عالم الديجيتال واقع العصر الجديد

لم تحلم ستيفاني فير بدخول عالم الموضة، ومع ذلك دخلته من أوسع الأبواب لتصبح واحدة من أكثر المؤثرات فيه. فقد خلفت هذا العام ناتالي ماسيني في رئاسة مجلس منظمة الموضة إلى جانب حفاظها على دورها رئيس قسم الاستراتيجيات في «فارفيتش» وشركات أخرى.
تخرجت ستيفاني من قسم الفلسفة والسياسة والاقتصاد من جامعة أكسفورد في عام 1999، ثم مارست الصحافة في نيويورك بمحض الصدفة. كانت الفكرة أن تتدرب لبضعة أشهر فقط، لتعود بعدها إلى مسقط رأسها، إلا أن الأشهر تحولت إلى سنوات إلى حد جعل الكل يعتقد أن الموضة قد استهوتها كلياً. في نيويورك، عملت في وكالة علاقات عامة ثم مع دار «إيسي مياكي» كما مع مجلة «فوغ». كان بإمكانها أن تبقى في المجلة للأبد، لكنها قضت فيها ثلاث سنوات فقط، عادت بعدها إلى لندن في عام 2008. سبب العودة كان الزواج من جهة، والمساعدة في إطلاق موقع «نيت أبورتيه» الشهير مع ناتالي ماسيني، ثم موقع «ذي آوتنيت». لا تُخفي أن ميولها ليست صحافية، فهي تميل إلى جانب إدارة الأعمال أكثر. وطبعاً كأصغر من يتولى رئاسة مجلس منظمة الموضة البريطانية حتى الآن (39 عاماً فقط)، إضافة إلى أنها برهنت على نجاحها في إدارة الأعمال والتكنولوجيا، فإن الآمال معقودة عليها لتأخذ أسبوع لندن للموضة إلى مرحلة جديدة تحفظ له مكانته العالمية، خصوصاً في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. فصناعة الموضة البريطانية تمر بفترة حرجة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد؛ الأمر الذي سيترتب عليه تحديات كثيرة بحكم أن أغلب المصممين من جنسيات مختلفة. عن هذه التحديات والتغيرات والآمال، كانت لنا هذه الدردشة الجانبية مع ستيفاني فير خلال أسبوع لندن، وكانت هذه الحصيلة:
- بدايةً، أنا في غاية السعادة بالتحاقي بمنظمة الموضة البريطانية. فهذا يعني أني سأعمل مع شخصيات مُلهمة بكل المقاييس. ولا أخفيك أن من بين أهدافي أن أضع بصمتي وأخلف إرثاً يوازي ذلك الذي خلفته ناتالي ماسيني، التي ترأست المنظمة لخمس سنوات. هذه الفترة مثيرة جداً، بالنظر إلى التغيرات الكثيرة التي تشهدها صناعة الموضة. ربما هي تدعو للقلق، لكني اعتبرها أيضاً فرصة إذا اقتنصناها جيداً يمكن أن تؤدي إلى النجاح. أنا أيضاً متحمسة جداً أن أسلط الضوء على أن الأسبوع لا يعني الابتكار فحسب، بل أيضاً قصصاً أبطالها رجال أعمال ناجحون كان لهم دور في جعل لندن مركزاً تجارياً عالمياً.
- التكهن بتأثيرات الـ«بريكست» على الأسبوع وعلى مصممينا صعب. وقد شاركنا خلال السنة والنصف الماضية، في ندوات عدة، كما قدمنا دراسات عدة تتمحور حول تأثير خروجنا من الاتحاد الأوروبي على صناعة الموضة، وعقدنا جلسات وافية مع المصممين المبتدئين والمخضرمين على حد سواء لسماع آرائهم ومخاوفهم. وخرجنا بثلاث نقاط مهمة تتلخص في جذب والحفاظ على الشباب المبدعين، والوصول بسهولة إلى الاتحاد الأوروبي، وأخيراً وليس آخراً التخفيف من الضرائب الجمركية. بالطبع، نحتاج إلى دعم الحكومة حتى نضمن نمو هذا القطاع وتخفيف الضربة على المصممين. فهمنا الأول هو حماية المبدعين، والتأكد من أن الشباب من كل أنحاء العالم، لهم الحق في الدراسة والتعليم في معاهد بريطانية؛ لأن هذا التنوع هو الذي يعطي لندن شخصيتها وديناميكيتها.
- تجربتي في «فارفيتش» مهمة؛ لهذا أنوي أن أطبق الكثير مما تعلمته بنظرة جديدة ودون أي توقعات مسبقة. صحيح أن تحقيق المعادلة بين الدورين صعب يحتاج إلى الكثير من التنظيم واستغلال الوقت جيداً، لكنه ليس مستحيلاً.
- مهمتي كرئيسة منظمة الموضة تتضمن توفير الخبرة من خلال استراتيجيات جديدة، فضلاً عن دعم مجلس الإدارة والمساهمين والمصممين. فصناعة الموضة البريطانية قوية ولها تأثيرات كبيرة على جميع المستويات، بدليل أن آخر الأرقام تؤكد أنها تضخ الاقتصاد البريطاني بنحو 32 مليار جنيه إسترليني سنوياً، وتوفر ما لا يقل عن 900.000 وظيفة. لهذا؛ مهم جداً أن تتكاثف كل الجهود لكي نحافظ على هذا النمو بالاحتفال بالابتكار؛ لأنه كان دائماً جزءاً لا يتجزأ من شخصية الأسبوع البريطاني.
- لا يمكننا أن نحتفل بمواهب مصممينا وقدرتهم على الإبداع بالكلام والتهليل ونحن نعرف أن بعضهم يعاني من عدم قدرته على بناء اسم متماسك يجمع الإبداع بإدارة الأعمال. مهمتي أن أدعم هؤلاء من الألف إلى الياء، أي منذ أول عرض لهم إلى وضعهم حجر الأساس لبناء شركاتهم وتحليقهم إلى العالمية. فنحن لا نفتقد إلى العقول القادرة على المساعدة، ولا على المواهب التي تجعل اسم الأسبوع قادراً على خوض المنافسة باقتدار على مستوى الابتكار.
- في عالم تسارعت إيقاعاته بشكل غير مسبوق بسبب شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت وغيرها، كان لا بد للموضة أن تواكب هذا الإيقاع، وأعتقد أنها حققت ذلك. عالم الديجيتال ساعد الكثير من المصممين للوصول إلى بقاع لم يكونوا ليصلوا إليها من دونها؛ لهذا نؤمن بأنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من صناعة الموضة. إنه واقع العصر الجديد. وأعتقد أن منظمة الموضة حتى قبل التحاقي بها كانت سبّاقة في تبني التكنولوجيا وتوظيفها بشكل جيد. ففي عام 2000، دخلنا تحدي إدخال المستهلك إلى عالم عروض الأزياء. كان هذا مهماً للتعريف بالمصممين والتسويق لهم، سواء كانوا مبتدئين أو معروفين. فالوصول إلى جمهور عريض وجديد لا يضر بقدر ما يفيد، وهذا ما أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي. «البيع بعد العرض مباشرة» أيضاً كانت استراتيجية مهمة تصب في هذه الخانة، إضافة إلى البث المباشر لكل العروض على موقع منظمة الموضة، إضافة إلى تشجيع كل المصممين على بث عروضهم على مواقعهم الخاصة.
الأهمية هنا أن المتابع يشعر بأنه ضيف مكرم في هذه العروض، حتى وإن لم يحضرها شخصياً؛ الأمر الذي يُكسبهم ولاءات جديدة. بيوت أزياء كبيرة مثل «بيربري» و«توب شوب» وغيرهما تبنت هذه الموجة وأصبحت رائدة فيها، وهو ما يُثلج الصدر، ولا سيما أن ردود الأفعال إيجابية.
- ليس سراً أن المصممين الشباب يجدون صعوبة كبيرة في البداية. هذا ما نعرفه جيداً بحكم معايشتنا للكثير من التجارب؛ لهذا نحن عازمون على مساعدتهم على التطور من الناحية الفنية والتطوير من الناحية التجارية. أريد زيادة التوعية بأن الموضة لا تعني أن تكوني مصممة أو عارضة أزياء فحسب بل تتضمن ما هو أكثر، لأنها صناعة متكاملة. عندما نحقق هذه الغاية سنكون قد ساهمنا في بناء مستقبل جديد. المشكلة أن هذا يحتاج إلى الكثير من العمل الميداني، وليس التنظير فحسب. أنا بطبعي أحب أن ألمس النتائج، لهذا أركز أكثر على البرامج التي من شأنها أن تُعطي ثمارها. مثلاً بدأنا التعاون مع جامعة لندن للأعمال.
لكن بما أنها تصل إلى شريحة قليلة من المصممين، توصلنا إلى أننا نحتاج إلى عقول تجارية أكثر تساعد عدداً أكبر منهم. أي أن عليهم أن يتعاملوا مع رجال أعمال في مجال الموضة والترف ليستفيدوا من خبراتهم. في الإطار نفسه، يجب أن نُوعي المصممين بأهمية بناء فريق عمل متكامل يجمع الابتكار والأعمال؛ لضمان النجاح والاستمرارية.
- مكمن قوة منظمة الموضة البريطانية مقارنة بغيرها، أننا نؤمن بأنه علينا التطور مع التكنولوجيا، وبالسرعة نفسها. في عام 2017 مثلاً، عقدنا شراكة مع «ديجيتال دوماين» Digital Domain، وهو استوديو متخصص في توفير المحتوى، يركز على التجارب التفاعلية، لتحسين ما نوفره من محتوى، ومنح المصممين فرصة للتفاعل مع زبائنهم بشكل غير مسبوق في الوقت ذاته. وما زالت لدينا الكثير من الأفكار والمشروعات، مع «غوغل» قريباً مثلاً.
- أجمل ما في عملي هو تعاملي مع المساهمين ورجال الأعمال والمصممين في الوقت ذاته؛ لأنهم، ومن دون استثناء، يضعون خلافاتهم وطموحاتهم التجارية جانباً من أجل تحقيق هدف جماعي صاروا يرونه جزءاً من ثقافة المنظمة وله تأثيرات إيجابية كبيرة على صناعة الموضة التي ينتمون إليها. أما التحدي الذي وضعته لنفسي بعد أن توليت مهمتي الجديدة أن احتفل بالإنجازات التي حققها من كانوا قبلي وتطويرها لأكون أهلاً للانضمام إليهم.