فرحة عراقية غامرة بفوز نادية مراد بـ«نوبل للسلام»

«المأساة الإيزيدية» تمنح البلاد للمرة الأولى أرفع جائزة عالمية

TT

فرحة عراقية غامرة بفوز نادية مراد بـ«نوبل للسلام»

عمت فرحة غامرة الأوساط السياسية والشعبية العراقية، أمس، بعد إعلان الأكاديمية السويدية فوز نادية مراد بجائزة نوبل للسلام، مناصفة مع الطبيب الكونغولي دنيس مكويغي. ونظرا للظروف المعقدة والمآسي الطويلة، التي ارتبطت بتاريخ العراق المعاصر، وتاريخ الأقلية الإيزيدية بشكل خاص، لم يخطر على بال أكثر العراقيين تفاؤلا أن يتمكن أحد مواطنيهم من الحصول على أرفع جائزة عالمية للسلام. غير أن الفتاة الإيزيدية، ابنة الخمسة والعشرين ربيعا، تمكنت من تحقيق «المعجزة» والفوز بالجائزة، على خلفية عملها الجاد والدؤوب للدفاع عن قضية أبناء بلادها من ضحايا «داعش»، وخاصة الإيزيديين منهم، الذين تعرض الآلاف منهم للقتل والأسر والسبي عقب سيطرة التنظيم الإرهابي على معقلهم الرئيسي في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى في أغسطس (آب) 2014.
وكانت الأمم المتحدة قد عيّنت نادية مراد في سبتمبر (أيلول) عام 2016 سفيرة للنوايا الحسنة لمكافحة المخدرات والجريمة. وقد تزوجت نادية الشاب الإيزيدي عابد شمدين في أغسطس الماضي في ألمانيا بعد لجوئها وعائلتها إلى هذه الدولة الأوروبية، عقب هروبها من «داعش»، الذي قتل ستة من أفراد عائلتها، وتعرضت للاغتصاب مرارا على يد عناصره بعد اختطافها من قرية كوجو في قضاء سنجار بمحافظة نينوى منتصف أغسطس عام 2014.
وانعكست الفرحة العراقية من خلال تقديم التهنئة لنادية من قبل آلاف المدونين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، كما هنأ رئيس الجمهورية برهم صالح أمس نادية مراد، وقال في بيان أصدره: «تحدثتُ هاتفيا مع العزيزة نادية مراد، وباركتُ لها نيلها جائزة نوبل للسلام». معتبرا أن «تكريم نادية يجسد إقرار العالم بمأساة الإيزيديين وكل ضحايا الإرهاب والتكفير في العراق، وتقديرا لشجاعتها ومثابرتها في الدفاع عن الحقوق المغتصبة، وتكريما لكفاح وصمود العراقيين في مواجهة الإرهاب والتطرف».
كما هنأ نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، الناشطة الإيزيدية بقوله «تهانينا القلبية للسيدة نادية مراد بمناسبة فوزها بجائزة نوبل للسلام، ومثلما افتخرنا دائماً بنشاطاتها، فحصولها على جائزة نوبل هو موضع فخر بالنسبة لنا ولشعب كردستان».
بدوره، وصف رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي حصول نادية مراد على جائزة نوبل بأنه «إقرار حقيقي وواقعي بحجم التضحيات التي قدمها ويقدمها العراق نيابة عن العالم»، مشيرا إلى أنها «أصبحت أيقونة للصبر والتضحية والشجاعة، ورمزاً من رموز رفض الظلم والطغيان». كما بارك رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي فوز نادية مراد.
من جانبها، هنأت السفارة الأميركية في بغداد نادية مراد لفوزها بنوبل، واعتبرت أن «عملها مع الناجين من الاتجار بالبشر وضحايا الفظائع ساهم في مساعدة الكثير من النساء والأطفال العراقيين، الذين كانوا من ضحايا الجرائم البشعة التي قام بها داعش».
من جهته، أعرب النائب صائب خدر، ممثل الكوتا الإيزيدية في البرلمان العراقي، عن فرحته الغامرة بفوز نادية مراد بجائزة نوبل، وقال لـ«الشرق الأوسط» «العراقيون عموما، والإيزيديون بشكل خاص، سعداء بهذا الإنجاز الرائع الذي حققته نادية، والمفارقة أن الفرح ونوبل تحقق للعراق عبر المآسي». معتبرا أن «الجائزة أقل ما يمكن تقديمه للإيزيديين نتيجة تعرضهم للإبادة والانتهاكات على يد داعش»، وأن نادية «تمكنت عبر جهودها الاستثنائية في تدويل المأساة الإيزيدية، ووضعها بقوة على أجندة المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي».
ويأمل خدر أن «يلفت فوز نادية بالجائزة أنظار العراقيين والمجتمع الدولي إلى المآسي المتواصلة حتى الآن في قضاء سنجار، الذي ما زال مهدما وغير صالح للعيش، وخاصة قرية (كوجو) التي كانت تسكنها نادية». كما يأمل أيضا أن «يصار إلى حل المشاكل السياسية القائمة، التي ورثتها المنطقة منذ اتفاق الجزائر بين البعث ونظام الشاه الإيراني. ففي السابق كانت بعض الجماعات توالي الأكراد، وأخرى توالي صدام، واليوم تمر سنجار بنفس المشكلة، وهناك من يوالي أربيل ومن يوالي بغداد، والضحية الوحيدة هم السكان المحليون، وأغلبهم من الإيزيديين».
وتعرض الإيزيديون تاريخيا إلى حملات إبادة واسعة وتشكيك، واتهامات بـ«الكفر وعبادة الشيطان»، برغم تركيز المثيولوجية الدينية لديهم على مبدأ «الواحدية»، وللإيزيديين، شأن أغلب أتباع الديانات، رؤية تستقر في توحيد الخالق.
وتشير المصادر الإيزيدية إلى تعرض الطائفة عبر التاريخ إلى الكثير من حملات الإبادة والقمع، كانت أشدها في عهد الإمبراطورية العثمانية. وهناك إجماع بين الإيزيديين على أن عدد الحملات التي تعرضوا لها خلال العهد العثماني بلغت 72 حملة، وفي كل مرة كانت تدمر مزاراتهم وتهدم بيوتهم، وكانوا يلوذون بالجبال والكهوف لحماية أنفسهم من الانقراض والهلاك. وقد تكللت تلك الحملات بالإبادة والقتل والسبي على يد عناصر «داعش» عام 2014.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.