الحوثيون يرهبون سكان صنعاء ويحولونها إلى «سجن كبير»

تشديد أمني وإعداد لوائح بالمطلوبين من الناشطين

TT

الحوثيون يرهبون سكان صنعاء ويحولونها إلى «سجن كبير»

وسعت الميليشيات الحوثية في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها من انتهاكاتها بحق السكان المدنيين في ظل تنامي حالة الهلع في أوساط قيادات الجماعة من انفجار انتفاضات مباغتة على خلفية تدهور الأوضاع الإنسانية وتهاوي سعر العملة الوطنية وقيام الميليشيات برفع أسعار الوقود ونهب المساعدات الدولية لمصلحة عناصرها الطائفيين.
وفي هذا السياق، أفادت لـ«الشرق الأوسط» مصادر محلية في صنعاء بأن الجماعة الحوثية أقدمت على اعتقال العشرات من أقارب الطالبات اللواتي شاركن السبت في «انتفاضة الجياع» وسط جامعة صنعاء، وقامت باقتيادهم إلى سجون سرية استحدثتها هذا الأسبوع.
وفي السياق نفسه أفادت مصادر أكاديمية في جامعة صنعاء بأن عناصر الجماعة أقدموا على اعتقال الأكاديمي في كلية التربية في منطقة أرحب شمال العاصمة، على إثر مطالب تبناها مع زملائه في الكلية للحد من الفساد الحوثي وصرف الرواتب.
وذكرت المصادر أن الجماعة الحوثية واصلت تشديد إجراءات الأمن في نقاط التفتيش التي نشرتها في شوارع صنعاء وفي مداخل العاصمة، في ظل حالة السخط التي تجتاح السكان من الوجود الحوثي الانقلابي وما تسبب فيه من تدمير ممنهج للاقتصاد الوطني وسوء على الصعيد المعيشي.
وأكد شهود في المدينة أن العشرات من الأسر شرعت في النزوح إلى الأرياف في محافظات صنعاء وذمار وإب وريمة والمحويت بعد أن تقطعت بهم سبل العيش وتعذر حصولهم على الغاز المنزلي والوقود جراء ارتفاع الأسعار، وعدم قدرتهم على دفع إيجارات منازلهم أو الاستمرار في نمط حياتهم الحالي.
وذكرت المصادر أن الكثير من الأسر المغادرة أفاد أفرادها بأنهم أصبحوا يرون صنعاء عبارة عن «سجن حوثي كبير» بعد أن جعلتها الميليشيات ثكنة عسكرية لأتباعها وميدانا لمهرجاناتها الطائفية المتعاقبة على مدار العام دون الالتفات إلى معاناة الناس جراء ارتفاع الأسعار وتوقف الجماعة عن دفع رواتب الموظفين للعام الثالث على التوالي.
إلى ذلك أفادت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة الحوثية تستعد لتنفيذ موجة واسعة من الاعتقالات في صفوف الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي المناهضين لسياسية الجماعة، إلى جانب قيادات في حزب «المؤتمر الشعبي» تتهمهم الجماعة بأنهم يقودون حراكا سريا ناعما لإطاحة حكمها وتثوير الشارع ضدها.
وقالت المصادر إن رئيس مجلس حكم الميليشيات مهدي المشاط، عقد اجتماعا سريا قبل أيام في ضم أبرز القيادات الأمنية الموالية للجماعة وطلب منهم «الضرب بيد من حديد» وتوسيع دائرة القمع بحق الناشطين والمناهضين للجماعة، بخاصة في أوساط المنتمين إلى حزب «المؤتمر الشعبي».
وكشفت المصادر عن أن أجهزة القمع الحوثية أعدت لائحة مطولة بأسماء القيادات الحزبية والناشطين الذين تعتقد أنهم باتوا يشكلون خطرا على وجودها من خلال الحملات التي يساندونها على مواقع التواصل الاجتماعي أو أثناء الاتصالات السرية التي يديرونها فيما بينهم لانتقاد حكم الميليشيات والمطالبة بدفع الرواتب.
وتسعى الميليشيات من خلال تشديد قبضتها الأمنية في صنعاء ومناطق سيطرتها -بحسب المراقبين- إلى إسكات كل الأصوات التي تنتقد الجماعة أو تحاول توجيه الرأي العام ضدها، وذلك بالتوازي مع سعيها إلى تكثيف حملات الاستقطاب للمجندين في صفوفها مقابل الإغراءات المالية والوعود بصرف الرواتب لمن ينضم إلى ميليشياتها في جبهات القتال.
وتستأثر الجماعة وكبار قادتها بموارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لها، كما أنها توجه – بحسب المراقبين - أغلب الأموال التي تجنيها لتمويل المجهود الحربي والإنفاق على الأنشطة الطائفية والاحتفالات الخاصة بها وعلى عناصر جهازها الدعائي الضخم.
ويرفض أغلب السكان دعوات الجماعة لتعزيز صفوف مقاتليها المتهاوية في مختلف الجبهات، إلا أنها - بحسب المصادر المحلية - لا تتوقف عن إقامة المهرجانات الدعائية والفعاليات الطائفية التي تشمل المساجد والمدارس والأماكن العامة من أجل استجداء المجندين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».