معتز موسى...السياسي الإسلامي الخارج من الظل

الاقتصاد التحدي الأكبر لرئيس وزراء السودان الجديد

معتز موسى...السياسي الإسلامي الخارج من الظل
TT

معتز موسى...السياسي الإسلامي الخارج من الظل

معتز موسى...السياسي الإسلامي الخارج من الظل

قبل ساعات قليلة من الخطوة المفاجئة بتكليف معتز موسى بتشكيل الوزارة الجديدة في السودان، قال موسى إن أمامه 400 يوم عمل قبل موعد الانتخابات الرئاسية في 2020، يعمل خلالها بما سماه برنامج «صدمة» قصير الأجل، لمعالجة اختلالات الاقتصاد السوداني. والواقع أن الرجل القليل الكلام يتولى المسؤولية في بلد يعيش أوضاعاً اقتصادية مأزومة، إذ تجاوز معدل التضخم الـ60 في المائة، وتدهور سعر صرف الجنيه السوداني بشكل غير مسبوق، وسط ندرة في الوقود والسلع الرئيسية، وغلاء فاحش في الأسعار.
بمواجهة هذه الأزمات، فإن معتز موسى، وفق كثيرين، بحاجة لـ«عصا موسى لتلقف ثعابين وحبال السحرة» الذين سبقوه، فهل يفلح الرجل في الفترة القصيرة المتاحة بنهاية ولاية الرئيس عمر حسن البشير الحالية في 2020 في إعداد المسرح بأفعال تعيد التوازن لاقتصاد البلاد، بما يمهد الطريق له للحصول على دورة رئاسية «ثالثة»، يسعى حزبه من أجلها لتعديل الدستور، أم أن «الوقت انتهى»؟

كان الناس ينتظرون «وزارة موسى» ليتلمسوا الطريق إلى توجهات جديدة، لكن لدى الإعلان عنها، عشية الخميس، قال كثيرون «إنها شراب قديم في أباريق جديدة»، وإنها كانت «مجرد تنقلات» بين أفراد الطاقم الحاكم، وفقاً لتكهنات أطلقها مراقبون ومحللون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» قبل ساعات من إعلان الوزارة الجديدة.
وعلى الرغم من تسنّم معتز موسى، وهو سياسي معروف بتوجهاته الإسلامية الصريحة، عدداً من المناصب عقب تخرجه في كلية الدراسات الاقتصادية بجامعة الخرطوم 1989، فإنه ظل قابعاً في الظل. لكنه لفت الأنظار أول مرة خلال برنامج حواري تلفزيوني على إحدى الفضائيات المصرية. وعن هذه الإطلالة اللافتة، قال الصحافي ضياء الدين بلال، في مقال: «لا يوجد مقطع فيديو احتفى به مناصرو الحكومة ومعارضوها، على السواء، مثل الاحتفاء بذلك المقطع من حوار لميس الحديدي مع معتز موسى، وهو يردُّ على أسئلتها الاستفزازية والاستدراجية بثباتٍ وثقةٍ قلما تجود بهما حوارات المسؤولين. قُوَّة حجَّة مُعتز ألجمت لميس، وأعجبت السودانيين في كُلِّ مكان، فتناقلوها عبر وسائط التواصل الاجتماعي على أجنحة الفخر».
بلال رأى - بحسب المقال - أن موسى يعد من أكثر الوزراء مقدرةً على التعبير عن سياسته، والدفاع عنها بمنطقٍ قوي ولسانٍ مُبين، وأردف أنه تلقى رسالة من إعلامي بارز خلال تلك الفترة، فحواها: «هذا الوزير جديرٌ بتقلُّد منصب رئيس الوزراء»، وهو سقف يلامس أحلام الكثيرين؛ أن يستخدم الرجل «عصا موسى» في مواجهة الأزمة.
بيد أن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، صديق يوسف، يذهب إلى القطع بعدم قدرة النظام، وليس الرجل، على مواجهة الأزمة، سواء استخدم عصا موسى أو استعان بسحرة سليمان، ومن ثم استطرد قائلاً: «حل الحكومة، وإعادة تشكيل الوزارة، ليس حلاً لمشكلة السودان». ورأى يوسف أن التغيير في الطاقم الحاكم ليس نتيجة حاجة عملية، بل تعبير عن «صراعات داخل الحزب الحاكم، وتوازنات يعرفونها هم». وبالتالي، لا قيمة لاختيار شخص أو إعفاء آخر. وتابع شارحاً: «ما لم تتغير السياسات، فلن يحدث جديد، سواء كان رئيس الوزراء معتز موسى أو بكري حسن صالح»، مضيفاً: «ما حدث لا يعني الشعب السوداني في شيء، بل يعبر عن صراعات ومصالح مراكز النفوذ».
في المقابل، فإن أسامة توفيق، القيادي الإسلامي المنشق عن الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، الذي سبق له أن عايش معتز موسى في أثناء توليه وظيفة «قنصل» في سفارة السودان في بون، بألمانيا الاتحادية، وكذلك إبان الحرب في جنوب السودان، التي كان أحد قادتها الميدانيين، وكان موسى أحد مقاتليها، يقول عن موسى خلال تلك الفترة: «إنه رجل متدين للغاية، وكان مكتبه مفتوحاً للسودانيين. ولقد استغل وجوده هناك (في بون) في تأهيل نفسه، إذ تعلم اللغة الألمانية وأجادها، وحصل على درجة الماجستير في السياسة الدولية»، ويضيف: «كان يسكن شقة صغيرة لا تليق بقنصل، ولا بزوجته هالة بنت رجل الأعمال الإسلامي الشهير الطيب النص»، ويستطرد: «كان يركب سيارة قديمة من طراز (مرسيدس)، ثمنها في حدود 600 دولار، وأشهد له بالنظافة ورفض استغلال النفوذ».
ويوضح توفيق أن موسى نقل بواسطة أسامة عبد الله، وزير الكهرباء والسدود الأسبق المثير للجدل، إلى إدارة السدود، مضيفاً: «كان أحد أبناء أسامة عبد الله. وخلال عمله في السدود، كنا نلتقي في المناسبات». ومن ثم، تنبأ توفيق لرئيس الوزراء الجديد بالفشل في مهمته، رغم الميزات الشخصية التي رواها عنه بقوله: «كتبت تغريدة بأن معتز مؤهل ونظيف، فرض عليه تحكيم مباراة في السنترليغ، بدار الرياضة أم درمان، في يوم عاصف وممطر»، ثم تابع موضحاً: «أن تشتغل مع الرئيس عمر البشير، فأنت فاشل من البداية... كل شيء سيسلم له كروشتة طبيب عليه تنفيذها، بما في ذلك روشتة أسماء الوزراء»، واستطرد: «اختياره لم يأت لكونه مؤهلاً، بل لأن الرئيس فقد الثقة في المؤتمر الوطني، فأصبح يستعين بأقاربه... ولهذا، لا أتوقع له النجاح، ليس لضعف فيه، بل لأنه سيكون مكبلاً».

- بطاقة شخصية
ولد معتز موسى عبد الله سالم، وهذا هو الاسم الكامل لرئيس الوزراء الجديد، في منطقة صراصر، التابعة لمحلية الحصاحيصا، بولاية الجزيرة، في وسط السودان، عام 1967. وتجمعه صلة رحم بالرئيس عمر حسن البشير، كما أنهما يتحدّران من منطقة واحدة. وقد تخرج في كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم 1989، بدرجة بكالوريوس الإدارة والمحاسبة. وفي عام تخرجه، حدث انقلاب 30 يونيو (حزيران) 1989، الذي جاء بالإسلاميين الذين ينتمي إليهم، وبالرئيس البشير، للحكم، وهو ما أتاح له التقلب في المناصب حتى عين رئيساً للوزارة، الأحد الماضي.
يقول زملاؤه في الجامعة إنه كان ملتزماً بوضوح بـ«الحركة الإسلامية» - التنظيم السياسي للإسلاميين السودانيين حينذاك - لكنه لم يكن يشارك في النشاط العلني و«أركان النقاش» التي كانت تعقد في الجامعة، أو العمل السياسي المباشر. وثمة مَن يقول إنه كان «رجل تنظيم»، بالإضافة إلى كونه طالباً جاداً ومجداً في التزامه الأكاديمي. ونقلت تقارير صحافية محلية أن موسى في تلك الفترة كان مواظباً على الوجود في «مسجد جامعة الخرطوم»، وهو مسجد عزيز على الإسلاميين السودانيين، ترعرع فيه نشاطهم الطلابي، بل والحزبي والسياسي، وكانوا يتوافدون للصلاة فيه من كل أنحاء الخرطوم، بمن في ذلك زعيمهم الراحل الدكتور حسن الترابي الذي كان يتردد عليه كثيراً.
وتوضح هذه التقارير أن موسى كان من كبار المعجبين بالترابي، لدرجة أنه كان يقلد طريقته في الحديث باللغتين العربية والإنجليزية، وأنه كان ملتزماً برياضة المشي التي كان يمارسها بصرامة، وفي الوقت نفسه كان يحتفظ بعلاقات جيدة مع زملائه الطلاب.

- حرب الجنوب
شارك موسى عقب تخرجه من الجامعة في الحرب الأهلية بجنوب السودان، ضمن كتائب «المجاهدين»، وخاض عدداً من المعارك. ووفق كلام أسامة توفيق: «التقيته هناك عندما كنت الآمر الفعلي للقوات التي كانت تقاتل في الجنوب». ولقد خسر موسى شقيقه أبا ذر في المعركة الشهيرة التي تعد من كبريات معارك الإسلاميين ضد التمرد الذي كانت تقوده «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة الراحل جون قرنق، وهي معركة «الميل 40». وبعد ذلك، أتاح له تخرّجه بالتزامن مع انقلاب الإسلاميين التقلّب في الوظائف؛ ذلك أنه في أعقاب التخرّج مباشرة عمل في «المركز القومي للإنتاج الإعلامي»، وهو المكان الذي تولى صناعة الدعاية الحربية، أو ما اصطلح الإسلاميون على تسميته «الجهاد».
ثم بعد العمل في «المركز القومي للإنتاج الإعلامي»، التحق موسى بالسلك الدبلوماسي، بداية في رئاسة وزارة الخارجية (1992 - 1994)، بوظيفة سكرتير ثالث، ثم ابتُعث قنصلاً إلى سفارة السودان في بون، عاصمة جمهورية ألمانيا الاتحادية (1994 - 1998). وبعيد عودته من ألمانيا، استعان به وزير الكهرباء والسدود في حينه، أسامة عبد الله، وكان موسى أحد تلاميذه. وهناك، تنقل بين عدد من الإدارات، إلى أن تولى منصب مدير الإدارة العامة وتمويل المشروعات (1998 - 2013).
وفي عام 2013، كلف معتز موسى بحقيبة وزير الري والكهرباء، وهي الحقيبة الوزارية التي ظل محتفظاً بها حتى تعيينه رئيساً للوزارة. وتعتبر إدارة العملية التفاوضية على ملف النزاع الثلاثي على «سد النهضة» واحدة من أهم الملفات التي تولاها. ويرى خبراء متابعون أنه أسهم في تقريب الشقة بين المصريين والإثيوبيين، على الرغم من السخط المصري المعلن حول إدارة السودان لسد النهضة، باعتباره «مهادناً لإثيوبيا على حساب مصر».
غير أن مراقباً، طلب التكتم على اسمه، أفاد بأن موسى «كان يدير ملف التفاوض على سد النهضة من وجهة نظر التناقضات السياسية بين النظامين المصري والسوداني»، وأن إدارته للملف «كانت تستهدف الضغط على مصر للحصول على تنازلات، خصوصاً في النزاع على مثلث حلايب».
مناقب الرجل ومثالبه ظلت محل جدل بين مقرظ ومنتقد. وفي هذا، وصفه نائب رئيس الوزراء السابق مبارك المهدي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» قبل أشهر، بأنه من القلة النادرة التي كانت تدير ملفات وزاراتها بقدرات سياسية ومهارة تنفيذية عالية تؤهله لمنصبه. لكن مصدراً آخر قال للصحيفة: «إنه مطيع لرؤسائه، شديد على مرؤسيه، وهو سبب اختياره رئيساً للوزارة».

- منصب تشريفي
في أي حال، ومع تضارب الآراء بشأن شخص رئيس الوزراء السوداني الجديد، فإن رئيس تحرير صحيفة «التيار» المستقلة، عثمان ميرغني، بدا غير متفائل البتة، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «لا أعتقد أن بيد موسى ما يمكّنه من تغيير الأحوال، لأن منصب رئيس مجلس الوزراء منصب أقرب إلى المنصب التشريفي... ولا يعطي سلطات أصيلة لشاغله، والسلطة الأصيلة الوحيدة المتاحة له هي إدارة جلسات مجلس الوزراء»، وهذا باعتبار النظام الرئاسي السوداني يكرّس السلطة التنفيذية الفعلية بيد رئيس الجمهورية.
ووصف ميرغني الفترة المتبقية من عمر الدورة الرئاسية (400 يوم) بأنها قصيرة، تتخلها فترة الإعداد للانتخابات، التي ستكون فيها الحكومة شبه مشلولة، وهو ما لن يمكنه من تنفيذ أية برامج جديدة. لذلك، لن تتعدى هذه الفترة كونها فترة تكميلية للبرامج الموجودة. ويتابع: «والواقع أنه ليس هنالك برامج، بل هنالك أزمات! وفي مثل هذه الظروف، يصعب أن يكون هناك عمل يمكن أن يؤديه الرجل خلال هذه الفترة القصيرة».
ويشير ميرغني إلى «عوامل عرقلة إضافية» تواجه موسى، وتتمثل في ما سماه «الانشقاقات التي تجري بصمت أو بصخب داخل حزب المؤتمر الوطني، وحالة الاستقطاب داخله، بجانب القضايا الخارجية المحيطة بالسودان، التي تعتصره من زواياه جميعها، بما يشبه الحصار الاقتصادي إقليمياً ودولياً». ومن ثم، يقطع ميرغني بأن رئيس الوزراء الجديد «مهما كانت قدراته الشخصية، ومهما كان التعويل عليه، لا يملك سلطة أصيلة تمكنه من تنفيذ ما في ذهنه، لأنه محكوم بما هو موجود، والمطلوب منه تنفيذه فقط».
من جهة أخرى، ينقل المحلل السياسي محمد لطيف، مدير مؤسسة «طيبة برس»، عن موسى اعترافه بأن أمام وزارته جملة مهدِّدات سبق أن واجهت الوزارة السابقة، واعترافه أيضاً بهشاشة التشكيلة على أصعدة الإدارة والمتابعة والتقييم «ما جعل الناس تنظر للواقع بعدم ثقة، والمستقبل بشكوك كبيرة».
ويضيف لطيف، الذي تجمعه صلة مصاهرة بالرئيس البشير، وبالتالي رئيس الوزراء الجديد، أن معتز موسى أبلغه بأن المعالجة التي سيتبعها في إدارته للوزارة ستقوم على «تكريس مبدأ حسن الإدارة، وبوعي كامل ودراية بأي قضية من كل جوانبها، ووضع برنامج محدد الملامح والرؤى، وبإطار زمني للتنفيذ، وتوفير مقومات ومدخلات ذلك التنفيذ».
وختاماً، فإن السودانيين يأملون في أن ينتشل موسى النجاح من فك الصعاب، ويطعمهم المن والسلوى. إلا أنهم في المقابل يخشون أن يكون برنامج «علاج الصدمة» الذي أعلنه طامة كبرى جديدة تضاف إلى أزماتهم، ذلك أن تشكيل الوزارة التي أعلنت أخيراً، والطريقة التي أعلنت بها، دعمت الشكوك بأنه لن تقدم جديداً. وهذا ما ذكره محلل طلب إغفال اسمه، بقوله: «لو كنت مكانه، لتقدّمت على الفور باستقالتي. أظنها أمليت عليه لأن شخصاً غيره أعلنها، وليس من داخل مجلس الوزراء، بل من مباني الحزب الحاكم»!


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
TT

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية، رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات». وجاء تولي السياسي المتخصص في القانون، بعد أكثر من 3 أشهر من انتخابات مثيرة للجدل، دفعت البلاد إلى موجة احتجاجات دامية راح ضحيتها أكثر من 300 شخص حتى الآن، وفق تقديرات منظمات حقوقية محلية ودولية. وبالفعل استمرت الاحتجاجات حتى أثناء مراسم حفل التنصيب؛ إذ بينما كان تشابو (البالغ من العمر 48 سنة) يخطب أمام حشد متحمس من أنصاره في العاصمة مابوتو، كان مناصرو المعارضة يتظاهرون ضده على بعد أمتار قليلة، بعدما منعتهم قوات الأمن من الوصول إلى مكان الحفل.

بدأ الرئيس الموزمبيقي الجديد دانيال تشابو القسم وسط حشد من أنصاره، وكذلك على مقربة من مظاهرات رافضة نتيجة الانتخابات التي وضعته على رأس السلطة في المستعمرة البرتغالية الكبيرة التي يقترب عدد سكانها من 34 مليون نسمة، وتقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي بجنوب شرقي أفريقيا. ولقد نقلت وكالات الأنباء عن شهود عيان قولهم إن وسط العاصمة مابوتو كان شبه مهجور مع وجود كثيف للشرطة والجيش.

أما تشابو فقد قال في خطاب تنصيبه: «سمعنا أصواتكم قبل وأثناء الاحتجاجات، وسنستمر في الاستماع». وأقرَّ الرئيس الجديد بالحاجة إلى إنهاء حالة الاضطراب التي تهز البلاد، مضيفاً: «لا يمكن للوئام الاجتماعي أن ينتظر، لذلك بدأ الحوار بالفعل، ولن نرتاح حتى يكون لدينا بلد موحد ومتماسك».

والواقع أنه منذ إعلان المجلس الدستوري في موزمبيق، خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فوز تشابو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 65.17 في المائة من الأصوات، دخلت البلاد في موجة عنف جديدة، ولا سيما مع طعن فينانسيو موندلاني زعيم المعارضة الشعبوية اليمينية (الذي حلَّ ثانياً بحصوله على 24 في المائة من الأصوات) في صحة نتائجها، ودعوته للتظاهر، واستعادة ما سمَّاه «الحقيقة الانتخابية».

هذا، وتتهم المعارضة -ممثلةً بحزب «بوديموس» الشعبوي- حزب «فريليمو» الاستقلالي اليساري بتزوير الانتخابات، وهي تهمة ينفيها «فريليمو» الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1975. أما تشابو فقد بات الرئيس الخامس لموزمبيق منذ استقلالها. وكان في مقدمة حضور حفل تنصيبه الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، وزعيم غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو، بينما أرسلت عدة دول أخرى -بما في ذلك البرتغال- ممثلين عنها.

الخلفية والنشأة

ولد دانيال فرنسيسكو تشابو، يوم 6 يناير (كانون الثاني) 1977 في بلدة إينهامينغا، المركز الإداري لمنطقة شيرينغوما بوسط موزمبيق. وهو الابن السادس بين 10 أشقاء. وكان والده فرنسيسكو (متوفى) موظفاً في سكك حديد موزمبيق، بينما كانت والدته هيلينا دوس سانتوس عاملة منازل. وهو متزوّج من غويتا سليمان تشابو، ولديهما 3 أولاد، وهو يهوى كرة القدم وكرة السلة، ويتكلم اللغتين البرتغالية والإنجليزية بطلاقة.

النزاع المسلح الذي اندلع بين «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق) الاستقلالية اليسارية، ومنظمة «رينامو» اليمينية التي دعمها النظامان العنصريان السابقان بجنوب أفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حالياً) وبعض القوى الغربية، دفع عائلة تشابو إلى مغادرة إينهامينغا، ولذا أمضى دانيال تشابو طفولته في منطقة دوندو؛ حيث التحق بمدرسة «جوزينا ماشيل» الابتدائية، ومن ثم، تابع دراسته في دوندو، وبعد إنهاء تعليمه الثانوي عمل مذيعاً في راديو «ميرامار»؛ حيث قدم برنامجاً رياضياً بين عامي 1997 و1999.

بعدها، التحق تشابو بجامعة «إدواردو موندلاني» في العاصمة مابوتو، وتزامناً مع دراسته الجامعية عمل في تلفزيون «ميرامار»، وقدَّم برنامجاً باسم «أفوكس دو بوفو».

ثم في عام 2004 حصل على شهادته الجامعية في القانون، واجتاز دورة المحافظين وكتَّاب العدل في «مركز ماتولا للتدريب القانوني» في العام نفسه. وهكذا شكَّلت خلفيته الأكاديمية أساساً قوياً لمسيرته المهنية اللاحقة في الخدمة العامة والإدارة.

من القانون إلى السياسة

بدأ تشابو حياته المهنية عام 2005، في مكتب كتَّاب العدل بمدينة ناكالا بورتو، وواصل عمله هناك حتى عام 2009. كما عمل أستاذاً للقانون الدستوري والعلوم السياسية في الجامعة.

وفي عام 2009 انضم إلى حزب «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق)، وعُيِّن بسبب عمله ومشاركته السياسية في منصب إداري في مقاطعة ناكالا- آ- فيليا، ووفق موقعه الإلكتروني فإنه عمل خلال تلك الفترة على «خلق فرص عمل للشباب دون تمييز».

ضغط الأعمال الإدارية لم يمنع في الواقع تشابو من إكمال دراسته، وفعلاً التحق بجامعة موزمبيق الكاثوليكية للحصول على ماجستير التنمية عام 2014. كما حصل على تدريب في نقابة المحامين التي أوقف عضويته فيها طواعية بسبب عمله السياسي.

وعام 2015 عُيِّن تشابو مديراً لمقاطعة بالما؛ لكنه لم يمكث في المهمة طويلاً؛ لأن الرئيس السابق فيليبي غاستينيو نيوسي عيَّنه عام 2016 حاكماً لإينهامباني. وبعدها، في أبريل (نيسان) 2019 وافق البرلمان الموزمبيقي على حزمة تشريعية جعلت تعيين منصب حكام المقاطعات بالانتخاب، وكان تشابو على رأس قائمة «فريليمو» في إينهامباني، ليصبح أول حاكم منتخب للمحافظة التي ظل يحكمها حتى مايو (أيار) 2024.

دعم رئاسي

حظي دانيال تشابو بدعم قوي من الرئيس فيليبي نيوسي الذي شهد بكفاءته، وقال عنه: «مع أنه لم يبقَ في بالما سوى 6 أشهر، فإنه اكتسب تأييداً في هذا الجزء من البلاد، لدرجة أن قرار الرئيس بنقله إلى مقاطعة أخرى كان مثار تساؤلات عما إذا كانت بالما لا تستحق أن يحكمها شخص بكفاءة تشابو».

وخلال السنوات الثماني (2016 إلى 2024) التي أمضاها حاكماً لمحافظة إينهامباني، قاد تشابو المحافظة كي تغدو الأولى في البلاد التي تكمل تنفيذ البنوك في جميع المناطق، في إطار المبادرة الرئاسية «منطقة واحدة، بنك واحد».

وتشير وسائل إعلام محلية إلى أنه في عهد تشابو، وتحت قيادته، نظمت محافظة إينهامباني مؤتمرين دوليين للاستثمار، فضلاً عن منتديات لتنمية المناطق، ما حفَّز الاقتصاد المحلي، وقاد عجلة التنمية.

المسيرة الحزبية

مسيرة دانيال تشابو الحزبية والسياسية بدأت مبكراً؛ إذ شغل بين عامي 1995 و1996 منصب سكرتير منطقة في «منظمة الشباب الموزمبيقي» (OJM) في دوندو. ثم شغل بين عامي 1998 و1999 منصب أمين سر لجنة التثبيت بمجلس شباب المنطقة، إضافة إلى عضويته في «منظمة الشباب الموزمبيقي». وفي عام 2008 عُين مديراً للحملة الانتخابية للمرشح شالي إيسوفو، من «فريليمو»، في بلدية ناكالا بورتو، ويومها فاز الحزب بالانتخابات، وأطاح بالمعارضة.

بعدها، عام 2017، انتُخب دانيال تشابو عضواً في اللجنة المركزية لـ«فريليمو». وفي مايو 2024 اختارته اللجنة المركزية مرشحاً لـ«فريليمو» في الانتخابات الرئاسية. وهي الانتخابات التي فاز فيها أخيراً وسط اعتراضات المعارضة.

وبناءً عليه، يبدأ تشابو فترة رئاسته وسط تحدِّيات كبرى، وفي ظل مظاهرات واحتجاجات هي الأكبر ضد حزب «فريليمو». وراهناً تتصاعد المخاوف على استقرار موزمبيق، مع تعهد منافسه المعارض موندلاني (وهو مهندس زراعي يبلغ من العمر 50 سنة) باستمرار المظاهرات، قائلاً إن «دعوته للحوار قوبلت بالعنف».

وجدير بالذكر أن موندلاني كان قد عاد إلى موزمبيق من منفاه الاختياري، وسط ترحيب من أنصاره، يوم 9 يناير، وادَّعى أنه «غادر موزمبيق خوفاً على حياته، بعد مقتل اثنين من كبار أعضاء حزبه المعارض داخل سيارتهما على يد مسلحين مجهولين، في إطلاق نار خلال الليل في مابوتو، بعد الانتخابات».

في أي حال، يثير الوضع الحالي في موزمبيق مخاوف دولية، ولاحقاً أعرب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، عن قلقه. وقال في بيان: «نحن في غاية القلق بشأن التوترات المستمرة عقب الانتخابات في موزمبيق».

من ناحية ثانية، بصرف النظر عن الاحتجاجات التي أشعلتها الانتخابات الرئاسية، فإن تشابو يواجه تحديات عدة يتوجب عليه التعامل معها، على رأسها «التمرد» المستمر منذ 7 سنوات في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية الغنية بالنفط والغاز. وهذا إضافة إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية، واستغلال موارد الغاز الطبيعي، وإدارة تأثيرات التغير المناخي والكوارث الطبيعية التي أثرت على موزمبيق في السنوات الأخيرة.

وراثة الإرث الثقيل

لا شك، ثمة إرث ثقيل ورثه دانيال تشابو، ذلك أنه يقود بلداً مزَّقه الفساد والتحديات الاقتصادية العميقة، بما فيها ارتفاع معدلات البطالة والإضرابات عن العمل المتكرِّرة التي جعلت موزمبيق -رغم مواردها الكبيرة- واحدة من أفقر دول العالم، وفقاً للبنك الدولي.

الرئيس الجديد قال -صراحة- في خطاب تنصيبه الأربعاء الماضي: «لا يمكن لموزمبيق أن تظل رهينة للفساد والجمود والمحسوبية والنفاق وعدم الكفاءة والظلم». وأردف -وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس»- بأنه «لمن المؤلم أن كثيراً من مواطنينا ما زالوا ينامون من دون وجبة لائقة واحدة على الأقل».

وعليه، في مواجهة هذا الإرث الثقيل، تعهد بتقليص عدد الوزارات والمناصب الحكومية العليا. ورأى أن من شأن هذا التدبير توفير أكثر من 260 مليون دولار، سيعاد توجيهها لتحسين حياة الناس.

بالطبع فإن المعارضين والمشككين غير مقتنعين، ويقولون إنهم استمعوا كثيراً إلى النغمة نفسها تتكرَّر بلا تغيير يُذكر. بيد أن رئاسة تشابو تمثِّل اليوم فصلاً جديداً في تاريخ موزمبيق، أو «مفترق طرق»، حسب تعبير تشابو الذي قال في خطاب فوزه: «تقف موزمبيق عند مفترق طرق، وعلينا أن نختار طريق الوحدة والتقدم والسلام».