قصر الإليزيه... رمز السلطة وقلبها في فرنسا

تعاقب عليه 25 رئيساً وبين جدرانه وقّع نابليون على صك التنازل عن العرش

الملك سعود في زيارة إلى قصر الإليزيه عام 1935 عندما كان ولي عهد السعودية (غيتي)
الملك سعود في زيارة إلى قصر الإليزيه عام 1935 عندما كان ولي عهد السعودية (غيتي)
TT

قصر الإليزيه... رمز السلطة وقلبها في فرنسا

الملك سعود في زيارة إلى قصر الإليزيه عام 1935 عندما كان ولي عهد السعودية (غيتي)
الملك سعود في زيارة إلى قصر الإليزيه عام 1935 عندما كان ولي عهد السعودية (غيتي)

في نسختها الـ35، حصدت «الأيام التراثية» التي تجري كل عام في فرنسا، نجاحاً لافتاً عكس رغبة المواطنين والسياح في التعرف عن كثب على القصور والمتاحف والمواقع المتميزة التي تفتح أبوابها استثنائياً ومجاناً أمام الجميع. 17 آلاف موقع زارها في يومين ما لا يقل عن 12 مليون شخص. لكن من بين هذه القصور والمواقع كافة يبرز القصر الرئاسي في باريس المعروف بقصر الإليزيه.
إنها مناسبة فريدة من نوعها في العام حيث لا يعود القصر حكراً على الرئيس والحكومة وكبار المدعوين بل إنه لعامة الشعب. وعاماً بعد عام، تطول صفوف المنتظرين في شارع فوبورغ سان هونوريه، في الدائرة الثامنة من باريس. وخلال اليومين الماضيين، وفي ساعات الذروة، كان على المرء أن يتحلى بكثير من الصبر وينظر 7 - 8 ساعات قبل أن تدوس رجلاه باحة القصر ويدلف إلى قاعاته وصالوناته العابقة بعطر التاريخ. 20 ألف زائر في يومين؛ إنه رقم قياسي.
إنها زيارة «استثنائية» لموقع السلطة الأول في فرنسا. ولأن الرئيس إيمانويل ماكرون وعقيلته بريجيت يريدان أن يتميزا عمن سبقهما إلى المكان، فقد فاجآ أكثر من مرة «ضيوفهما» الكثر ونزلا إلى باحة القصر أو إلى حديقته من أجل «دردشة» مع الزائرين، حلقات تلتف حولهما. إنها لحظة «السيلفي».
الأجهزة التلفونية متأهبة وماكرون مبتسم وزوجته تنظر بعطف ومحبة إلى هؤلاء المتدافعين لتحيتها. جديدُ هذا العام أن زيارة القصر شاملة ولا تُستثنى منها سوى الشقة الشخصية للرئيس وزوجته. الطابق الأرضي الواسع بمدخله الفخم وقاعاته المزخرفة، الصالونات المتواصلة، الدرج الرخامي والحديقة الرائعة وخصوصا الهدوء الذي يخيم على المكان رغم أن القصر واقع في قلب باريس. وجديد هذا العام أن مطابخ القصر والقبو ومشغل الزهور وأجنحة أخرى فتحت أمام الزوار المتدافعين والسعداء بالإستفادة من مناسبة لا تتكرر إلا مرة في العام. والجديد الآخر أيضاً أن الزيارة تتم بمعية ماكرون ولكن عبر الأجهزة السمعية التي ترافق الزائر وتقدم له الشروحات التاريخية والفنية.
ولاكتمال الصورة تتعين الإشارة إلى أن ساحة الإليزيه تحولت إلى «سوق» تباع فيها، كما في الأماكن السياحية «التذكارات»: صورة ماكرون من هنا، وكوب من هناك، وحقيبة وألبسة خفيفة من هنالك... أما «الغلة» فهي لتجديد القصر، وتأتي في سياق الحملة الوطنية التي أُطلقت في فرنسا لجمع الأموال لترميم القصور والمواقع الأثرية التي تحتاج إلى الكثير من الأموال. ولهذا الغرض، أطلق يانصيب خُصص ريعه للصندوق الذي أنشئ لأغراض الترميم.
لقصر الإليزيه قصة هي جزء من تاريخ فرنسا. لقد شهد خلال القرون الثلاثة التي انقضت على إنشائه أحداثاً شكّلت انعطافة في تاريخ فرنسا.
يعود الفضل في تشييد قصر الإليزيه الذي يستمد اسمه من الجادة التي يطل عليها إلى «كونت أيفرو» الذي اختار الموقع القائم وقتها خارج أسوار باريس. ودامت أشغال البناء والتزيين من عام 1718 إلى عام 1722، ومنذ ذلك التاريخ تعاقَب الكثيرون من كبار المملكة الفرنسية على القصر، وكانت أشهرهم عشيقة لويس الخامس عشر الماركيزة دو بومبادور التي ورّثته للملك عند وفاتها.
وإبان عهد لويس السادس عشر الذي أرسلته الثورة الفرنسية إلى المقصلة مع الملكة ماري أنطوانيت، تحوّل الإليزيه إلى «قصر ضيافة» لكبار الضيوف الذين يزورون فرنسا رسمياً. وبعد أن تداول القصرَ العديدُ من الأيدي، انتقلت ملكيته في عام 1805 إلى المارشال يواكيم مورا، أحد كبار مارشالات الإمبراطور نابليون بونابرت وفي الوقت عينه صهره لأنه تزوج أخته كارولين. وبعد أن عمد مورا إلى تحديث القصر وتزيينه وتوسعته، اضطر لاحقاً إلى التنازل عنه وعن كل أملاكه في فرنسا للإمبراطور نابليون ملكاً على نابولي الإيطالية. وأقام نابليون في الإليزيه للمرة الأولى في مارس (آذار) من عام 1809 قبل أن يمنحه للإمبراطورة جوزفين زوجته عقب طلاقهما، ثم استعاده في عام 1812.
شهد قصر الإليزيه الساعات الأخيرة من عمر الإمبراطورية الفرنسية التي انهارت مع خسارة نابليون لمعركة واترلو الشهيرة عام 1815، وفي هذا القصر وتحديداً في «الصالون الفضي» الذي ما زال موجوداً كما كان وقتها حتى اليوم، وقّع الإمبراطور على صك التنازل عن العرش وترك باريس باتجاه غرب فرنسا ومنها إلى بريطانيا التي نفته إلى جزيرة سانت هيلين الواقعة في المحيط الأطلسي الجنوبي حيث توفي في 5 مايو (أيار) من عام 1821، ومن سخريات التاريخ أن الإليزيه تحول إلى مقر إقامة إمبراطور روسيا ألكسندر عقب احتلال باريس وبعده أقام فيه دوق ولينغتون الإنجليزي، أشهر أعداء بونابرت الذي كان له الفضل في هزيمته في واترلو.
لأول مرة في تاريخ القصر، وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1848، يسمى المكان «قصر الإليزيه الوطني، مقر إقامة رئيس الجمهورية» وذلك في عهد الجمهورية الثانية التي ماتت تحت ضربات لويس نابليون، ابن أخي الإمبراطور نابليون الأول الذي أقام فيه رئيساً للجمهورية قبل أن يقوم بانقلاب في عام 1851 ويتحول لاحقاً إلى إمبراطور نابليون الثالث.
وعمد الأمير لويس نابليون إلى تجديد القصر واستدعى لذلك المهندس المعماري الشهير جوزيف أوجين لاكروا. والقصر الحالي هو ما تركه لاكروا الذي انتهى من أشغال التجديد والتزيين في عام 1867، والزائر اليوم يشاهد إرث لاكروا.
وفي هذا العام، استضافت باريس «المعرض الدولي» وكانت صالونات الإليزيه مسرحاً للحفلات الباذخة بحضور الرؤوس المتوّجة في أوروبا. واستقبل نابليون بونابرت الثالث الإمبراطور الروسي ألكسندر الثالث، وسلطان تركيا عبد العزيز، وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف، وكثيرين غيرهم... لكن إمبراطور الفرنسيين لم يتمتع كثيراً بالإليزيه لأنه في عام 1870 خسر الحرب ضد بروسيا لا بل إنه وقع أسيراً. وبعد أن دُفعت فديته، انتقل للعيش في إنجلترا حيث توفي. وبعدها استعاد الإليزيه صفته الرسمية مقراً لإقامة رؤساء الجمهورية منذ الجمهورية الثالثة وحتى اليوم. لكنه أُغلق ما بين 1940 و1946 خلال الاحتلال الألماني لفرنسا. وبعد التحرير، استضاف الإليزيه 8 رؤساء جمهورية هم: الجنرال ديغول، وجورج بومبيدو (الذي مات فيه كما اثنين آخرين من سابقيه)، وجيسكار ديستان، وفرنسوا ميتران، وجاك شيراك، ونيكولا ساركوزي، وفرنسوا هولاند، وأخيراً إيمانويل ماكرون الذي أمضى فيه حتى الآن 16 شهراً. ومنذ الجمهورية الثالثة وحتى اليوم، تعاقب على الإليزيه 25 رئيساً، ولا شك أنه سيحتل لعقود طويلة الموقع الذي يحتله اليوم كرمز للسلطة المركزية في فرنسا.
ما يميز الإليزيه أنه في الوقت عينه، مقر إقامة الرئيس ومقر الرئاسة. وهو رمز السلطة وقلبها في فرنسا. فيه يستقبل الرئيس ضيوفه وفيه يُعقد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء. ويعمل في الإليزيه مئات الموظفين وهم مساعدو الرئيس المباشرون ومسؤولو الأقسام. ويخضع القصر الرئاسي الواقع في قلب المدينة وثمة شقق محيطة في الحي تطل عليه، لحراسة مشددة ليلاً ونهاراً.
تقدر قيمة الإليزيه بـ1.2 مليار يورو وفق تخمينات اختصاصيين في العقارات، وتبلغ الميزانية السنوية المخصصة له نحو 100 مليون يورو.
هذا المبلغ لا يشمل رواتب العشرات من كبار الموظفين الذين تتم «إعارتهم» للرئاسة بينما يتسلمون رواتبهم من وزاراتهم الأصلية. ويبلغ عدد الموظفين نحو 800 شخص لا يسعهم الجسم الرئيس للقصر، ولذا فإنهم يعملون في مبانٍ تابعة للرئاسة في الحي نفسه. ولكن ثمة أرقام تثير الدهشة، فمصمم الشعر الخاص للرئيس هولاند كان يحصل على راتب شهري يصل إلى نحو 10 آلاف يورو. وكانت الموظفة الخاصة بمكياج الرئيس ساركوزي تحصل على 8 آلاف يورو في الشهر. أما الرئاسة الحالية فقد أوصت على صحون وآنية قيمتها نصف مليون يورو لاستبدال ما هو متوافر اليوم. وإبان عهد شيراك، كانت كلفة الزهور تصل إلى 400 ألف يورو في العام. وتبلغ مساحة الشقة الخاصة بالرئيس وعقيلته في الطابق الأول 260 متراً مربعاً وتنقسم إلى 8 غرف منها 3 غرف للنوم وصالتان للطعام وصالون ومكتبة ومطبخ وتوابعها. إضافة إلى حديقة خاصة في الطابق الأرضي. ويصل إلى الإليزيه يومياً ما لا يقل عن ألف رسالة كلها تُمرَّر تحت أشعة للتأكد من سلامتها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.