تعاملت الأمانة العامة للأمم المتحدة بحذر شديد مع تقارير تفيد بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب تسعى خلف الأضواء إلى إيجاد طرق بيروقراطية لعرقلة تدفق الأموال إلى المنظمة الدولية، بعدما أخفقت في محاولاتها لخفض المساعدات عبر الكونغرس.
وأفاد تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية بأنه في مطلع يوليو (تموز) الماضي، وجه أحد الموظفين المعينين لدى وزارة الخارجية رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مجلس الأمن القومي يشرح فيها بالتفصيل كيفية إحباط ما ينوي الكونغرس القيام به من أجل تمويل مجموعة برامج مساعدات دولية تابعة للأمم المتحدة على رغم معارضة المحافظين في البيت الأبيض، بما في ذلك مبادرات يستفيد منها اللاجئون الفلسطينيون، فضلاً عن توفير خدمات الصحة الإنجابية للنساء الفقيرات.
ورداً على سؤال من «الشرق الأوسط» في شأن هذه التقارير، اكتفى الناطق باسم الأمم المتحدة فرحان حق: «رأينا هذه التقارير. ولكن يعود إلى الدول الأعضاء أن تقرر ما إذا كانت ستسدد ما يتوجب عيها من مساهمات للأمم المتحدة». وأوضح أنه «عندما تتخلف الدول عن الدفع، تتراكم المتوجبات عليها. وإذا صارت هذه المتوجبات ضعف المبلغ السنوي المحدد لمساهمة أي دولة في الأمم المتحدة، تخسر الدولة المعنية حقها في التصويت داخل الجمعية العامة». وأكد أن «الأمر لم يصل إلى هذا الحد حتى الآن فيما يتعلق بالولايات المتحدة»، علما بأن عليها القيام بواجبات أخرى بصفتها الدولة المضيفة للمنظمة الدولية. وأشار إلى أن التمويل ليس عقبة أمام حقوق الدول المعنية بعضوية مجلس الأمن.
وادعت كاتبة الرسالة، وهي المستشارة الرفيعة في مكتب شؤون المنظمات الدولية لدى وزارة الخارجية ماري ستول، أن إدارة الرئيس ترمب لديها الحرية في التخلي عن تمويل البرامج التي تتعارض مع أولويات البيت الأبيض. واقترحت أن تتمكن الإدارة من استخدام عدد من الوسائل البيروقراطية - مثل فرض متطلبات محاسبية وإعداد تقارير مرهقة - لإنهاء البرامج التي يعارضها البيت الأبيض على رغم أن الكونغرس لا يزال يمولها.
ووفرت الرسالة التي حصلت عليها «فورين بوليسي» لمحة عن جهد أوسع يقوم به البيت الأبيض وموظفوه في وزارة الخارجية للحد من الواردات لبرامج المساعدات الخارجية الأميركية عبر مناورات بيروقراطية، على رغم أن تلك البرامج تحظى بتأييد واسع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس.
ونقلت المجلة عن مسؤولين مطلعين في وزارة الخارجية ومساعدين في الكونغرس أنه منذ أشهر عدة، انخرط المسؤولون الذين عينهم ترمب في وزارة الخارجية بمعارك شرسة بعيداً عن الأضواء مع الكونغرس حول استخدام هذا التكتيك في شأن تمويل برامج حقوق الإنسان والقضايا الرئيسية المتعلقة بالمرأة في الأمم المتحدة.
وقال مساعد لسيناتور ديمقراطي: «لم يتركوا أحجية إلا وجربوها لخفض التمويل للدبلوماسية والمساعدات الخارجية، لكنهم أخفقوا حتى الآن». وأضاف: «انحدروا إلى محاولة تجزئة استخدامات الأموال». وبحلول المهلة النهائية للسنة المالية، أي 30 سبتمبر (أيلول)، رضخ مسؤولو وزارة الخارجية ووافقوا على التزام توجيهات الكونغرس لتمويل معظم البرامج، لكنهم لا يزالون يخططون لحجب أكثر من 25 مليون دولار من التمويل لبرامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في انتهاك لواجبات الولايات المتحدة في معاهدتها مع الأمم المتحدة، وفقاً لما يقوله المسؤولون في وزارة الخارجية والمساعدون في الكونغرس.
وكذلك يحاولون السيطرة على أكثر من عشرة ملايين دولار من التبرعات لبرامج حقوق الإنسان وحقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة عبر تقييد طريقة إنفاق هذا المبلغ من قبل الجهات المستفيدة منه. وتشمل الاقتطاعات أكثر من سبعة ملايين دولار من المساهمات في الميزانية العادية للأمم المتحدة لتغطية تكاليف مجلس حقوق الإنسان، وأكثر من 16 مليون دولار للبرامج التي يديرها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، الذي يشرف على التحقيقات المدعومة من الولايات المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان من ميانمار إلى سوريا فكوريا الشمالية. وفي مرحلة ما، ضغط مسؤولو وزارة الخارجية من أجل وقف كل التمويل الأميركي للمفوض السامي لحقوق الإنسان وتخصيصه بدلاً من ذلك لمنظمة الدول الأميركية. لكن مكتب وزير الخارجية مايك بومبيو أوقف هذا التوجه في نهاية المطاف، وفقاً لمسؤولين على دراية بالمداولات الداخلية في وزارة الخارجية.
ورأت «فورين بوليسي» أن المعركة بين وزارة الخارجية والإدارة تعكس الدوامة الناجمة عن وقوف ترمب ضد المؤسسات المتعددة الأطراف، التي بدت جليّة خلال المداولات الرفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، حين أكد ترمب أنه يجري مراجعة رئيسية للمساعدات الأجنبية. وقال إن «الولايات المتحدة هي المانح الأكبر في العالم وبفارق كبير للمساعدات الخارجية»، مضيفاً أنه «بالتحرك إلى الأمام، سنقدم فقط المساعدات الخارجية لأولئك الذين يحترموننا، ولمن هم بصراحة أصدقاؤنا. ونتوقع من الدول الأخرى أن تدفع نصيبها العادل مقابل تكاليف الدفاع عنها».
من ناحية أخرى، ضغطت الإدارة الأميركية طويلاً من أجل إجراء تخفيضات حادة في كل المساعدات الخارجية الأميركية، بما في ذلك أكثر من مليار دولار في برامج الأمم المتحدة لحفظ السلام وبرامج المساعدات الإنسانية. وفي كل مرة، كان الكونغرس يرفض التخفيضات المقترحة بعد مقاومة وانتقاد.
ويعبر مساعدو الكونغرس عن اقتناعهم بأن بعض التخفيضات الجديدة من الإدارة منطقية، فعلى سبيل المثال، تخطط الإدارة لخفض التمويل لمجلس حقوق الإنسان بعدما قررت الولايات المتحدة الانسحاب منه في يونيو (حزيران) الماضي. وبررت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي هذه الخطوة بأن المجلس منحاز ومناوئ لإسرائيل بينما يغض الطرف عن منتهكي حقوق الإنسان المعروفين. لكنهم يعتقدون أن فشل الإدارة في تمويل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان - وهو منفصل عن مجلس حقوق الإنسان - يمكن أن يشكل انتهاكاً لواجب يقع على عاتق الولايات المتحدة بموجب المعاهدة مع الأمم المتحدة.
ونفت الناطقة باسم وزارة الخارجية أن الإدارة تقوم بتجزئة التمويل، واصفة ذلك بأنه «غير دقيق». وأضافت أن الوزارة تشاورت مع الكونغرس في «مناسبات متعددة» وهي «لا تحرف» المبالغ المخصصة من الكونغرس في اتجاه مختلف.
واعتبرت المجلة أن إدارة ترمب تريد أيضاً أن تمارس سيطرة أكبر على طريقة إنفاق الأمم المتحدة للتبرعات الاختيارية من الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، تسعى واشنطن إلى منع إنفاق سبعة ملايين دولار على برامج المفوضية السامية لتدقيق سجل حقوق الإنسان في إسرائيل أو على وضع لائحة بالشركات التي تعمل في المستوطنات الإسرائيلية.
وعارضت إسرائيل والولايات المتحدة بشدة إنشاء قاعدة بيانات كهذه.
وتعتزم إدارة ترمب تطبيق ما يسمى «سياسة مكسيكو سيتي» على أكثر من 8.5 ملايين دولار مخصصة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهي وكالة متخصصة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، بهدف منع استخدام الأموال من المنظمات التي تدعم خدمات الإجهاض أو المشورة في شأن خيارات الإجهاض. ولكن الأموال ستكون متاحة للبرامج التي تعزز التمكين الاقتصادي للمرأة ومكافحة العنف ضد المرأة وتعزيز دور أكبر للمرأة في حل الصراعات.
إدارة ترمب تسعى خلف الأضواء إلى خفض تمويل الأمم المتحدة
فرحان حق لـ«الشرق الأوسط»: الدول الأعضاء تقرر مواعيد دفع ما يتوجب عليها... وحقها بالتصويت
إدارة ترمب تسعى خلف الأضواء إلى خفض تمويل الأمم المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة