سهرات الخيام الرمضانية تضيء ليالي القاهرة

فقرات غنائية ومسابقات وطقوس خاصة

الفقرات الغنائية في الخيام الرمضانية
الفقرات الغنائية في الخيام الرمضانية
TT

سهرات الخيام الرمضانية تضيء ليالي القاهرة

الفقرات الغنائية في الخيام الرمضانية
الفقرات الغنائية في الخيام الرمضانية

أضاءت سهرات الخيام الرمضانية ليالي القاهرة وأشعلت الموسم السياحي من جديد، وعقب إفطار رمضان تجمع مصريون وعرب وأجانب حول الفقرات الغنائية والمسابقات في الخيام التي انتشرت في الكثير من المواقع الأثرية والسياحية والتاريخية. وعلى ضفاف نهر النيل بالتأكيد رمضان مختلف وله مذاق مميز في القاهرة. شوارع مزدحمة ليلا ومقاهٍ تستمر في العمل حتى السحور.
يقول فادي كرم مسؤول خيمة «فرايدايز» بطريق مصر - إسكندرية الصحراوي: «الخيام الرمضانية أصبحت من مكملات المشهد الرمضاني بامتياز، بل هناك الكثير من الناس الذين ينتظرون حلول الشهر الكريم للاستمتاع بسهراتها وفقراتها في طقوس رمضانية خاصة، وهناك الكثير من الخيام الرمضانية المنتشرة في أنحاء العاصمة تتنافس جميعها على تقديم أفضل الخدمات والفقرات للزبائن الذين كثيرا ما يكون منهم سياح عرب وأجانب يأتون خصيصا لهذه السهرات.
ويضيف فادي: «نبدأ العمل عادة من بعد الإفطار بنحو ساعة ونستمر في استقبال الضيوف حتى ساعات الصباح الأولى من بعد السحور، ويتخلل السهرات عادة فقرات غنائية أحيانا ومسابقات عامة وبوفيه مفتوح للسحور أيضا».
ويعتبر الكثير من أصحاب تلك الخيام الرمضانية أن الموسم الرمضاني بشكل عام فرصة كبيرة لإنعاش قطاع السياحة من جديد من خلال جذب أكبر عدد ممكن من السياح العرب والأجانب الذين يعتبرون السهرات الرمضانية في قلب القاهرة لا تتكرر إلا في شهر واحد من شهور السنة ويحجزون من بلادهم خصيصا لهذه المناسبة، كما أن الكثير من القائمين على تلك الخيام ينتهزون الفرصة لتحقيق أكبر عائد مادي ممكن خلال هذا الشهر، حيث يعتبرونه موسما نادرا لا يتكرر إلا مرة واحدة في العام كما يقول محمد النادي مسؤول خيمة «ترانزيت» الواقعة بحي الزمالك على النيل.
ويضيف محمد النادي: «الأصل في الخيام الرمضانية هو تقديم فقرات لا تخلو من الجو المصري الأصيل المحبب لدى الكثيرين، ولذا نحرص كل فترة على تقديم فقرات غنائية قديمة للطرب الأصيل مصحوبة بالتخت الشرقي الرائع الذي ينقل الحاضرين إلى أجواء رمضانية مصرية خاصة».
ويقول أيضا: «عانينا كثيرا خلال الأعوام الثلاثة الماضية بسبب ضعف الإقبال بشكل كبير وتراجع السياحة بشكل ملحوظ، ولكن هذا العام تحسن الوضع بشكل كبير جدا، فهناك حجوزات تأتي للخيمة من سياح أغلبيتهم عرب وأجانب أيضا، وأكثر طلبات الزبائن تكون لفقرات الموسيقى العربية والعروض الفنية ومسابقات المعلومات الرمضانية. كما أن هناك إقبالا في بوفيه السحور على طبق الفول المصري بشكل كبير وبعض الأكلات اللبنانية المحببة مثل الفتوش وغيره، التي يطلبها الزبائن ويحبونها كثيرا».
ويلاحظ الكثير من رواد عدد كبير من تلك الخيام تميزها بالفوانيس والأنوار والديكورات الإسلامية والعربية، إلى جانب بعض الديكورات التي تعكس روح المصريين مثل «أولاد البلد» و«المسحراتي» و«القهوجي» و«عربات الفول» التي ترمز إلى الأحياء الشعبية من داخل البيئة المصرية، وغيرها من المظاهر التي تدخل السعادة إلى قلوب الكبار والصغار على حد سواء.
وعلى الجانب الآخر يوجد أيضا عدد كبير من الخيام التي تتبع الأسلوب الحديث والديكورات ذات الطابع الغربي والإضاءة الخافتة الموزعة بشكل غاية في الدقة، كما أن الغالب هو الطابع الحديث في الشكل العام واستخدام الألوان الهادئة التي تبعث جوا من السلام، وهو ما يؤكده سامي محمد مسؤول الحجوزات في خيمة «سي عمر» المطلة على كورنيش القاهرة الساحر.
ويقول سامي محمد: «نحرص في خيمة (سي عمر) على تقديم كل ما هو جديد وشيق في أسلوب يتناسب مع طقوس الشهر الكريم، وذلك من خلال إقامة الكثير من الفقرات الغنائية لفرق شبابية وأخرى تنشد التواشيح الدينية وأحيانا يكون هناك حفلات موسيقى شرقية تعكس أجواء الاحتفال المصري، بجانب وجود (دي جيه) بشكل شبه دائم داخل المكان حتى نرضي جميع الأذواق».
ويضيف: «يوميا يأتي إلينا أكثر من 700 زائر من نزلاء الفنادق أو من الخارج الذين كانوا يحرصون على مشاهدة مباريات كأس العالم خلال الفترة السابقة والاستمتاع بالفقرات الغنائية التي تمتد عادة حتى موعد السحور». ويؤكد: «زبائننا من جميع الأعمار. ويوجد إقبال قوي هذا العام بسبب تحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، كذلك التي ساعدت على عودة السياحة مرة أخرى بشكل كبير، وهو ما انعكس على نسبة إقبال السياح العرب والأجانب التي تزداد بشكل مستمر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».