اتصالات متقدمة لإستئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين تركيا وإسرائيل

احتمالات قوية لتبادل السفراء بين البلدين

TT

اتصالات متقدمة لإستئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين تركيا وإسرائيل

ذكرت مصادر دبلوماسية إسرائيلية، أن اتصالات سرية بلغت مرحلة متقدمة، تجري في كل من أنقرة وتل أبيب، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة. وتوقعت المصادر أن تكتمل هذه الاتصالات في غضون أسابيع، وتتوج بعودة السفيرين، كل إلى مكتبه.
وكشفت تلك المصادر أمس، الاثنين، أن تركيا وإسرائيل، تديران اتصالات سريّة لـ«تخفيض التوتّر» بينهما، والعودة بالعلاقة إلى «مستوياتها الطبيعيّة»، بعد أربعة أشهر من طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وسحب تركيا سفيرها من تل أبيب للتشاور، على خلفيّة الاعتداء الإسرائيلي الدموي على مسيرات العودة في قطاع غزة في ذكرى النكبة، منتصف شهر مايو (أيار) الماضي.
وحسب مصادر تركية وإسرائيليّة في تل أبيب، هناك احتمالات قوية بأن تستأنف الدولتان تبادل السّفراء بعد فترة الأعياد اليهوديّة، في نهاية الشهر الحالي، «إن لم تظهر مفاجآت أو أزمات في اللحظات الأخيرة».
ودلّلت هذه المصادر على أمرين: الأول هو قيام وزارة الخارجية الإسرائيليّة بنشر مناقصة لتعيين سفير إسرائيلي جديد في تركيا، والثاني تعيين ملحق تجاري تركي بالسفارة التركية في تل أبيب. ورجّحت المصادر أن تكون هنالك أسباب عدة للرغبة في تحسين العلاقات بين الجانبين، أبرزها الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركيّة، التي أثرت بشكل كبير على سعر الليرة التركيّة، ما دفع إردوغان إلى إزاحة الأزمة مع إسرائيل عن الطاولة، بالإضافة إلى اقتراب «الحرب الأهلية» في سوريا من نهايتها، وتلاقي المصالح الإسرائيلية والتركية في التعاطي مع مستقبل الدولة الجارة، ورغبتهما المشتركة في الحصول على غنائم سورية: إسرائيل في الجنوب، وتركيا في الشمال.
وقالت المصادر، إن من أهم علامات هذا التقدم، قيام تركيا بتعيين ملحق تجاري بسفارتها في تل أبيب، بعد أن شغر هذا المنصب في السنوات الثلاث الأخيرة. ويقوم هذا الملحق بنشاط متزايد لرفع مستوى العلاقات التجارية، علما بأن هذه العلاقات لم تتأثر بالأزمة السياسية بين البلدين؛ بل بالعكس، فقد ارتفعت إلى حد قياسي في السنوات الأخيرة. ووفقا لبيانات وزارة التجارة الإسرائيلية، فإن الميزان التجاري بين الدولتين أخذ يقترب من 5.5 مليار دولار في السنة الأخيرة.
ومن الملاحظ أن هذا الميزان كان يميل في السنوات الثلاث الأخيرة إلى مصلحة تركيا، بعد أن كان لمصلحة إسرائيل. ففي عام 2014 بلغ 5.5 مليار دولار، منها 2.7 مليار دولار صادرات تركية إلى إسرائيل، في حين بلغت وارداتها من إسرائيل 2.8 مليار دولار. أما في عام 2015، فبلغ الميزان التجاري بين الدولتين 4.1 مليار دولار، منها 2.4 مليار دولار صادرات تركية إلى إسرائيل، في حين بلغت وارداتها من إسرائيل 1.7 مليار دولار. ويعود سبب انخفاض الواردات التركية من إسرائيل إلى منع السلطات التركية الشركات الإسرائيلية في عام 2015، من المشاركة في المناقصات الحكومية. وفي عام 2016، انخفض الميزان التجاري بين الدولتين إلى 3.9 مليار دولار، إذ بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل 2.6 مليار دولار، في حين بلغت وارداتها من إسرائيل 1.3 مليار دولار. وفي عام 2017، بلغ الميزان التجاري بين الدولتين 4.3 مليار دولار، إذ بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل 2.9 مليار دولار، في حين بلغت وارداتها من إسرائيل 1.4 مليار دولار. ولكن في سنة 2018، بدأت تركيا تحرر القيود على الصادرات الإسرائيلية.
وقال وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس: «نحن نتعايش مع الرئيس التركي، على الرغم من أنه يعتبر نفسه قائد (الإخوان المسلمين) في العالم، ويحاول أنْ يقود العالم الإسلاميّ، ولكن التجارة التركيّة معنا بمبالغ كبيرة وخياليّة، لم تتأثر بذلك؛ بل على العكس، وشركات الطيران التركية أكبر شركات النقل الجوي من وإلى إسرائيل، وحجم التبادل التجاري ونقل البضائع عبر حيفا ازداد كثيراً حتى قبل عودة العلاقات».
وكانت العلاقات بين إسرائيل وتركيا قد توترت منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نهاية عام 2009، ووصلت ذروتها مع الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحريّة، الذي تسبب في مقتل 10 مواطنين أتراك، ما سبب قطيعة بين البلدين استمرّت حتى عام 2016، وجرت مصالحة بين الطرفين؛ لكن التوتر انفجر من جديد بعد مسيرة العودة في مارس (آذار) الماضي. وبعدما سحبت تركيا سفيرها من تل أبيب في مايو، وطردت السفير الإسرائيلي، كشف في تل أبيب عن خطة لحالة الطوارئ (سميت خطة «الدُرج»)، أعدها مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بهدف الحد من نفوذ تركيا وحظر أنشطة وفعاليات منظمات وجمعيات مقربة من الحكومة التركية في القدس الشرقية المحتلة، بالتزامن مع الدعوات الإسرائيلية للحد من النشاط التركي بالمدينة المحتلة وبساحات المسجد الأقصى. وتم اعتقال بعض الأتراك في إسرائيل.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم