«الديوان الكبير» لابن عربي يصدر بعد 800 سنة على وفاته

صورة متخيلة لابن عربي
صورة متخيلة لابن عربي
TT

«الديوان الكبير» لابن عربي يصدر بعد 800 سنة على وفاته

صورة متخيلة لابن عربي
صورة متخيلة لابن عربي

«الديوان الكبير»، الذي صدر في 600 صفحة عن «دار الآداب» في بيروت، ويوقعه محققه الدكتور عبد الإله بن عرفة في «معرض الشارقة للكتاب»، سيكون فاتحة معرفتنا الفعلية بالإرث الشعري الذي تركه لنا الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، هذا المتصوف الكبير الذي اعتبرته «موسوعة ستانفورد للفلسفة» أعظم فلاسفة المسلمين، إذا ما أخذت الفلسفة بمعناها الواسع الحديث. ولقد لقي نثره الاهتمام الأكبر من المستشرقين والباحثين العرب، ولم نعرف عن شعره - على أهميته وغناه - سوى ما سمي «ديوان ابن عربي»، وأصدرته «مطبعة بولاق» عام 1855. ومن حينه، أعيد طبع هذا الديوان تكراراً، دون تحقيق أو تدقيق، وبقي مليئاً بالأخطاء، وبعضها خطير، جلب لصاحبه التكفير والهجوم، ووجهت له اتهامات بالكفر بسبب التحريف دون أن يجد من يدافع عنه.
ويقوم الباحث المغربي الدكتور عبد الإله بن عرفة بدراسة تركة الشيخ الأكبر منذ 35 سنة، يوم كان تلميذاً في السوربون، ليعثر على ما يقارب 40 مخطوطة، تمكن من خلال التدقيق والمقارنات في ما بينها، من جمع مادة «الديوان الكبير»، الذي سيصدر تباعاً في 4 أجزاء، وبمقدورنا اليوم أن نحتفي بصدور أحدها، الذي يحتوي على نحو 900 قصيدة، ما يقارب 700 منها كانت مجهولة تماماً للقارئ، وسيطلع عليها للمرة الأولى. والكاتب انتهى من إعداد جزء ثانٍ من الديوان لن يتأخر في الصدور، ويتوقع أن يكون بين أيدينا مطلع السنة المقبلة. وبالتالي، يكون جزءان قد باتا جاهزين، فيما سيعاد تحقيق ما عرف باسم «ديوان ابن عربي»، ليشكل الجزء الأول.
والمجلد الذي صار في المكتبات هو المجلد الرابع من «الديوان الكبير»، بدأ به الدكتور ابن عرفة لأنه وجد مخطوطة له بخط يد ابن عربي نفسه. ويقول المحقق في مقدمته: «قد يتساءل البعض عن سبب الابتداء بتحقيق الجزء الرابع من الديوان بدل الجزء الأول أو الثاني أو الثالث، لكن السبب يرجع لاعتبارات، منها أنني كنت حريصاً على الشروع في التحقيق من النسخة الأصلية، تبرُّكاً وتعلُّماً. ففي بركة صحبة الأصل خير كثير، بينما غيرها من النسخ فروع، لذا ينبغي الابتداء منها في التحقيق. وإني مقتنع الآن أنَّ هذا الاختيار كان صائباً لأن رؤيتي لتراث ابن العربي الشعري توضحت لي كثيراً، عكس الضبابيَّة التي كانت تكتنفني قبل الشروع في التحقيق». ولمزيد من الفائدة، فقد زود هذا الجزء من الديوان في صفحاته الأخيرة بملاحق مصورة من المخطوطة الأصل ومخطوطات أخرى، بينها «ديوان المعارف الإلهية» الذي عثر عليه المحقق في المكتبة الوطنية في باريس.
وفي بداية الديوان دراسة مفصلة، كتب فيها المحقق شروحات وافية عن تاريخ ما نعرفه من مؤلفات للشيخ الأكبر، وما بقي خافياً، وكيف تم البحث عنها. كما أن فيه معلومات ثمينة لكل باحث حول أسلوب وكيفية التحقيق، وتوصيف لكل المخطوطات التي تم الاعتماد عليها، من أصول كتبت بيد المؤلف، أو فروع نسخت لاحقاً. وثمة صفحات مطولة عن حياة ابن عربي وتسفاره في البلدان، وقيمة كل كتاب من كتبه، ومحتوى كل مجلد من الديوان الكبير الذي سيتم إصدار أجزائه تباعاً حتى يكتمل.
ويقول ابن عرفة في حديث لنا معه إن اهتمام الباحثين طوال السنوات الماضية انصب بشكل أساسي على الكتابات النثرية التي تركها لنا هذا الصوفي الكبير، دون شعره، رغم أنه شعر جميل، غني بالمعاني والصور والأبعاد الإنسانية. وقد سجل ابن عربي رأيه في الشعر بمقاطع بديعة في مقدمة «ديوان المعارف الإلهية»، وهناك تداخل بين هذا الديوان و«الديوان الأكبر» الذي يتم العمل عليه حالياً. كما أن هناك قصائد جمعها المحقق من كتب أخرى نثرية. لذلك، فإن هذا التحقيق الذي لا يزال مستمراً يتطلب جهداً مضنياً أولاً للتدقيق في المخطوطات، وتصحيح الأخطاء، أو معرفة ما غاب من الحروف، وثانياً للمقارنة بين النسخ للكتاب الواحد، ومن ثم البحث عن القصيدة الواحدة التي يمكن أن نجدها في أكثر من كتاب.
ويشرح ابن عرفة أنه بصدور «الديوان الكبير»، يكون غالبية ما تركه لنا ابن عربي قد أصبح بين متناول القراء، وتتبقى بعض الرسائل والكتب الصغيرة التي لم تصدر بعد، وسيتم العمل عليها.
ويأتي هذا الديوان الذي يكشف عن كنوز جديدة متزامناً مع الاحتفال بالمئوية الثامنة لوفاة ابن عربي (1438 - 638)، وهي ذكرى مهمة لا بد أن تعطى العناية التي تستحقها. ويأمل المحقق في أن تهتم الشارقة السنة المقبلة، وهي تحتفي بكونها عاصمة عالمية للكتاب، بإشراف «اليونيسكو» التي مولت مشروع تحقيق وإصدار «الفتوحات المكية» على يد الباحث عثمان يحيى، بتنظيم نشاطات حول ما تركه لنا الكاتب الكبير. فنحن أمام إرث «يعكس تطور الحياة الفكريَّة والروحيَّة لواحد من أعظم عُرَفَاءِ المسلمين وحُكمائهم، ويعطي صورة عن الإنسان في هشاشته حينما يَرِقُّ وحينما يُحِب، وحينما يتذلّل ويتولَّه، وحينما يتعرَّف ويتقَرَّب، بقدر ما يعطي صورة عن عرفانيَّته الهائلة، وفيض روحانيَّته التي ما فتئت تُغذِّي نُخَبَ علماء الشرق والغرب منذ أزيد من 800 سنة». ويعتبر ابن عرفة أن «هذا التراث الهائل سيجدِّد الحياة الفكريَّة والمعرفيَّة والأدبيَّة والروحيَّة والفنيَّة، وسَيُثْرِيهَا بشكل كبير في وقت انحسر فيه الشعر العربي الحديث، ووصل إلى طريق مسدود، بعدما اختطفته جهات جَهِدَتْ في إقامة جِدارِ فَصْلٍ عازلٍ مع جمالية الوزن والموسيقى والإيقاع».
ومن كشوف ابن عرفة في هذا الكتاب تبيانه أن اسم محيي الدين بن عربي كما نعرفه هو تشويه مقصود لاسمه الحقيقي الذي يضعه على الغلاف، معتبراً أن اسم الشيخ الأكبر هو محيي الدين بن العربي الحاتمي. وفي رأي ابن عرفة أن «تنكير اسم الرجل لم يأتِ مصادفة، بل هو فعل كان مقصوداً من قبل متطرفين لم ترق لهم أفكار الرجل الجليل، ولا كتاباته أو رؤاه العرفانية». ولذلك، فإن تصحيح اسمه واجب لرد الاعتبار إليه، تماماً كما إخراج أعماله من ظلمات المكتبات. وهذا الإصدار هو بالفعل بشرى سارة لكل محبي ابن العربي لأن الديوان الكبير يصدر ليس فقط محققاً، وإنما مشروحاً أيضاً من قبل الشيخ الأكبر نفسه. ففي كتبه النثرية ما يضيء على الكتابات الشعرية، خصوصاً ما ورد في «الفتوحات المكية»، وهي كتابات استفاد منها ابن عرفة ليوضح للقارئ المقاصد في ديوان فيه من الروحانيات والزهد بقدر ما فيه من حب الحياة والغزليات والعشق.
ولاقى الإعلان عن الإصدار حماسة كبيرة تعكس كم أن الناس يعودون إلى هذا النوع الروحاني من الكتابات.
ويؤكد ابن عرفة أن «هذا الأدب بات موضع اهتمام الناس أكثر من انشغالهم بالبيئة والتغير المناخي، سواء في أوروبا أو أميركا أو اليابان، حيث باتت لهذه الكتابات سطوة عجيبة».


مقالات ذات صلة

كتب شركة ناشئة تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

وسط اعتراض كتّاب ودور نشر… شركة ناشئة تسعى لإنتاج 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي

ينتقد كتّاب وناشرون إحدى الشركات الأميركية الناشئة التي تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.