«يوم الدين» فيلم مصري يوصل هموم مرضى الجذام للعالمية

أبو بكر شوقي لـ«الشرق الأوسط»: منحت البطولة لراضي لأنه أفضل من يعبر عن المعاناة

مخرج فيلم {يوم الدين} مع أبطال العمل
مخرج فيلم {يوم الدين} مع أبطال العمل
TT

«يوم الدين» فيلم مصري يوصل هموم مرضى الجذام للعالمية

مخرج فيلم {يوم الدين} مع أبطال العمل
مخرج فيلم {يوم الدين} مع أبطال العمل

حول شخصية «بشاي» رجل يتعافى من مرض الجذام، لكنه لا يزال يعاني من آثاره الاجتماعية والنفسية، تدور أحداث فيلم «يوم الدين» الذي انطلق في دور العرض المصرية، الأربعاء الماضي، بعد أن شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» الأخير، ليتم اختياره لتمثيل مصر رسميا في سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي، بالإضافة إلى مشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة في دورته الثانية.
«الشرق الأوسط»، التقت صناع فيلم «يوم الدين» المخرج أبو بكر شوقي، والمنتجة دينا إمام، وبطلي الفيلم راضي جمال، وأحمد عبد الحفيظ، لتتعرف على هذه التجربة.
يقول أبو بكر شوقي، الذي يبلغ من العمر، 32 عاما، «يوم الدين» فيلم يتناول المنبوذين والأقليات والفئات التي قد لا يتقبلها المجتمع بسبب المظهر الخارجي، لذلك رسالة الفيلم بشكل عام هي أن الحكم على الناس يجب أن يكون بناء على شخصيتهم وليس شكلهم وديانتهم ولا خلفياتهم الثقافية والاجتماعية.
وتابع قائلا: «فكرة الفيلم ولدت مع تصوير فيلم وثائقي قبل 10 سنوات بعنوان «المستعمرة» في منطقة أبو زعبل بشمال مصر، حينها استمعت إلى قصص لمرضى الجذام، واخترت أن يكون فيلمي الروائي الأول عن حياتهم».
وأكد أبو بكر، أنه تعامل مع «راضي» باعتباره ممثلا، جاء لكي يجسد شخصية كانت مكتوبة بالفعل، واستعان به وليس بممثل محترف، لأن هناك تفاصيل صغيرة لن يستطيع أحد تمثيلها أكثر من شخص عاش التجربة، مثل طريقة إمساك السيجارة، وكيف يمسك بكوب الماء عندما يشرب، هذه التفاصيل الصغيرة التي لا يمكن التفكير فيها من الأساس، لن يعطيها للمخرج إلا شخص عاش التجربة.
وأضاف، ربما يكون هناك جزء من حكايته الحقيقية متطابقة مع السيناريو، لأكثر من سبب أنه كان يعاني من مرض الجذام، ويعيش في المستعمرة، لكن في نفس الوقت هناك فروق كبيرة جدا بين «راضي» والشخصية التي يجسدها، لأن «راضي» في الواقع تربطه علاقة طيبة جدا بأسرته، كما أنه لا يعمل في جمع القمامة كما ظهر بالفيلم، وإنما يعمل فلاحا، وبالتالي الفيلم ليس سيرة ذاتية.
وأوضح أبو بكر، أن قصة الفيلم هي مزيج من كل الحكايات التي ظهرت في فيلم «المستعمرة»، منها شخص ألقته أسرته ولم تسأل عنه أبدا، وآخر، زوجته توفيت وأصبح يعيش منفردا وليس لديه أبناء، وثالث كان يتمنى السفر للبحث عن عائلته، فالفكرة الرئيسية للفيلم هي مزيج من كل هذه الحكايات.
من جهته قال راضي جمال، بطل الفيلم، «وافقت على المشاركة بهذا الفيلم حتى لا يكون هناك حاجز بين المتعافي من الجذام والمجتمع»، ولفت إلى أن بداية هذا العمل جاءت عندما قابله المخرج أبو بكر شوقي، وكشف له عن نيته صناعة فيلم عن مرضى الجذام، وقام بزيارته في بيته بمنطقة «أبو زعبل» مرتين، يشربان الشاي ويأكلان معا، قبل أن يبدأ المخرج في حكي القصة التي يريد تقديمها.
يقول «راضي» بأن المخرج سأله في أول جلسة: «هل القصة تغضبك؟»، فأجابه «لا، أنا رجل غير متعلم، لكن طالما أن التمثيل شغل، وسأتقاضى مقابلا عنه، لن أرفضه، هذا أفضل من أن أمد يدي للناس».
يضيف «راضي»، أنه بعد ذلك بدأ في التردد على مكتب «أبو بكر» للتدريب على الوقوف أمام الكاميرا، كما كان يذهبان إلى مكان واسع لتعلم كيفية ركوب الحمار، وقيادة العربية الكارو.
ورغم أن علاقة «راضي» طيبة بأسرته، وحسب كلامه قضى معهم العيد الأخير في المنيا، إلا أنه أكد أن ما جاء بالفيلم حقيقة، فبعض الأهالي يأتون بأطفالهم ويلقون بهم في المستعمرة عند إصابتهم بالجذام، ولا يسألون عليهم مرة أخرى، وكأنهم لم ينجبوهم، وهناك من يعود لأبنائه بعد سنة.
وعما إذا كان يحب أن يستمر في العمل بالتمثيل، قال «راضي» بأنه أحب المخرج أبو بكر والمنتجة دينا إمام، فهما تعبا معه جدا، حتى أجاد فن التمثيل، وبالتالي إذا جاءت له فرصة أخرى سيستمر، وإذا لم تأت، فالحمد لله على دور «بشاي» في «يوم الدين»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المخرج أبو بكر شوقي زاره ذات مرة في منزله بمنطقة أبو زعبل وكان برفقته الممثل أحمد الفيشاوي، والمنتجة دينا إمام وجلسا معه أكثر من 3 ساعات.
وعن السبب وراء عدم سفره إلى مهرجان «كان» مع أسرة الفيلم، وحقيقة أنه منع من السفر، قال راضي جمال؛ بأنه ذهب إلى المطار بصحبة أحمد عبد الحافظ الطفل الذي جسد «أوباما»، لكن التأشيرة لم تكن صحيحة، مؤكدا على أن أحدا لم يمنعه من السفر.
يوضح راضي أن كثيرا من الشباب المعافين من الجذام، عندما يذهبون للعمل في أي مكان لا يتم الموافقة عليهم، رغم أن الجذام ليس مضرا، والمتعافي منه أفضل من الذي يعاني من أمراض مزمنة أخرى مثل السرطان والإيدز والكبد، لأنه بعد الحصول على 6 شهور من العلاج، يتعافى تماما، وتكون مشكلته فقط أن آثار المرض تستمر على جسده.
من جانبه قال الطفل أحمد عبد الحفيظ، صاحب دور «أوباما» أن دخوله مجال التمثيل، كان عبر لقاء جمعه صدفة بالفنان أحمد الفيشاوي، والذي يتردد كثيرا على بيت أحد جيرانه، للعب «البلاي ستيشن»، وعندما قابله ذات مرة وقال له بأنه يرغب في العمل بالتمثيل، سأله الفيشاوي عما إذا كان يجيد الوقوف أمام الكاميرا، ولأنه تربطه علاقة صداقة مع المخرج أبو بكر شوقي، عندما جاءت فرصة «يوم الدين»، لم يتردد الفيشاوي في ترشيحه، مشيرا إلى أن أسرته لم تمانع من خوضه تجربة التمثيل، لأنها تعرف أنه يريد أن يكون ممثلا.
وكشف عبد الحفيظ أنه عندما التقى راضي لأول مرة في التصوير، شعر بالخوف، ولكن بعد أن أوضح له المخرج بأنه تعافى من المرض، وأنه غير معدي، تقبله جدا، وأصبحا صديقين، مؤكدا على أن «راضي» شخصية جميلة ويحبها الجميع.
بدورها أكدت المنتجة دينا إمام، أنها تعتبر فيلم «يوم الدين» هو أول طفل لها مع زوجها المخرج أبو بكر شوقي، فبعيدا عن أنهما جادان في العمل بشكل عام، كان تعاملهما مع التجربة منذ البداية على هذا الأساس.
توضح «إمام»، أنها تعرفت على «أبو بكر» قبل 4 سنوات من أجل «يوم الدين»، وخلال العمل تطورت علاقتهما، ليتزوجا منذ عامين، فالعمل على هذا الفيلم لم يتوقف في المنزل والمكتب منذ أن كان فكرة حتى خرج إلى النور، لأنه بالنسبة لهما «الحياة سينما والسينما حياة»، مشيرة إلى أن الفيلم كان مشروع تخرج أبو بكر في جامعة نيويورك، التي منحته أول دفعة من التمويل، تبعها الدخول في رحلة البحث عن تمويل الفيلم لمدة عام ونصف تقريبا، تم خلالها مخاطبة معظم الجهات المانحة في العالم، والتي عندما كانت تعرف قصة الفيلم لا تتحمس، وترفض.
تؤكد دينا إمام، أنهما كانا يعرفان من البداية أن تخيل شكل الفيلم كان صعبا، ويعرفان أيضا أنه «مخاطرة»، لكن في نفس الوقت كانا يعرفان أن الفيلم عندما يكتمل سيخرج بصورة جيدة، وهو ما دفعهما على مواصلة رحلة البحث عن التمويل، حتى وجدا من يؤمن بالفكرة في الدورة الأولى لمهرجان الجونة، وصندوق «سند»، ومهرجان ترايبكا، كما أن جامعة نيويورك لم تتوقف عن دعم الفيلم، حتى جاء محمد حفظي في النهاية ودخل شريكا في التجربة بعد انتهاء عمليات المونتاج.
تكشف «دينا» أن العمل على الفيلم توقف بعد انتهاء التصوير، لعدم وجود أموال، وسافرا معا للعمل في مسلسل أميركي ليجمعا بعض المال يكملان به مراحل إنتاج الفيلم، كان «أبو بكر» يعمل في غرفة الكتابة، وكانت تقوم بعمليات البحث له.
وختمت دينا إمام حديثها، لـ«الشرق الأوسط»، بأنها فخورة بتمثيل مصر في مسابقة «كان»، وفخورة أكثر بتمثيلها في سباق الأوسكار على أفضل فيلم أجنبي، وتريد أن ترى شبابا آخرين مهتمين بصناعة السينما ناجحين.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».