«أورام الدماغ»... محاولات بحثية لخداع الحاجز الدموي

عن طريق منح تأشيرة مرور للخلايا المناعية

صورة تظهر الخلايا المناعية وهي تخترق الحاجز الدموي بالمخ للوصول للورم
صورة تظهر الخلايا المناعية وهي تخترق الحاجز الدموي بالمخ للوصول للورم
TT

«أورام الدماغ»... محاولات بحثية لخداع الحاجز الدموي

صورة تظهر الخلايا المناعية وهي تخترق الحاجز الدموي بالمخ للوصول للورم
صورة تظهر الخلايا المناعية وهي تخترق الحاجز الدموي بالمخ للوصول للورم

خلف طبقة من الخلايا المتراصة التي يصعب اختراقها، والتي تعرف باسم الحاجز الدموي الدماغي، يقبع الدماغ، إذ يوفر له هذا الحاجز الحماية من أي بكتريا أو مواد ضارة يمكن أن تصل إليه وتؤثر على مركز التحكم في الجسم.
لكن في المقابل، فإن هذه الميزة نفسها تتحول إلى أزمة كبيرة عندما يصاب الدماغ بالأورام وتصبح هناك حاجة لتوصيل الدواء إلى الدماغ، إذ يمنع هذا الحاجز وصولها ويتعامل معها كما يتعامل مع المواد الضارة، وهو ما يجعل التدخل الجراحي هو الخيار الأنسب للتعامل في هذه الحالة، أو يقوم الأطباء بحقن العلاج الكيميائي أو المناعي مباشرة في الدماغ، وهو ما يتطلب إحداث ثقب في الجمجمة.
ورغم أن أورام الدماغ ليست من الأورام الشائعة، إذ تتراوح نسبتها بين 1 إلى 2 في المائة، فإن خطورتها دفعت فرقا بحثية إلى المشاركة مؤخرا في الجهد البحثي العالمي الذي يستهدف اكتشاف آليات يمكن بها خداع هذا الحاجز الدموي وتوصيل الدواء إلى الدماغ، في محاولة لاقتراح حلول أسهل وأيسر من حقن العلاج الكيميائي أو المناعي مباشرة في الدماغ.
أحد النجاحات التي تحققت في هذا المجال، كانت تتعلق بآلية لتوصيل العلاج المناعي لاستهدف أورام الدماغ، وشارك في هذا العمل باحثان مصريان أحدهما يعمل في «مستشفى سرطان الأطفال بمصر 57357»، والآخر في «مستشفى تكساس للأطفال»، وتعاونا مع باحثين من جامعة «بايلور الأميركية» ونشروا بحثا عن تلك الآلية في سبتمبر (أيلول) 2018 بدورية «نتشر».

ملاحظة قادت للاكتشاف

تقول الدكتورة هبة سماحة، الطبيبة بمستشفى سرطان الأطفال بمصر، والباحثة المشاركة بالدراسة لـ«الشرق الأوسط»، إن الوصول إلى الآلية التي تمنح الخلايا المناعية تأشيرة مرور إلى الأورام، بدأت بملاحظة بعض الحالات المرضية الأخرى في المخ التي تصل فيها الخلايا المناعية بسلاسة ويسر إلى موضع المرض، وذلك لفهم لماذا لا تستطيع فعل نفس الأمر في حالة الأورام.
وتضيف: «وجدنا أن في مرض مثل (الالتهاب الدماغي)، هناك ملصقات على الحاجز الدموي للمخ، هي جزيئات (ALCAM، ICAM - 1. (VCAM - 1، تجذب الخلايا المناعية حتى تمر وتصل لموضع المرض، ولكن في حالة أورام الدماغ، فإن هذه الجزيئات غير موجودة أو نادرة، ولكن وجدنا جزيئا آخر وهو CD6. فعملنا على إعادة برمجة الخلايا المناعية كي تستطيع الالتصاق بهذا الجزيء، ومنحنا الخلايا المناعية المطورة في البحث اسم (HS CD6)».
والعلاج المناعي للأورام من الصيحات الحديثة في العلاج، لكن مشكلته في حالة أورام الدماغ أن الحاجز الدموي للمخ يمنع وصوله، لذلك توصلوا إلى آلية تعرف باسم (omaya)، وهي تشبه الكانيولا لكن بشكل معقد، ويوضع بها العلاج المناعي ليصل إلى موضع الورم، لكن هذه الآلية مرهقة ومؤلمة للمريض، كما أنها لا تناسب كل المرضى، ويمكن تطبيقها فقط مع عدد محدود تسمح حالتهم بذلك.
وتقول الدكتورة هبة «الخلايا المناعية المطورة التي توصلنا إليها وهي (HS CD6) تستطيع أن تلتصق بجزيئات (ALCAM)، لتصل إلى الأورام، مثلما تصل في حالة الالتهاب الدماغي، ومن ثم لن نكون في حاجة إلى استخدام الوسيلة المرهقة والمؤلمة التي تعرف باسم (omaya)».

تنفيذ العلاج

وعن كيفية تنفيذ هذا العلاج، توضح الباحثة أنه يتم عزل الخلايا المناعية من دم المريض، ثم يعاد برمجتها هندسيا بالخلايا المطورة التي تم التوصل لها، ويتم حقنها في المريض من جديد.
وأظهرت الأبحاث التي أجريت على جرذان التجارب فعالية العلاج في الوصول إلى الأورام، والخطوة التالية، كما يؤكد الدكتور نبيل أحمد، الطبيب بمستشفى تكساس للأطفال، وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة، هي البدء في التجارب السريرية.
يوضح الدكتور أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «للبدء في ذلك سنتقدم بمذكرة لإدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، حتى يتسنى دخول تلك الآلية مرحلة التجارب السريرية».
ولم تتعد آلية أخرى ابتكرها فريق بحثي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا مرحلة جرذان التجارب، إذ اعتمدت على اكتشاف قدرة فيروس يسمى «AAV - PHP.B» على اجتياز الحاجز الدموي الدماغي، وبناء عليه تم اختبار مدى قدرته على العمل كناقل محتمل للعلاج الجيني، وأظهر كفاءة في هذه المهمة.
وكان الفريق البحثي الذي قادته عالمة الأعصاب فيفيانا جرادينارو قد نشر نتائج ما توصل إليه في دورية «نتشر بيوتكنولوجي» Nature Biotechnology عام 2016.

قصة نجاح أخرى

وخرجت قصة نجاح أخرى في هذا الإطار من مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في مصر، إذ تمكن فريق بحثي قاده الدكتور إبراهيم الشربيني، المدير المشارك لمركز علوم المواد بمدينة زويل، من توصيل دواء الدوكسوروبيسين للمخ، متجاوزا الحاجز الدموي الدماغي.
ويعد هذا الدواء من أشهر الأدوية الكيميائية استخداما لإيقاف أنواع كثيرة من الأورام السرطانية أو إبطائها، لكن كانت مشكلة استخدامه مع أورام الدماغ هي أيضا الحاجز الدموي الدماغي، فتوصل الفريق البحثي إلى آلية لتوصيله إلى المخ عن طريق الأنف.
وتكمن أهمية هذا البحث، الذي نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017 بدورية «أدوية المستقبل» في قيام الفريق البحثي بتحميل الدواء على بوليمر بما يسمح باستخدامه عن طريق الأنف، إذ إن استخدامه على صورته الطبيعية قد يدمر أغشية الأنف لضعفها، وأجرى الباحثون تجاربهم لاختبار فعالية هذه الوسيلة على الأرانب، وأظهرت قدرة كبيرة على توصيل الدواء وصلت إلى 84 في المائة.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري
TT

مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري

حتى مع انخفاض أسعار رحلات الفضاء بشكل كبير في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين المقبلة، فإن التكاليف البيئية والمالية المترتبة على استخدام الصواريخ المعبأة بوقود كيميائي للإفلات من جاذبية الأرض، كانت سبباً في إعاقة التوسع البشري إلى القمر وما بعده. كما كان هناك أيضاً غضب واسع النطاق من أن استكشاف الفضاء أصبح حكراً على الأغنياء، ما أدى إلى الرغبة في إضفاء «الطابع الديمقراطي» على الوصول إلى الفضاء.

مصاعد فضائية

كان الحلم، منذ قرون، أن نبني مصعداً فضائياً لنقلنا من الأرض إلى الفضاء من دون استخدام الصواريخ. ولكن كيف يمكن بناؤه، وأين؟ كانت التحديات الهندسية، جنباً إلى جنب مع العقبات السياسية، بالغة الضخامة. وكانت الإجابة تتلخص في قلب الفكرة وبناء خط واصل من سطح القمر إلى مدار الأرض... كل ما عليك فعله هو أن تنتقل من الأرض إلى نهاية الخط الواصل ثم القفز إلى ترام يعمل بالطاقة الشمسية والتحرك على طول المسار إلى القمر.

لكن تظل هناك حاجة إلى الصواريخ للوصول إلى النهاية المتدلية للخط الواصل، ولكن بما أن تلك الصواريخ لن تضطر إلى الإفلات تماماً من جاذبية الأرض، فانها ستحتاج إلى وقود أقل بكثير.

وكتب روان هوب في مجلة «نيو ساينتست» العلمية، وعلى عكس التصميمات التقليدية للمصاعد الفضائية، أن الخط الذي تسير عليه لم يكن بحاجة إلى ثقل موازن عملاق، يكون الضغط على الكابل أقل بكثير، وتكون المواد اللازمة لجعل هذا الأمر حقيقة متاحة، وأصبحت الفكرة قابلة للتطبيق بحلول عام 2040.

بمجرد بنائه، يصبح من الممكن نقل البشر والبضائع من الأرض بواسطة الصواريخ إلى الخط الواصل ثم إلى القمر، مع خفض إجمالي كمية الوقود اللازمة لنقل شيء ما من عالمنا إلى القمر الطبيعي بمقدار الثلثين. وأدى انخفاض الأسعار الناجم عن ذلك إلى تغيير جذري فيما يمكن القيام به في الفضاء ومن يمكنه أن يذهب من البشر.

خط قمري

يتم تصميم قاعدة أول خط قمري واصل بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، على الجانب القريب من القمر، حيث يجري إنشاء العديد من القواعد القمرية في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين للاستفادة من الضوء شبه الثابت في القطب الجنوبي والاحتياطيات الكبيرة من المياه المتجمدة في فوهة «شاكلتون».

على عكس قواعد القمر، التي ترتبط بالشركات الخاصة والدول على الأرض، يعد المصعد مورداً مشتركاً. وقد تم بناؤه بموجب قوانين وضعتها المنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة «من أجل كل أنواع القمر» For All Moonkind ومؤسسة «القمر المفتوح» Open Lunar Foundation، والمنظمات المناظرة في المناطق المساهمة الرئيسية (الهند، واليابان، والصين، والاتحاد الأوروبي).

إن الخط الواصل يتصل بالقمر عبر نقطة «لاغرانج» القمرية «إل 1». هذه هي المناطق في الفضاء حيث تتوازن الجاذبية للقمر والأرض، ولا تكون هناك حاجة إلى الوقود للحفاظ على موضع الجسم.

في الواقع، فإن هذه النقطة هي عبارة مواقف سيارات في الفضاء، ومن ثمّ فهي مواقع مفيدة للغاية للمستودعات والموانئي الفضائية. الخط الواصل - أو السلم القمري Lunar Ladder، أو الممشى القمري MoonWalk، أو «عصا الجبن» Cheese Stick، كما كان يُطلق عليه بشكل مختلف - تم بناؤه في وقت واحد من مستودع فضائي في «إل 1» والقاعدة على سطح القمر. وتم اختيار البوليمر الاصطناعي فائق القوة «إم 5» كمادة، لتسليم آلاف الأطنان منه إلى «إل 1» للبناء.

كل ما عليك فعله هو الانتقال من الأرض إلى نهاية الخط الواصل والقفز إلى الترام الشمسي والتحرك على طوله إلى القمر.

تطورات المصعد القمري التاريخية

أثار هذا المشروع عدة تطورات مفيدة. كانت الصواريخ الكيميائية، التي توفر قوة دفع كافية للخروج من سطح كوكب، لا تزال قيد الاستخدام للوصول إلى مدار الأرض المنخفض، ولكن بعد ذلك، انضمت المحركات الأيونية إلى المصعد، ثم استُخدمت بعد ذلك للتحرك في جميع أرجاء النظام الشمسي. تولد هذه المحركات قوة دفع عن طريق تسريع الذرات المشحونة كهربائياً عبر حقل كهربائي، وكانت تعمل بالطاقة الشمسية، ولقد سمح هذا باستكشاف الكون الواسع على نحو أقل تكلفة وأكثر عمقاً.

يرجع أول اقتراح للمصاعد الفضائية إلى عام 1895، في تجربة فكرية ابتكرها رائد الفضاء الروسي «كونستانتين تسيولكوفسكي». كتب تسيولكوفسكي في عام 1911 يقول: «الأرض مهد الإنسانية، ولكن البشرية لا يمكن أن تبقى في المهد إلى الأبد». وقد أجري أول اختبار لهذه التكنولوجيا عام 2018، مع ظهور مشروع «STARS - Me»: القمر الاصطناعي الآلي المستقل المربوط بالفضاء - المصعد المصغر».

حدث هذا بجوار محطة الفضاء الدولية، باستخدام تصميم من قبل الباحثين في جامعة شيزوكا في اليابان. ويتكون من قمرين اصطناعيين صغيرين متصلين بكابل طوله 11 متراً مع زاحف يتنقل بينهما.

في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، عندما تبدأ بعثات «أرتميس» إلى القمر، سيتم بناء محطة «البوابة الفضائية» في المدار القمري، وأصبح هذا حجر انطلاق لمستودع «إل 1».

إن الخط الواصل يلعب دوراً محورياً في إضفاء الطابع الديمقراطي على الفضاء، إذ يصبح الذهاب إلى القمر للعمل أو قضاء وقت الفراغ شيئاً يمكن لأي شخص تقريباً فعله إذا أراد. ويتبع ذلك تحقيق اختراقات علمية من إنشاء قاعدة أبحاث في «إل 1»، ويتم نقل العمليات المدمرة - مثل التعدين - خارج كوكب الأرض. فقد تم نقل جزء كبير من البنية الأساسية الصناعية الملوثة للأرض - لا سيما منشآت الخوادم التي تدعم الطلب على الكومبيوترات - إلى القمر، حيث يمكن استخدامها بكفاءة أكبر بواسطة الطاقة الشمسية.