المعركة ضد الإرهاب العالمي لا تزال مشتعلة

بعد 17 عاماً من هجمات سبتمبر

قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين
قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين
TT

المعركة ضد الإرهاب العالمي لا تزال مشتعلة

قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين
قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين

قبل سبع عشرة سنة هز الإرهاب الأسود أساسات الأمن والاستقرار العالميين، وذلك حين أقدم تنظيم القاعدة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وضرب بجنون نيويورك وواشنطن. والشاهد أنه منذ ذلك التاريخ اشتعلت الحرب ضد الإرهاب، سواء من قبل الولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص، أو من بقية دول العالم. ورغم أن واشنطن شنت حربين كبريين في أفغانستان والعراق، والكثير من العمليات السرية، ومع أن غالبية دول العالم قد بلورت خططا كثيرة للتحدي والتصدي، إلا أن طاعون القرن الحادي والعشرين، متمثلاً في العنف والقتل، بات متجاوزاً للأنساق التي عاشت في القرن الماضي، وتركت إرثاً سيئاً للذي يليه متخطيا الحدود.
هل يحق لنا والحال هذه التساؤل هل نجح العالم أم أخفق في مواجهة الإرهاب الصاعد والأصوليات الخبيثة في العقدين الماضيين؟
ليكن الجواب من خلال الحقائق الأحدث، وصولاً إلى التحليلات، وفي المقدمة من هذه وتلك ما نشره زعيم تنظيم القاعدة في الوقت الراهن أيمن الظواهري، على هامش ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، من تسجيل مصور، يحث فيه أتباعه ومناصريه على شن هجمات أخرى على الولايات المتحدة الأميركية.
التسجيل الذي بلغت مدته 23 دقيقه، حث فيه الظواهري على إعلان حرب شاملة على أميركا، وتدمير اقتصادها وجيوشها، وواصفاً إياها بأنها «العدو الأول للمسلمين»، وخلال كلمته عدد الظواهري (14) نقطة عن الطريقة التي تخوض بها أميركا حروبها، في محاولة لتشجيع أتباعه على شن هجمات أخرى على واشنطن، ومضيفاً: «إخواني المسلمين، المعركة ضد أميركا أصبحت حتمية، فهي تضعنا أمام خيارين: إما شرف المواجهة بضراوة، أو الذل وقبول العار، ولن نقبل بحياة الذل بعون الله».
لم يتم سحق أو محق «القاعدة» بعد سبع عشرة سنة من الحرب الأميركية على عناصر تنظيمها في أفغانستان، وبقية دول العالم، فلا يزال الظواهري يتحدث وإن أعوزته كاريزما الخطاب الذي كان لبن لادن، فيما يشير أحد محللي شؤون الأمن القومي الأميركي «بيتر بيرغن»، والذي ينظر إليه كمرجعية في مطاردة الإرهاب، إلا أن «حمزة بن لادن»، في طريقه لأن يصبح زعيم الجيل القادم للقاعدة، ما يعني أن حلقات جديدة من الإرهاب في طريقها للظهور، ما يجعل العالم أقل أمناً وأماناً.
من رحم القاعدة المؤدلجة، خرج تنظيم أكثر توحشاً، في أعماله وأوسع رؤية في أهدافه، فكان تنظيم داعش، ورغم الهزائم الساحقة التي تعرض لها، إلا أنه في الأعم الأغلب، سيعود بشكل آخر... لماذا؟
هنا الكارثة وليست الحادثة، فلقد أصبح الإرهاب الجديد فكرة لها أجنحة تطير عبر وسائط الاتصال الحديثة، وتسخر التكنولوجيا المتقدمة لخدمتها، ولم يعد المشهد في حاجة لتراتبية تنظيمية، تستدعي إصدار بن لادن أوامره على سبيل المثال لخالد شيخ محمد، ومحمد عطا، لتنفيذ هجمات نيويورك وواشنطن.
نهار الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر الجاري كانت قناة «سي بي إس» الأميركية تستضيف مدير مكتب التحقيقات الاتحادية (إف بي آي) كريستوفر راي، والذي أقر بأن خطر الإرهاب أضحى يواجه العالم في كل مكان، ويمتد من الساحل إلى الساحل، ويخترق الكرة الأرضية من شرقها لغربها، ولم يعد مقتصراً على تهديد نيويورك فقط.
هل كان للحادي عشر من سبتمبر أن يتكرر من جديد خلال الأعوام الماضية؟ الثابت أنه كانت هناك محاولات دؤوبة ومستمرة من قبلي التنظيمات الإرهابية لتكرار الحدث، بل إن الخوف والرعب الأكثر هولا لدى الأجهزة الأمنية حول العالم، يتمثل في احتمالات حيازة تلك الجماعات أسلحة تدمير شاملة سواء نووية أو كيماوية، ورغم أن الكثير جداً من العمليات تم إبطالها إلا أن بعض المذابح البشرية، جرت بها المقادير، أميركياً، وأوروبياً، وعربياً.
وربما كان من الجائز أن يوقع الإرهاب ضحايا أكثر لولا الاكتشاف المسبق للكثير من العمليات الإرهابية، وإلقاء القبض على عدد وافر من الإرهابيين.
يشير كريستوفر راي، في حواره المتلفز المتقدم إلى أنه خلال العام الماضي وحده نفذ مكتب التحقيقات 120 حالة اعتقال تتعلق بالإرهاب، فضلاً عن إجراء الأجهزة الأمنية ما يقرب من خمسة آلاف تحقيق مع عدد من المتطرفين بينهم ألف من المواطنين المحليين.
لم يكن المشاهدون أميركياً وعالمياً يدرون بأن الحادي عشر من سبتمبر كاد أن يتكرر لسبب أو لآخر في الداخل الأميركي، فقد تم إحباط مخطط للهجوم على إحدى المناطق المكتظة بالأسواق في مدينة سان فرانسيسكو، بولاية كاليفورنيا، كان له أن يوقع عدة مئات من الضحايا، إضافة إلى مركز تسوق في مدينة ميامي السياحية بولاية فلوريدا.
أكثر من ذلك، فقد أدت يقظة الأجهزة الأمنية الأميركية إلى قطع الطريق على عمليات تجنيد وحشد كانت تقوم بها طالبة جامعية في ولاية مينيسوتا الأميركية، لحث زملائها في الصف الدراسي للالتحاق بتنظيم القاعدة، وحركة الشباب التي تتخذ من الصومال مقراً لها.
على أن القارعة التي يتحدث به الركبان هذه الأيام، هي الإرهاب الذي يمكن أن يضرب الفضاء السيبراني، ويوماً تلو الآخر تتكشف المجالات التي تعمل فيها الجماعات الإرهابية، عبر العالم الرقمي والإلكتروني، وبعيداً عن الوجوه المرئية، ما يعني إرهاب الأشباح، وهذا خطر أشد هولا، إذ يمكن للإرهابيين الولوج عبر الشبكات الإلكترونية والتلاعب بالبنى التحتية للدول، كشبكات الكهرباء والمياه، الطرق والمواصلات، الموانئ والمطارات، أما الكارثة فهي القدرة على اختراق الشبكات العسكرية، وقواعد الصواريخ، والمطارات الحربية، وأنظمة تسيير السفن والأساطيل، وجميعها اليوم باتت تتحكم فيها أجهزة استشعار لا سلكية وفضائية عن بعد.
هل يمكن القطع بأن إرهاب الحادي عشر من سبتمبر كان نسخة أولية غير مطورة عما هو حادث الآن حول العالم وبعد عقدين من الذكرى الأليمة تقريباً؟
الجواب يقتضي نظرة أكثر شمولية لكافة مناحي الحياة، والحقيقة تقتضي الإقرار بأن عقدين تغيرت فيهما أشكال الإرهاب المحتمل إلى الأخطر، في حين بقيت القوى المقاومة والمطاردة والولايات المتحدة الأميركية في مقدمها تتعامل مع الإرهاب والإرهابيين عبر المقاربات التقليدية، ومن دون إعادة قراءة للأسباب التي تدفع في طريق ارتكاب المزيد من الأعمال الإرهابية، وفي مقدمتها الخلط الواضح والفاضح بين ما هو ديني وما هو دنيوي... ماذا نعني بذلك الحديث؟
باختصار غير مخل يمكننا الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من أخطاء إدارة الرئيس الأميركي الأسبق «جورج ووكر بوش» في محاربته للإرهاب سيما بعد أحداث الثلاثاء الأسود، يعود إلى الخطاب السياسي والإعلامي الذي تناول به القضية، فعشية تلك الهجمات النكراء، كان بوش الابن يستحضر أشباحا وأرواحا لواحدة من أسوأ الحقب التاريخية بين الشرق والغرب التاريخي، وقبل أن تظهر القارة الأميركية على مسار الأحداث، حقبة الحروب الصليبية، وقد ذهب إلى تقسيم العالم تقسيماً مانوياً بين الذين معنا والذين علينا، أو دار السلم ودار الحرب.
كانت لغة خطاب بوش كارثية ولا شك، وربما زخمت العناصر المتطرفة والإرهابية بالمزيد من الوقود اللازم لإشعال الفتنة، وتعميق الشرخ الاجتماعي والديني، واستقطاب مزيد من العناصر التابعة للقاعدة في المستقبل.
لا ينكر المرء أن التاريخ لا يمكنه أن يكرر ذاته، لأنه لو فعل كما قال كارل ماركس لأضحى في المرة الأولى مأساة وفي الثانية ملهاة، لكن رغم ذلك فإن هناك بعض الأحداث تاريخياً تتشابه، ولا يتنبه للأمر إلا الذين يجيدون قراءة الأزمنة، ويحسنون مقاربات التاريخ.
جل القصد هنا الإشارة إلى بعض من الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تلك التي استهل بها رئاسته الأولى، عندما منع دخول مواطني عدة دول، هي في مجملها دول إسلامية، وذلك بحجة توفير المزيد من الأمن لمواطني أميركا، وكأنه يضرب سوراً حول البلاد والعباد، في حين أن الموازنة بين الأمن والحريات الشخصية لا تمضي على هذا النحو بالمرة، ما وفر فرصة خبيثة لأولئك المعروفين باسم «الذئاب المنفردة» لإحداث خسائر في الأرواح الأميركية، لم تكن أجهزة الدولة برمتها قادرة على منعها، انطلاقاً من أنه لا يمكن بحال من الأحوال التفتيش في النفوس والعقول، ومعرفة خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
قبل عشرة أيام من فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأميركية تحدث المرشح الديمقراطي باراك أوباما بالقول: «إن الولايات المتحدة الأميركية لن تنجح في هزيمة شبكات إرهابية تنشط في أكثر من ثمانين دولة عبر احتلالها العراق».
توقع العالم برمته أن أوباما القادم من بعيد، والذي يمثل «بوتقة الانصهار» الأميركية، سوف يقدر له أن يعيد الأمور إلى نصابها، وهو القريب فكرياً وأيديولوجيا من المجتمعات الشرقية والإسلامية، وقد استبشر الجميع به بالفعل.
لكن حصاد الحقل، كان مخالفاً طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً عن حساب البيدر، فخلال سنوات أوباما الثماني ربما عاشت جماعات الإسلام السياسي، والتي اعتبرت ولا تزال الحاضنة الأكبر والأهم لجماعات الإرهاب السياسي، أفضل أيام حياتها، وبعضها وصل مقاعد السلطة بدرجة أو أخرى من التواطؤ الأميركي المشبوه، لولا يقظة بعض شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب المصري الذي رفض إرهاب الإخوان المسلمين.
هل أخطأت الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، وباتت تلك الأخطاء مسارب تنفذ منها جماعات جديدة إرهابية تجعل نهار العالم قلقا وليله أرقا؟
يكاد المرء يقطع بأن الرئيس بوش الابن قد استعمل في هش الذباب، مطارق فولاذية تصلح لتفتيت الصخور، وفاته أن الإرهاب أفكار تطير عبر أجنحة الأثير.
ومن بوش الابن إلى ترمب، يمكن القطع والعهدة هنا على ورقة بحثية نشرتها مجلة الفورين بوليسي الأميركية ذائعة الصيت قبل فترة أشارت إلى أن العالم أصبح أقل أمناً عما كان عليه قبل عقدين من الزمن، بل إن 80 في المائة من الأميركيين باتوا يتوقعون هجمة قوية جديدة على بلادهم... ترى ما السبب؟
عند البروفسورة آن ماري، والتي شغلت من قبل عميدة جامعة برنستون الأميركية العريقة «إننا نخسر الحرب على الإرهاب لأننا نتعامل مع العرض وليس مع الأسباب الجوهرية وراء المرض».
هل شخصت السيدة آن ماري جزءا من الإشكالية الحقيقية التي تكسب مزيدا من الإرهابيين أرضاً واسعة لأعمال إرهابهم؟
لقد فعلت ذلك حين كشفت عن إصرار البعض في الداخل الأميركي إحلال الإسلام محل الشيوعية كعدو للغرب ما يغذي رؤية القاعدة و«داعش» وغيرهما، ومما يزيد من الدعم الذي يقدم لهما، ويدفع الكثيرين في نفس الوقت من خانة الاعتدال إلى خانة التطرف.
صوت أميركي آخر يوضح أن هناك عطبا كبيرا في مواجهة الإرهاب منذ ذلك الوقت المحزن، هو صوت آلان كوهين، الخبير الأميركي السابق في قسم مكافحة الاستخبارات الأجنبية، والذي يشير إلى أن مشروع الحرب على الإرهاب، على النحو الذي قادته بلاده منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن، كان مشروعاً فاسداً، ذلك أن شن الحرب على الإرهاب أشبه ما يكون بشن الحرب على الغضب، وأنت لا تشن الحرب على الإرهاب بل على البشر.
يمكننا أن نتساءل في نهاية هذه السطور هل مقاومة الإرهاب هي فعل عسكري فقط أم طرح عقلاني أحياناً يحتاج إلى دعم عملياتي على الأرض؟
أقرب الأجوبة للصواب أن مقاومة الإرهاب والقضاء عليه يتطلبان منظومة متكاملة، لا توجه لجانب على حساب الآخر فحسب، فالعمليات العسكرية ضد المتمردين والإرهابيين هي أعمال أساسية ولا بد منها لإطفاء الحرائق المشتعلة، لكن الانتصار في الحرب على الإرهاب، هو فعل طويل المدى، والانتصار في معركة الأفكار هو المهدد الأول والحقيقي للإرهاب في حاضرات أيامنا.
مجابهة أيديولوجيات الإرهاب والتطرف تحتاج إلى حلول تقدم على أسس وركائز عقلانية وإيمانية واجتماعية، وتسعى لإحقاق العدالة، وإنصاف المظلومين، وإغلاق الملفات البكائية التاريخية، وهذا جهد جهيد، وأول ما يتطلب نوايا صادقة، لا تلاعب على المتناقضات، أي تسخير تلك الجماعات لخدمة الأهداف الاستراتيجية الكبرى لدول بعينها تترقب اللحظة الحاسمة لبسط سيادتها على الأرض ومن فيها.
الشرق والغرب مدعوان هذه الأيام للتفكير خارج الصندوق في المحددات والمهددات التي تجعل من الحياة البشرية رؤية غير يقينية ومسيرة غير آمنة، ولهذا إن لم يتركا وراءهما سوية نظريات الصدام، ويسعيان لعهود من الوفاق الأممي، سيبقى الإرهاب وحشاً أسطورياً، خلف الباب متشوقاً لالتهام المزيد من الضحايا الأبرياء.


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».