبقة جديدة لم يكن معظمها يرتاد مصايف مرسى مطروح، يمكن تسميتها بـ(طبقة وسط الدلتا المصرية)».
وفقاً لبعض التقديرات، وصل عدد زوار ساحل البحر الممتد من غرب الإسكندرية إلى مرسى مطروح، إلى نحو سبعة ملايين زائر. ويقول بوخليف: «عدد من تعاقبوا على زيارة شواطئ مدينة مرسى مطروح، وحدها، يتراوح بين 3 ملايين و4 ملايين زائر».
وبدأ بناء قرى الساحل الشمالي في ثمانينات القرن الماضي. وأول من تملك فيها كانت طبقة رجال الأعمال، والوزراء، والفنانين. وبمرور الوقت أقيمت عشرات القرى السياحية الأخرى؛ لكنها ظلت، كعادتها، تعمل لمدة ثلاثة شهور فقط في فصل الصيف، ثم تغلق أبوابها باقي السنة.
وبدأت الدولة تفكر في طريقة لتنشيط هذا القطاع، الذي تبلغ كلفته مئات المليارات من الجنيهات؛ لكي يعمل طوال العام. وحرك الرئيس السيسي المياه الراكدة، ووضع حجر الأساس لمدينة «العلمين الجديدة»، قبل أشهر، وشجع على تحويلها لمدينة مخططة تخطيطاً عصرياً، مع إقامة المراسي لليخوت على الساحل، ومد طرق برية، وإعادة الحياة لمطارات جوية قريبة، منها «برج العرب»، و«العلمين»، إضافة لمطار «مرسى مطروح».
ويقول بوخليف: «المتر المربع في مدينة (العلمين الجديدة) وصل إلى 38 ألف جنيه، ما يعني أن ثمن الشقة التي مساحتها 100 متر، هو 3.8 مليون جنيه. من لديه أموال يفضل استثمارها هنا، سواء كانوا عرباً أو مصريين».
ويضيف: «آخر الصفقات، مع مطلع هذا الخريف، كان بيع شاليه على ساحل (رأس الحكمة) بقيمة 15 مليون جنيه. والمشتري مصري. بالطبع هناك مشترون من الخليج ومن ليبيا؛ لكن توجد شرائح في المجتمع المصري لديها إمكانات مالية أيضا».
ويرى غازي أن هذا مؤشر على «انتعاش سوق الاستثمار العقاري السياحي في مصر بشكل عام، إلى جانب جهود الدولة في إعادة استراتيجية استغلال الساحل الشمالي، وتحويله من مورد معطل، في غير شهور الصيف، إلى مورد نشط طوال العام». ويضيف: «أسعار التملك الفلكية في الساحل الشمالي، التي نسمع عنها اليوم، أسعار حقيقية».
من جهته، يقول محسن عبد المجيد، مدير تسويق سياحي بمنطقة «سيدي عبد الرحمن»: «بدأنا في الترتيب للموسم الجديد، الإقبال على الساحل الشمالي في صيف 2018 لم يكن متوقعاً. بمجرد أن انتهى تلقينا ألوف الطلبات التي تبحث عن فرص لشراء عقارات».
ويضيف أن «سعر تأجير الفيلا وصل في بعض قرى الساحل في (العلمين) و(سيدي عبد الرحمن)، في وقت الذروة، أي في أغسطس (آب) إلى أكثر من ثلاثين ألف جنيه (نحو 1500 دولار) في الليلة الواحدة. وفي هذه الأيام نستقبل مستأجرين؛ لكن بأسعار أقل. كثيرٌ من الناس يبحثون عن مكان لنسيان هموم الحياة».
ويقول غازي: «الرواج في الساحل الشمالي، يؤثر بالتبعية على شواطئ مرسى مطروح. الطبقات الفقيرة والمتوسطة تعمل منذ الآن، هي أيضاً، لكي تجد لها مكاناً في المصيف المقبل. العدد سيزداد، مع العلم أن زوار هذا العام كانوا أكثر من أي سنة مضت، رغم ارتفاع أسعار الفنادق والشقق الفندقية والخدمات، كالمطاعم والكافيتريات، وتأجير الشماسي والسيارات وغيرها».
وبينما ظهرت مكاتب تسويق للكبار في مدن مصرية وعربية، للاستثمار في مشروعات الساحل، يقول بوخليف، إن مكاتب مماثلة لكنها مختصة بالطبقات الدنيا، انتشرت في وسط الدلتا، لجذب مزيد من الزوار إلى مرسى مطروح، الأقل كلفة من القرى السياحية الخاصة.
ويضيف: «نحن نطلق عليها (شريحة كبيرة العدد قليلة الإنفاق)؛ لكن وجودها يسهم بشكل أو بآخر في إغراء آخرين، من المقتدرين، على الدخول إلى سوق مرسى مطروح، والمنافسة. لقد بدأ بعض رجال الأعمال في تأسيس منتجعات هنا أيضاً. فمرسى مطروح ترتبط بعبق تاريخي قديم، وهناك من يعشق شواطئها، بغض النظر عن مستواه المادي».
وتعد الأسعار في مدينة مرسى مطروح أقل من مثيلتها في باقي الساحل. فيمكن شراء فيلا مسجلة على مساحة 200 متر مربع، على شاطئ الأبيض مثلاً (نحو 15 كيلومتراً غرب المدينة) بنحو ثلاثة ملايين جنيه».


مقالات ذات صلة

السعودية تستضيف النسخة الثانية من معرض «سيتي سكيب» العالمي

الاقتصاد زوار معرض «سيتي سكيب العالمي» مجتمعون أمام جناح «الإسكان» (واس)

السعودية تستضيف النسخة الثانية من معرض «سيتي سكيب» العالمي

السعودية تستضيف معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» في نوفمبر لتعزيز الاستثمارات في قطاع العقار وتحقيق أهداف رؤية 2030.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

خفض الفائدة يعزز النشاط العقاري في السعودية

توقع خبراء ومختصون في القطاع العقاري أن يسهم قرار خفض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس في تعزيز النشاط العقاري في السعودية وتوجيه أموال المستثمرين نحو السوق العقارية.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد «البورصة» تعدّ منصة متكاملة لإدارة الثروة العقارية (واس)

السعودية: إفراغ عقارات بـ5.3 مليارات متر مربع إلكترونياً

كشفت وزارة العدل السعودية عن إفراغ عقارات بمساحة تتجاوز 5.3 مليارات متر مربع إلكترونياً عبر منصة «البورصة العقارية»، وذلك خلال عام من تدشينها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد «ضاحية سدايم» أحد مشاريع «الوطنية للإسكان» (موقع الشركة)

مبيعات مشاريع «الوطنية للإسكان» السعودية تتجاوز 3.4 مليار دولار في النصف الأول

قفزت مبيعات «الشركة الوطنية للإسكان» السعودية لتبلغ 13 مليار ريال (3.46 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ناطحات سحاب في مدينة هونغ كونغ (أ.ف.ب)

انقلاب تاريخي بسوق العقارات في هونغ كونغ

يتجه بعض مطوري العقارات في هونغ كونغ الآن إلى تأجير المساكن للتغلب على الركود المطول في سوق العقارات

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»