السينما العربية والأوسكار على موعد جديد

باتت أكثر حرصاً على دخول السباق

نادين لبكي خلال التصوير
نادين لبكي خلال التصوير
TT

السينما العربية والأوسكار على موعد جديد

نادين لبكي خلال التصوير
نادين لبكي خلال التصوير

كان من المتوقع، ومن الطبيعي، ترشيح فيلم نادين لبكي الجديد «كفرناحوم» إلى سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي، وهو الترشيح الذي أعلن عنه قبل ثلاثة أيام. هذا لسببين مهمّين أولهما أنه حظي بتكريم كبير عندما عرضه مهرجان «كان» السينمائي في مايو (أيار) الماضي، والآخر هو أن نصيب السينما اللبنانية من الأفلام التي تستحق الترشح لهذه المسابقة كان محدوداً جداً هذه السنة.
«كفرناحوم» له وعليه لكن ما له يطغى على ما عليه خصوصاً فيما يستولي على الاهتمام الأول. فيلم جيد التكوين من مشهد لآخر يعالج موضوعاً مثيراً للاهتمام ويدير شخصيات متباينة أبرزها الصبي الذي يبحث عن أم ذلك الطفل الذي تركته بجانبه ولم تعد.
في العام الماضي، حظي لبنان بترشيح رسمي بوصول فيلم زياد الدويري «الإهانة» (أو «القضية 23» إلى الترشيحات الرسمية. لم يفز، كذلك لم يفز - بعد - فيلم لبناني آخر. ربما آن الأوان ليخطف لبنان الأوسكار قريباً. يتوقف ذلك على طينة الأفلام التي سيتم ترشيحها رسمياً بعد خمسة أشهر من الآن.
- رجال ونساء
«كفرناحوم» ليس الفيلم العربي الوحيد الذي تم ترشيحه لهذه الجائزة (الجائزة الوحيدة المتاحة للأفلام الروائية غير الناطقة بالإنجليزية). هناك ستة أفلام من ست دول عربية أخرى أرسلت بما اعتبرته خيرة أفلامها إلى أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في لوس أنجليس.
هذه الأفلام هي «إلى آخر الزمان» لياسمين شويخ (الجزائر) و«يوم الدين» لأبو بكر شوقي (مصر) و«بيرن أوت» لنور الدين لخماري (المغرب) و«اصطياد أشباح» لرعد أنضوني (فلسطين) و«على كف عفريت» لكوثر بن هنية (تونس) و«الرحلة» لمحمد الدراجي (العراق).
هذا الرقم من الأفلام العربية المرشحة قد لا يعلو على الرقم المسجل في خانة العام الماضي، لكن لنلاحظ حرص السينما العربية المستمر لدخول هذا السباق المهم بالنظر لما كان الوضع عليه قبل عشر سنوات فقط.
للدور الثمانين من الأوسكار نجد أن نادين لبكي قدمت فيلمها الروائي الطويل الأول «سكر بنات» للترشيح الرسمي. كان الفيلم واحداً من ثلاثة أفلام طمحت للجائزة ذاتها. الآخران هما «في شقة مصر الجديدة» لمحمد خان (مصر) و«جاني غال» لجميل رستامي (العراق، وهو فيلم كردي).
لجانب ملاحظة الحرص المتزايد للسينما العربية للاشتراك في السباق الأوسكاري الكبير، لا بد من ملاحظة أن ثلاثة من أفلام هذا العام من إخراج نساء هي «على كف عفريت» لكوثر بن هنية و«إلى آخر الزمان» لياسمين شويخ و«كفرناحوم» لنادين لبكي.
والمواضيع المثارة في هذه الأفلام متباينة من حيث إن الفيلم الجزائري «إلى آخر الزمان» والفيلم التونسي «على كف عفريت» يتناولان موضوعين نسائيين. بطلة الفيلم الأول هي امرأة أربعينية قصدت قرية صغيرة لكي تزور قبر شقيقتها.
يقع المسؤول عن المقبرة في حبها لكنها تفوت الفرصة المتاحة لها، عبر هذا الحب، مما يدفعه لمغادرة القرية بأسرها. في الفيلم الثاني فإن بطلة الفيلم (المأخوذ عن واقعة حقيقية) شابة تونسية قام شرطيان باغتصابها ونراها تحاول إثبات ذلك في قسم البوليس ذاته. في المقابل، فيلم نادين لبكي يضطلع ببطولته صبي ولو أن المرأة لها حيز مهم فيه. لكن من بين الأفلام التي أخرجها رجال يتعاطى «الرحلة» مع مصير فتاة ربطت حزاماً ناسفاً بأمر من الجهة التي تعمل لها وتوجهت إلى محطة القطار في بغداد. يحيك المخرج محمد الدراجي حكايته بعامل من التشويق يفتر في النهاية ويتحول إلى رسالة تلامس المذهبية.
- تاريخ العرب
وهناك رحلة أخرى في صميم فيلم «يوم الدين» لأبو بكر شرقاوي. هذا الفيلم المصري الذي شارك «كفرناحوم» الوجود في مهرجان «كان» الأخير يدور حول رجل مصاب بالجذام يريد الرحيل إلى القرية التي وُلد فيها. وسيلته عربة يجرها حمار ورفيقه صبي. ينصرف المخرج عن السياسة قولاً وفعلاً من دون أن تنصرف السياسة عنه. فالفيلم بحد ذاته يدور حول وضع لمعوزين من أدنى مستويات التهميش وهذا بحد ذاته نقد لوضع في بلد لا يزال يحاول معالجة مشكلاته المتكاثرة.
الاهتمامات الأخرى مختلفة. في فيلم نوري الدين الخماري «بورن أوت» (العنوان بالإنجليزية هو Burnout يعني «انطفاء» وكتابته بالعربية يجب أن تكون بيرن أوت وليس بورن أوت لكن…) نتابع حكايات متصلة ببعضها بعضا بخيوط قليلة وعن قصد. فيلم جيد النيات محدود الإنجازات حققه الخماري كثالث ثلاثية بعد «كازانيغرا» سنة 2008 و«زيرو» (2012). البطولة مشتركة بين الجنسين والحكايات تقصد نكش حالات عاطفية واجتماعية نقدية للظرف الاجتماعي المغربي الحاضر.
الفيلم الفلسطيني «اصطياد أشباح» لرائد أنضوني هو أكثر الأفلام المتنافسة في هذه المرحلة تميّزاً. جمع بين الروائي والتسجيلي على نحو يستمد الأول فيه معالجته من الثاني. كما هو متوقع، فيلم بمضمون سياسي مهم حول معاملة السجناء الفلسطينيين في إسرائيل والذكريات التي حملوها حين خرجوا من زنزاناتهم.
إذن هي في معظمها أفلام جيدة وبعضها متميز فعلاً، لكن أغلبها يحمل الطموح في أن تلعب جودته دورها في رفع حظوظ الفيلم ليدخل الترشيحات الرئيسية. الموضوعات المطروحة، على أهمية كل موضوع، ليست العامل الوحيد الذي يمكن الاستناد إليه في هذا الصدد. كذلك ليس التنفيذ الجيد على أهميّته. هناك أيضاً قدرة (أو لا قدرة) الفيلم الواحد على تجاوز الهم المحلي برفع ذلك المطروح إلى مستوى يمكن للجميع المشاركة في استقباله وتقييمه.
في هذا الشأن فإن «كفرناحوم» يبدو الأكثر احتمالاً بدخول الترشيحات الرسمية من سواه. وإذا فعل فستكون هي المرة الرابعة عشرة التي يبعث فيها لبنان فيلماً يمثله.
الدول الأخرى في نطاق تعداد المحاولات:
الجزائر: 19 مرّة، 5 ترشيحات رسمية وفوز واحد (فيلم كوستا - غافراس «زد» الذي حظي بتمويل جزائري).
مصر: تقدمت بـ32 فيلماً ولم يرشح لها رسمياً أي عمل، بالتالي لم تفز بعد بأي أوسكار.
العراق: تقدم بثمانية أفلام ولم يرشح أو يفز رسمياً بعد.
تونس: تقدمت 4 مرات والنتيجة صفر.
فلسطين كان لها حظ أفضل: تقدمت بعشرة أفلام ودخل الترشيحات الرسمية فيلمان لها (هما فيلما هاني أبو أسعد «الجنة الآن» و«عمر») لكنها لم تفز بعد بالأوسكار.
أما المغرب فتقدمت لهذه المسابقة 13 مرة وخرجت بنتيجة مشابهة لتونس.
ربما في يوم قريب ستتحقق المعجزة ونشاهد عربياً يقف على المنصة رافعاً يده بأهم ذهبيات الجوائز العالمية.


مقالات ذات صلة

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

شؤون إقليمية الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

يتناول الفيلم تأثير فساد نتنياهو على قراراته السياسية والاستراتيجية، بما في ذلك من تخريب عملية السلام، والمساس بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
TT

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)

‫ISRAEL PALESTINE ON SWEDISH TV 1958-1989 ★ ★ ☆‬

تاريخ القضية الفلسطينية على الشاشة السويدية

حسب المخرج السويدي غوران أوغو أولسن فإن هذا الفيلم استغرق 5 سنوات قبل إتمامه. 200 دقيقة من أرشيف التلفزيون السويدي الذي تابع الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ وثيقة هرتزل وتأييد بريطانيا لها حتى عام 1989 الذي كانت القضية ما زالت تبرح مكانها ما بين نازحين فلسطينيين وسُلطة إسرائيلية حاكمة.

يعرض المخرج مراحل مختلفة، بما فيها مرحلتا الحروب الصعبة التي خاضتها بعض الدول العربية، كما تلك العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيون في ميونيخ وسواها. هذه التغطية الموسّعة تشمل الدور الذي لعبه ياسر عرفات خلالها والمحاولات الجادة أحياناً لإيجاد حلٍّ ما لقضية شعبين. أحدهما نزح من قراه ومدنه والآخر نزح إليها واحتلها.

كثيرٌ ممّا يعرضه الفيلم مرّ، مثل تاريخ في الأفلام الوثائقية المنتجة في الغرب (وبعض ما أُنتج في سوريا والعراق والأردن ولبنان في السبعينات والثمانينات). لذلك ليس هناك جديدٌ يُضاف فعلياً إلّا لمن فاتته تلك الأفلام ويتطلّع إلى عمل يستعرضها كاملة. هذا هو الدور المُناط بالفيلم الذي يوفّر أسبابه.

نقطتا اهتمام هنا، الأولى أنه مؤلّف من وثائقَ استخرجها أولسن من أرشيف ضخم للتلفزيون السويدي (SVT) وانكبّ عليها فحصاً ومحصاً حتى ألَّف هذا الفيلم الذي يُعيد الاعتبار لنوعٍ من العمل الصّحافي والريبورتاجات التلفزيونية في تلك الفترة. الثانية أن الفيلم يقف على الحياد غالباً، لكنه لا يُخفي أحياناً تعاطفاً مع الفلسطينيين في مشاهد عدّة تحيط بما عانوه.

* عروض مهرجان ڤينيسيا.

DON’T MOVE ★ ★ ★‬

تشويق يسود رغم ثغرات حكايته

الطلب بعدم الحركة موجه إلى بطلة الفيلم (كيلسي أسبيل). شابة خطفها مجرم (فين ويتروك) وحقنها بما يشلّ حركتها. تستطيع أن ترى وترمش وبالكاد تحرّك أصابع يديها لكنها، في غالب أحداث الفيلم، حبيسة هذه التركيبة التي وضعها المخرجان برايان نيتو وآدم شيندلر بعناية وبإخراج جيدٍ إلى حدٍ مقبول.

كيلسي أسبيل في «لا تتحركي» (هامرستون ستديوز)

ينطلق الفيلم من لحظات حاسمة. تقف بطلته على حافة جبلٍ تفكّر بإلقاء نفسها بعدما فقدت ابنها الصبي. يُنقذها الرجل نفسه الذي يريد قتلها. بذلك، المرأة التي كادت أن تنتحر هي نفسها التي باتت تصارع من أجل بقائها حيّة.

يختفي من الفيلم التبرير المطلوب للطريقة التي يتّبعها القاتل للتخلص من ضحاياه. إذا كان سيقتلهن لماذا لا يفعل ذلك مباشرة؟ هناك مفارقات أخرى كانت تتطلّب سدّ ثغرات، واحدة منها، أن المرأة تنطق لأول مرّة منذ اختطافها بعد دقائق من اكتشاف شرطي للحالة المريبة. لم تستطع أن تنطق بالكلمة المأثورة «Help» حينها، لكنّها نطقت بعد دقائق قليلة وتكلّمت بلا عناء. لو نطقت بها في الوقت المناسب لما تغيّر المشهد لأن المجرم سيقتل الشرطي في جميع الأحوال، ولكان الفيلم استفاد من تبريرٍ أقوى لشكوك رجل الأمن.

* عروض منصّات.

ذكرياتي مليئة بالأشباح ★★

الحرب السورية في ذكريات الذين عانوا

يتبع هذا الفيلم التسجيلي السوري، من إخراج أنَس زواهري، سلسلة الأفلام التي تناولت الحرب، مثل «آخر رجال حلب» و«العودة إلى حمص» و«لأجل سما»، التي دارت في مرحلة ما عُرف بـ«ثورة الربيع» قبل أكثر من 15 سنة. يختلف عنها بأنه لا يتقرّب من الجماعات التي حاربت الحكومة ويشيد بها، لكنه - في الوقت نفسه - بعيدٌ عن أن يصفّق لنظام أو يشيد به.

«ذكرياتي مليئة بالأشباح» (ويند سينما)

إنه عبارة عن ذكريات عدد من المتحدّثين وحكاياتهم خلال الحرب التي دارت حول وفي مدينة حمص خلال تلك السنوات. يوفّر صور دمار الأحياء ومقابلات مع أصحاب تلك الذكريات وهم ينبشون في ماضٍ قريب وما يحمله من آلام نفسية وعاطفية على خلفية ذلك الدمار. يختار الفيلم أن نستمع لأصوات أصحاب الذكريات في حين تتولّى الكاميرا تصويرهم صامتين ينظرون إليها أو بعيداً عنها. هذا بالطبع لجانب صور الأحياء والمباني والشوارع التي لا تعجّ بالحياة كسابق عهدها.

معظم ما يسرده الفيلم من ذكريات لا يُضيف جديداً ولا ينبش عميقاً. هو وصف مؤلم لحالات يمكن تقدير مصادر أحزانها وأسبابها، لكن الإخراج يختار أن يمضي في خطٍ غير متصاعدٍ ولا يتجنّب تكرار السّرد بالوتيرة نفسها (ولو بذكريات مختلفة). طبعاً لا يتوخّى المرء فيلماً يسرد ما هو حزين ومؤلم بفرح وغبطة أم بإثارة، لكن اعتماد توالي تلك الذكريات يؤدّي بعد سماعها إلى استقبالٍ يبدأ مثيراً للفضول وينتهي فاتراً.

* عروض مهرجان الجونة‫‫

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز