تاريخ وجبات الشوارع يعود إلى العصر الإغريقي

بدأت بوجبات من السمك المشوي

تاريخ وجبات الشوارع يعود إلى العصر الإغريقي
TT

تاريخ وجبات الشوارع يعود إلى العصر الإغريقي

تاريخ وجبات الشوارع يعود إلى العصر الإغريقي

يذكر التاريخ أن أول وجبات شوارع مسجلة كانت في اليونان القديمة خلال العصر الإغريقي وكان الباعة يعرضون أسماكا مشوية للمارة، ولكن حتى في ذلك الزمان، كما يذكر المؤرخ ثيوفراستوس، كان علية القوم يعرضون عن هذه الأكلات الرخيصة ويفضلون الطعام المنزلي.
وعند اكتشاف آثار مدينة بومبي التي دفنت تحت رماد بركان في إيطاليا وجد العلماء آثارا لعدد كبير من بائعي وجبات الشوارع. واعتمدت الجماهير الفقيرة في روما القديمة على وجبات الشوارع الرخيصة لأن بيوتهم لم تكن قد عرفت الأفران بعد.
وفي الصين القديمة توجهت وجبات الشوارع فيها إلى الطبقات الفقيرة ولكن حتى الأثرياء كانوا يرسلون الخدم لشراء وجبات الشوارع من أجل تناولها في البيوت. وقال رحالة إيطالي في القرن الرابع عشر إن أهالي القاهرة كانوا يحضرون سجاجيد مصنوعة من القماش أو الجلود ويجلسون عليها على جوانب الطرق يتناولون طعامهم المكون من الكباب والأرز والكثير من المأكولات الأخرى التي كانوا يشترونها من الباعة الجائلين. وهي عادة قد تكون متأصلة حتى الآن في أعياد شم النسيم.
وفي تركيا أثناء عصر النهضة انتشر باعة أطعمة الشوارع في الطرقات يبيعون أنواعا متعددة من الأكلات الساخنة. وفي عام 1502 كانت تركيا أول بلد في العالم ينظم ويقنن شروط والتزامات ومواقع بائعي وجبات الشوارع.
وانتشرت أكلات الشوارع في حضارة الأزتيك في أميركا الجنوبية وكانت تشمل الكثير من المنتجات المحلية ومنها الدجاج والأرانب والأسماك والفواكه والبيض وأنواعا من الحشرات. وبعد الغزو الإسباني، ومع تقديم أنواع الأغذية الأوروبية مثل القمح والسكر والمواشي، استمر أهالي البلاد في الاعتماد على الوجبات المحلية وشرائها من بائعي الشوارع. ويتذكر أهالي بيرو هذا التراث المحلي إلى اليوم.
وخلال استعمار بريطانيا لأميركا انتشرت وجبات الشوارع في أنحاء المدن الأميركية وشملت المبيعات الأسماك والمحار والفواكه والذرة المشوية، وكان الإقبال عليها من جميع طبقات المجتمع. وكانت بائعات الشوارع من أصل أفريقي ينتشرن في القرنين 18 و19 لبيع الكعك والفواكه في سافانا والبن والبسكويت والحلوى والمكسرات في نيو أورلينز. وبعد سنوات من فرض القيود على باعة الشوارع في نيويورك شملت ساعات العمل والمواقع المسموحة لهم، صدر قرار في عام 1707 بمنع الباعة المتجولين في قلب مدينة نيويورك.
وفي أوروبا خلال القرن التاسع عشر انتشرت عربات بيع مخبوزات الجنجر (الزنجبيل) والذرة واللحوم المقلية في أوانٍ من السيراميك على مواقد من الفحم. كما بدأ بيع البطاطس المقلية في شوارع باريس في عام 1840، ولذلك ما زال يطلق عليها اسمها الفرنسي «فرنش فرايز» حتى الآن. وفي العصر الفيكتوري البريطاني بيعت أنواع الكرشة وشوربة البازلاء والجمبري وأسماك الثعبان في الجيلي في شوارع لندن.
وبدأت الوجبة الشعبية اليابانية، واسمها «رامين» وتتكون من شعرية النودل والشوربة واللحم المسلوق، كوجبة شوارع أحضرها العمال الصينيون إلى اليابان قبل مائة عام. وتنتشر الوجبات الصينية في جنوب شرقي آسيا من العمالة الصينية التي هاجرت إلى هذه البلاد في القرن التاسع عشر.
ولم تكن وجبات الشوارع مشهورة في تايلاند حتى ستينات القرن الماضي، ومع توسع المدن والتعداد تحولت وجبات الشوارع إلى وجبات رئيسية وتخطى حجمها الطعام الذي يعد في المنازل. كما ساهمت صناعة السياحة المتزايدة في البلاد إلى انتشار وتوسع وجبات الشوارع.
وعلى عكس تايلاند، فإن تاريخ وجبات الشوارع في إندونيسيا يمتد إلى تاريخ بعيد. وتذكر المعابد الإندونيسية في مخطوطات وتدوين على الجدران مأكولات شوارع يعود تاريخها إلى القرن التاسع. كما توسعت في إندونيسيا تجارة المأكولات السريعة في الشوارع في القرن 19 أثناء الاحتلال الهولندي للبلاد. ومن أشهر مأكولات الشوارع التي تباع في إندونيسيا «ساتاي» وهي الدجاج أو اللحوم المشوية على أسياخ قصيرة وحلوى «سيندول» التي تحتوي على الجيلي وحليب جوز الهند والفواكه. ومع التوسع العمراني في إندونيسيا في السنوات الأخيرة انتشرت أيضا صناعة مأكولات الشوارع خصوصا في المدن الرئيسية وفي العاصمة جاكرتا.

انتشار عالمي

وفي الوقت الحاضر تنتشر مأكولات الشوارع في كل أنحاء العالم، وتختلف جذريا بين المناطق والبلاد ومن حضارة لأخرى. وتوصف أكلات الشوارع في فيتنام بأنها طازجة وخفيفة ومختلفة عن الأكلات المنتشرة في البلدان المجاورة. فالمذاق في فيتنام يعتمد على الأعشاب والفلفل والليمون، بينما الأكل التايلاندي حريف في مذاقه ويميل إلى صلصات الجمبري والسمك.
كما تتوجه بعض المدن إلى الجمع بين مذاقات العالم في شوارعها، مثل نيويورك ولندن. فإلي عصر قريب كان أكل الشوارع في نيويورك يقتصر على سجق «هوت دوغز» أما الآن فتنتشر فيها مأكولات الشرق الأوسط كافة مثل الفلافل ومأكولات جامايكا مثل «جيرك تشكن» وشطائر «وافل» البلجيكية والبيتزا والباستا الإيطالية.
وتتنوع مأكولات الشوارع في الهند بقدر تنوع المطبخ الهندي. ولكل منطقة في الهند مأكولات تتخصص فيها، وأحيانا تقتصر عليها. وهناك بعض الأنواع المشهورة أيضا خارج الهند مثل الكباب ودجاج تندوري ومثلثات سوموسا. وتتحكم الثقافات المختلفة في طبيعة إعداد وبيع أكلات الشوارع، حيث تسيطر النساء مثلا على منافذ بيع أكلات الشوارع في كل من تايلاند ونيجيريا، بينما يتخصص الرجال فقط في هذه المجال في بنغلاديش.
كما تعتبر بعض البلاد، مثل الفلبين، أن تناول أكلات الشوارع يوميا من الأمور العادية لأن المنازل ليس بها غرف لتناول الطعام. بينما تنظر بعض البلدان الأخرى، مثل اليابان، إلى الأكل في الشوارع أثناء المشي، كعادة قبيحة. كما تفرق العادات الهندية بين الأطعمة التي يمكن تناولها خارج المنازل، خصوصا للنساء، وبين تلك التي يتعين تحضيرها في المنازل.
وبينما يساهم بائعو أطعمة الشوارع في أميركا في تشجيع الاقتصاد المحلي ويتطلع كل منهم إلى طموح ملكية مطعم في المستقبل، فإن انتشار أطعمة الشوارع في المكسيك يعتبر دلالة على تدهور الأوضاع الاقتصادية وندرة فرص العمل المتاحة.
أما الشركات متعددة الجنسيات فقد استفاد بعضها من ظاهرة انتشار أكلات الشوارع في العالم، كل بطريقته الخاصة. وعلى سبيل المثال توسعت شركة كوكاكولا عدة أضعاف في الصين والهند ونيجيريا بعد أن قامت بتدريب باعة الشوارع وإمدادهم بمشروبها من أجل تقديمه مع الوجبات التي يعرضونها.
كما ترى منظمات الأمم المتحدة أن باعة أطعمة الشوارع من الوسائل المتاحة لإضافة الفيتامينات إلى الأطعمة في بعض المناطق من أجل العناية بالصحة العامة في مناطق العالم الفقيرة.


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».