التدهور البيئي في لبنان يضاعف مرضى السرطان... ولأورام الثدي نصيب الثلث

عون وحمادة يتفقدان الامتحانات الرسمية للطلاب المصابين بالسرطان في مركز «سان جود» («الشرق الأوسط»)
عون وحمادة يتفقدان الامتحانات الرسمية للطلاب المصابين بالسرطان في مركز «سان جود» («الشرق الأوسط»)
TT

التدهور البيئي في لبنان يضاعف مرضى السرطان... ولأورام الثدي نصيب الثلث

عون وحمادة يتفقدان الامتحانات الرسمية للطلاب المصابين بالسرطان في مركز «سان جود» («الشرق الأوسط»)
عون وحمادة يتفقدان الامتحانات الرسمية للطلاب المصابين بالسرطان في مركز «سان جود» («الشرق الأوسط»)

«أنا حزين منذ فترة طويلة لكثرة المصابين بمرض السرطان في منطقتنا، لكن أن نقدم في يوم واحد العزاء لخمس عشرة عائلة من بينها ثلاث عشرة عائلة فقدت أحباء جراء داء السرطان الخبيث، فقد طفح الكيل».
بهذه الكلمات اختصر النائب السابق عن منطقة البقاع حسن يعقوب واقعا يعيشه لبنان منذ سنوات، تفاقم مؤخرا مع ازدياد كبير في عدد الوفيات جراء مرض السرطان. فمنذ العام 2005 وحتى العام 2016 زادت نسبة المصابين، بحسب وزير الصحة غسان حاصباني، 5.5 في المائة سنويا، وهو ما كان قد وصفه بـ«الأمر المخيف». وتصدّر لبنان لائحة دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وأفاد تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الصحة العالمية بأن هناك أكثر من 17 ألف إصابة جديدة في العام 2018، و242 مصاباً بالسرطان بين كل 100 ألف لبناني.
ويشير حاصباني إلى أن «تحديد الأرقام الجديدة للمصابين يتم تبعا لإحصاءات مرتبطة بالمتقدمين للعلاج والمسجلين في وزارة الصحة، ما يعني أن العدد الحقيقي أكبر»، باعتبار أن البعض لم يشخّص مرضه مثلا والبعض الآخر قد يرفض العلاج أو يريد العلاج خارج البلد. ويضيف حاصباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك 7000 مريض بالسرطان يعالجون على نفقة الوزارة، علما بأننا نقدم العلاجات الأكثر تطورا في العالم، فحتى في بريطانيا مثلا لا تغطي الدولة تكلفة علاجات مماثلة». ويوضح أن نسبة المصابين في لبنان تشابه تقريبا النسب المسجلة في دول أوروبا، لافتا إلى «إننا نتخطى المعدلات بقليل». أما عن أبرز الأسباب التي أدت لارتفاع عدد المرضى المسجلين، فيشير حاصباني إلى أن «الكشف المبكر ودقة الفحوصات سمحا باكتشاف المرض في مراحله الأولى، وهو تلقائيا ما زاد نسبة المسجلين، أضف أن التلوث وعوامل بيئية كثيرة، كحرق النفايات في الهواء الطلق واختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه الجوفية ومياه الري، من أبرز الأسباب التي تؤدي مع مرور الزمن لتفاقم المشكلة».
ونبهت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير أصدرته قبل فترة، من أن أزمة النفايات المستمرة في لبنان تُعرّض السكان لمخاطر صحية كبيرة. وأشارت إلى أنه رغم الاحتجاجات الداعية إلى إنهاء هذه الأزمة، يُحرق أكثر من 150 مكبا في الهواء الطلق في جميع أنحاء لبنان مرة في الأسبوع على الأقل، ما يُعرّض سكان المناطق المجاورة لمخاطر صحية، نتيجة التنشّق المستمر للدخان. ونقلت المنظمة عن أطباء، تأكيدهم أن الحرق يؤدي إلى أمراض تنفسية ويمكن أن يزيد خطورة الإصابة بالسرطان.
ولا تبدو المعطيات لدى مسؤول قسم العلاج الشعاعي في مستشفى «كليمنصو» في بيروت البروفسور نيكولا زوين، أفضل حالا، إذ يتحدث عن أن «معدل المصابين بالسرطان في لبنان قد تضاعف، بحيث بعدما كان يتم تسجيل 6000 إصابة جديدة سنويا، بتنا نسجل نحو 12 أو 13 ألف إصابة حديثة كل عام»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن في لبنان والعراق أكبر معدلات من المصابين في منطقة الشرق الأوسط. ويضيف: «هناك سببان رئيسيان للحالة التي نرزح تحتها، أولا ارتفاع نسبة المدخنين، وثانيا التلوث الناتج عن الحروب الطويلة الأمد التي شهدها لبنان والعراق، والتي تم خلالها استخدام أنواع كثيرة من الأسلحة والقذائف التي تبقى فترة طويلة تتحلل، أضف إلى تلوث المياه والهواء وغياب الإدارة الصحيحة للنفايات، فالبطاريات مثلا التي تحمل مواد مسرطنة ترمى في البحر أو تُطمر من دون معالجة».
ويلفت مستشار شؤون التخطيط في وزارة الصحة اللبنانية الدكتور بهيج عربيد، إلى أن السرطان الأكثر شيوعا في لبنان هو سرطان الثدي، موضحا أن 42 في المائة من نسب النساء المصابات بالسرطان يعالجن من سرطان الثدي الذي يشكل 30 في المائة من مجمل السرطانات في لبنان. ويقول عربيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة خصصت مبلغ 54 مليون دولار في العام 2016 لتقديم الدواء المجاني لمرضى السرطان الذين يُعالج 42 في المائة منهم على حساب الدولة اللبنانية.
ووفق الدكتور علي يعقوب، المتخصص في هندسة تكنولوجيا البيئة، فإن «تكلفة التدهور البيئي في لبنان تبلغ 600 مليون دولار سنويا أي ما نسبته 4 في المائة من الدخل القومي، ويؤثر هذا التدهور بشكل مباشر على ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان بحيث إن الخلية السرطانية الموجودة أصلا في جسم كل إنسان لا تنشط وتتفاعل إلا بناء على ما يتعرض له هذا الجسد من طعام، مياه وهواء، وهي كلها عناصر ملوثة في لبنان». ويضيف يعقوب لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعاني من أزمة نفايات منذ سنوات، أضف أنه يتم ري المزروعات بمياه الصرف الصحي. وعن تلوث الهواء حدّث ولا حرج، فعدد السيارات مثلا يفوق عدد السكان، كما أن الطامة الكبرى تكمن بغياب الجهات الرقابية التي يتوجب أن تضبط هذا الواقع».
ويتم في لبنان اعتماد 3 أنواع من العلاجات لمرض السرطان، وهي الجراحة، العلاج الكيميائي والعلاج الشعاعي. ويؤكد المعنيون أنه يتم اعتماد تقنيات متطورة جدا تؤدي لارتفاع نسبة الشفاء، وإن كانت كل هذه العلاجات تتطلب تكلفة باهظة جدا، لا تغطي الكثير منها الجهات المعنية، كما يؤكد البروفسور زوين، الذي يشير إلى أن «المؤسسات والوزارات التابعة للدولة لا تزال تعتمد على تقنيات يتجاوز عمرها العشرين سنة، وترفض تغطية تكاليف التقنيات الحديثة، وهو ما نعانيه حتى مع بعض شركات التأمين التي تريد أن تتبع سياسة مماثلة لسياسة الدولة في هذا المجال».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.