تونس: الغنوشي يقود وساطة للتوفيق بين السبسي والشاهد

استقالة مفاجئة لمدير ديوان رئاسة الجمهورية

TT

تونس: الغنوشي يقود وساطة للتوفيق بين السبسي والشاهد

عقد راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة (إسلامية)، أمس، اجتماعاً مع يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية، وذلك إطار مساعيه الرامية إلى إجراء وساطة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة حول ضرورة استقالة الشاهد، أو مواصلته لرئاسة الحكومة. جاء هذا اللقاء بعد ساعات من لقائه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، مساء أول من أمس، وتأكيد الطرفين خلال اللقاء «حاجة تونس إلى الحوار وإعداد الجميع لوضع البلاد على سكة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة».
وفي هذا السياق أكد عماد الخميري، المتحدث باسم «النهضة»، حاجة تونس إلى إحداث توافق وانسجام بين مؤسسات الدولة من خلال هذه الوساطة السياسية. لكنّ جلّ المتابعين للشأن السياسي المحلي يرون أن رئيس حركة النهضة يقود عملية متشعبة ومعقدة للغاية بين طرفين يدافعان عن طموح سياسي مشروع ومتضارب. فالسبسي الأب يدافع عن حظوظ نجله في الانتخابات المقبلة ويسعى إلى إصلاح ما هدمه ابنه خلال تزعمه لحزب النداء، فيما يسعى الشاهد إلى ترجمة طموحه السياسي، الذي تشكّل واتضح بشكل أكبر بعد أن تشكلت كتلة برلمانية تدعمه تحمل اسم «كتلة الائتلاف الوطني».
وبخصوص اللقاء الذي جمع الرئيس السبسي براشد الغنوشي، اعتبر حزب النداء في بلاغ له أن الحكومة الحالية بقيادة يوسف الشاهد، الذي جمدت الهيئة التنفيذية لـ«النداء» عضويته في الحزب، «هي حكومة حركة النهضة، وعليه فإن الحزب غير معنيّ بدعمها سياسياً، والتوافق الذي تم العمل به بين رئيس الجمهورية وحزب (حركة نداء تونس) من جهة، وحركة النهضة من جهة ثانية منذ انتخابات 2014، يعد منتهياً».
ووسط هذه الأجواء السياسية المشحونة تجد حركة النهضة نفسها «حَكَماً وخصماً» في الوقت ذاته، حيث يتوجب عليها أن تعيد التوافق مع رئاسة الجمهورية، وتمنع حدوث «طلاق سياسي» بين الطرفين من ناحية، كما يتحتم عليها في الجانب المقابل أن تبقى على رهانها السياسي، وتدعم الطموح المشروع ليوسف الشاهد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
ومن خلال ما تسرب من اجتماع، أمس، بين الشاهد والغنوشي، فإن اللقاء تناول سبل «إذابة الجليد بين قصري قرطاج والقصبة»، وبحث إشكالية وضع حد للتوافق بين حزب نداء تونس وحركة النهضة، علاوة على مسألة إجراء تعديل وزاري وشيك على رأس بعض الوزارات، التي تعتبرها الحركة غير موفقة في أدائها. كما أن حركة النهضة تسعى إلى تحديد موقف الشاهد من الترشح للانتخابات المقبلة، حيث سبق لها أن دعته إلى إعلان نيته عدم الترشح للانتخابات في حال اعتزامه مواصلة ترؤس الحكومة.
وكان مجلس شورى الحركة قد اجتمع يومي السبت والأحد الماضيين، وأصدر في ختام اجتماعه بياناً أكد في إحدى نقاطه ضرورة «تثبيت التوافق والتشارك كخيار استراتيجي، يشمل كل القوى الوطنية من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وإنجاز الإصلاحات ومقاومة الفساد، والسير بالبلاد نحو الانتخابات في موعدها المحدد وفي أحسن الظروف». كما دعا المجلس إلى «الحفاظ على علاقة إيجابية مع رئيس الدولة، ومواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة قصد استكمال الشروط الضرورية للشراكة، مع الحرص على إيجاد علاقة بناءة مع اتحاد الشغل (نقابة العمال)».
وعلى صعيد متصل، نفى العجمي الوريمي، القيادي في حركة النهضة، وجود أي اتفاق سياسي مع يوسف الشاهد، وقال إن شروط دعم الحكومة «يمكن تلخيصها في مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والإجراءات الاجتماعية، والنأي بنفسها (الحركة) عن التجاذبات السياسية والحسابات الانتخابية». مشيراً إلى أن «النهضة» تقع في موقع حياد بين رأسي السلطة التنفيذية، وأنها «ليست طرفاً في الأزمة التي تعصف بحزب النداء، وهذا ما يؤهّلها للتقريب بين مختلف أطرافها»، على حد تعبيره.
في غضون ذلك، قدم سليم العزابي، الوزير مدير الديوان الرئاسي، استقالته للرئيس قائد السبسي بسبب «حساسيات سياسية»، بعد اتهامه بقربه من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي تم تجميد عضويته مؤخراً في حزب النداء.
وذكرت مصادر مطلعة أن العزابي تعرض خلال الفترة الماضية لـ«مضايقات وممارسات واتهامات بدعم يوسف الشاهد، وهو ما أجبره على الاستقالة من منصبه». تجدر الإشارة إلى أن سليم العزابي عُيّن في هذا المنصب في شهر فبراير (شباط) سنة 2016، خلفاً لرضا بلحاج القيادي في حزب النداء. كما شغل العزابي منصب مدير تنفيذي في الحملة الرئاسية للباجي قائد السبسي، وعمل إلى جانب محسن مرزوق مدير الحملة الرئاسية في سنة 2014.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».