مئات اللوحات من حول العالم في الدورة الأولى لأيام قرطاج للفن المعاصر

مشاركة 400 فنان قدموا إلى تونس من دول عربية وأجنبية

مشهد من التحضيرات لأيام الفن المعاصر («الشرق الأوسط»)
مشهد من التحضيرات لأيام الفن المعاصر («الشرق الأوسط»)
TT

مئات اللوحات من حول العالم في الدورة الأولى لأيام قرطاج للفن المعاصر

مشهد من التحضيرات لأيام الفن المعاصر («الشرق الأوسط»)
مشهد من التحضيرات لأيام الفن المعاصر («الشرق الأوسط»)

ازدحمت الطريق المؤدية إلى مقر مدينة الثقافة وسط العاصمة التونسية بمناسبة الدورة الأولى لأيام قرطاج للفن المعاصر التي تشهد عرض نحو 700 لوحة فنية ومشاركة نحو 400 فنان تشكيلي قدموا إلى تونس من الجزائر والمغرب وسوريا والأردن وقطر وعمان وليبيا وموريتانيا والكويت وفلسطين وتركيا والنمسا وفرنسا والسويد وبريطانيا وبلجيكا.
وشهدت مدينة الثقافة التي تحتضن هذه الأيام إلى غاية 23 من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، توافد مهنيين وخبراء ونقاد ورعاة الفن وصحافيين ومؤرخين وأصحاب الأروقة الأجنبية، لتمثل هذه الأيام محطة هامة للفن المعاصر بكافة توجهاته وكل مدارسه.
وفي هذا الشأن، أكدت التونسية فاتن شوبة مديرة الدورة أن المعرض قد وفر جناحا خاصا لفائدة وزارة الشؤون الثقافية التي ستكرم مجموعة من الفنانين التشكيليين التونسيين وتعرض مجموعة من اللوحات الفنية المقتناة من قبل الوزارة، إضافة إلى جناح خاص بالمبدعين الشبان وثلاثة أجنحة للهياكل المهنية، وهي اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين والرابطة التونسية للفنون التشكيلية ونقابة الفنانين التشكيليين، بما يجعل مشاركة الفنانين التشكيليين التونسيين مهمة للغاية خلال هذه الأيام على حد قولها. وأشارت إلى أن هذه التظاهرة تهدف إلى الترويج في دورتها الأولى وللفنانين التونسيين المشهورين أو المبتدئين.
وتنفتح الأيام في دورتها الأولى على عدد من الأروقة الفنية في العاصمة وأحوازها، منها رواق «ألكسندر روبتزوف» بالمرسى، ورواق المدينة، ورواق الفنون ببن عروس ورواق دار الثقافة المغاربية ابن خلدون، ورواق السعدي بقرطاج ورواق عين بقرطاج.
وخصصت الهيئة التنظيمية لأيام قرطاج للفن المعاصر جناحا خاصا بالفنانين في عدد من الجهات التونسية، وتضم قائمة المشاركات مدن الحمامات والرديف والقيروان وقرقنة وسليانة. وعلى هامش هذه الأيام، ستنظم ندوة فكرية أولى بعنوان «السوق العالمي للفن: الأنظمة والآليات»، وندوة ثانية بعنوان «الفن المعاصر من المحلي إلى العالمي»، ورصدت وزارة الثقافة التونسية ثلاث جوائز مالية لأفضل مشروع فني جهوي وجائزة النقد الفني (أفضل مقال للنقاد الشبان)، وكذلك جائزة أفضل مشروع فني للمبدعين الشبان.
وكانت وزارة الثقافة التونسية قد نقلت أكثر من ألف عمل فني تونسي كانت مخبأة في مصلحة الترميم والصيانة بقصر السعيد (غربي العاصمة)، وذلك بغرض تهيئتها للعرض خلال هذه الأيام، ومن المنتظر عرض العشرات منها خلال هذه التظاهرة الفنية الكبرى التي تنظمها تونس.



معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

في الجزء الأول من مجموعة أحمد مناويشي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».