المعركة ضد الإرهاب العالمي لا تزال مشتعلة

بعد 17 عاماً من هجمات سبتمبر

قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين
قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين
TT

المعركة ضد الإرهاب العالمي لا تزال مشتعلة

قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين
قبل 17 عاما هزت هجمات سبتمبر أساسات الأمن والاستقرار العالميين

قبل سبع عشرة سنة هز الإرهاب الأسود أساسات الأمن والاستقرار العالميين، وذلك حين أقدم تنظيم القاعدة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وضرب بجنون نيويورك وواشنطن. والشاهد أنه منذ ذلك التاريخ اشتعلت الحرب ضد الإرهاب، سواء من قبل الولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص، أو من بقية دول العالم. ورغم أن واشنطن شنت حربين كبريين في أفغانستان والعراق، والكثير من العمليات السرية، ومع أن غالبية دول العالم قد بلورت خططا كثيرة للتحدي والتصدي، إلا أن طاعون القرن الحادي والعشرين، متمثلاً في العنف والقتل، بات متجاوزاً للأنساق التي عاشت في القرن الماضي، وتركت إرثاً سيئاً للذي يليه متخطيا الحدود.
هل يحق لنا والحال هذه التساؤل هل نجح العالم أم أخفق في مواجهة الإرهاب الصاعد والأصوليات الخبيثة في العقدين الماضيين؟
ليكن الجواب من خلال الحقائق الأحدث، وصولاً إلى التحليلات، وفي المقدمة من هذه وتلك ما نشره زعيم تنظيم القاعدة في الوقت الراهن أيمن الظواهري، على هامش ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، من تسجيل مصور، يحث فيه أتباعه ومناصريه على شن هجمات أخرى على الولايات المتحدة الأميركية.
التسجيل الذي بلغت مدته 23 دقيقه، حث فيه الظواهري على إعلان حرب شاملة على أميركا، وتدمير اقتصادها وجيوشها، وواصفاً إياها بأنها «العدو الأول للمسلمين»، وخلال كلمته عدد الظواهري (14) نقطة عن الطريقة التي تخوض بها أميركا حروبها، في محاولة لتشجيع أتباعه على شن هجمات أخرى على واشنطن، ومضيفاً: «إخواني المسلمين، المعركة ضد أميركا أصبحت حتمية، فهي تضعنا أمام خيارين: إما شرف المواجهة بضراوة، أو الذل وقبول العار، ولن نقبل بحياة الذل بعون الله».
لم يتم سحق أو محق «القاعدة» بعد سبع عشرة سنة من الحرب الأميركية على عناصر تنظيمها في أفغانستان، وبقية دول العالم، فلا يزال الظواهري يتحدث وإن أعوزته كاريزما الخطاب الذي كان لبن لادن، فيما يشير أحد محللي شؤون الأمن القومي الأميركي «بيتر بيرغن»، والذي ينظر إليه كمرجعية في مطاردة الإرهاب، إلا أن «حمزة بن لادن»، في طريقه لأن يصبح زعيم الجيل القادم للقاعدة، ما يعني أن حلقات جديدة من الإرهاب في طريقها للظهور، ما يجعل العالم أقل أمناً وأماناً.
من رحم القاعدة المؤدلجة، خرج تنظيم أكثر توحشاً، في أعماله وأوسع رؤية في أهدافه، فكان تنظيم داعش، ورغم الهزائم الساحقة التي تعرض لها، إلا أنه في الأعم الأغلب، سيعود بشكل آخر... لماذا؟
هنا الكارثة وليست الحادثة، فلقد أصبح الإرهاب الجديد فكرة لها أجنحة تطير عبر وسائط الاتصال الحديثة، وتسخر التكنولوجيا المتقدمة لخدمتها، ولم يعد المشهد في حاجة لتراتبية تنظيمية، تستدعي إصدار بن لادن أوامره على سبيل المثال لخالد شيخ محمد، ومحمد عطا، لتنفيذ هجمات نيويورك وواشنطن.
نهار الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر الجاري كانت قناة «سي بي إس» الأميركية تستضيف مدير مكتب التحقيقات الاتحادية (إف بي آي) كريستوفر راي، والذي أقر بأن خطر الإرهاب أضحى يواجه العالم في كل مكان، ويمتد من الساحل إلى الساحل، ويخترق الكرة الأرضية من شرقها لغربها، ولم يعد مقتصراً على تهديد نيويورك فقط.
هل كان للحادي عشر من سبتمبر أن يتكرر من جديد خلال الأعوام الماضية؟ الثابت أنه كانت هناك محاولات دؤوبة ومستمرة من قبلي التنظيمات الإرهابية لتكرار الحدث، بل إن الخوف والرعب الأكثر هولا لدى الأجهزة الأمنية حول العالم، يتمثل في احتمالات حيازة تلك الجماعات أسلحة تدمير شاملة سواء نووية أو كيماوية، ورغم أن الكثير جداً من العمليات تم إبطالها إلا أن بعض المذابح البشرية، جرت بها المقادير، أميركياً، وأوروبياً، وعربياً.
وربما كان من الجائز أن يوقع الإرهاب ضحايا أكثر لولا الاكتشاف المسبق للكثير من العمليات الإرهابية، وإلقاء القبض على عدد وافر من الإرهابيين.
يشير كريستوفر راي، في حواره المتلفز المتقدم إلى أنه خلال العام الماضي وحده نفذ مكتب التحقيقات 120 حالة اعتقال تتعلق بالإرهاب، فضلاً عن إجراء الأجهزة الأمنية ما يقرب من خمسة آلاف تحقيق مع عدد من المتطرفين بينهم ألف من المواطنين المحليين.
لم يكن المشاهدون أميركياً وعالمياً يدرون بأن الحادي عشر من سبتمبر كاد أن يتكرر لسبب أو لآخر في الداخل الأميركي، فقد تم إحباط مخطط للهجوم على إحدى المناطق المكتظة بالأسواق في مدينة سان فرانسيسكو، بولاية كاليفورنيا، كان له أن يوقع عدة مئات من الضحايا، إضافة إلى مركز تسوق في مدينة ميامي السياحية بولاية فلوريدا.
أكثر من ذلك، فقد أدت يقظة الأجهزة الأمنية الأميركية إلى قطع الطريق على عمليات تجنيد وحشد كانت تقوم بها طالبة جامعية في ولاية مينيسوتا الأميركية، لحث زملائها في الصف الدراسي للالتحاق بتنظيم القاعدة، وحركة الشباب التي تتخذ من الصومال مقراً لها.
على أن القارعة التي يتحدث به الركبان هذه الأيام، هي الإرهاب الذي يمكن أن يضرب الفضاء السيبراني، ويوماً تلو الآخر تتكشف المجالات التي تعمل فيها الجماعات الإرهابية، عبر العالم الرقمي والإلكتروني، وبعيداً عن الوجوه المرئية، ما يعني إرهاب الأشباح، وهذا خطر أشد هولا، إذ يمكن للإرهابيين الولوج عبر الشبكات الإلكترونية والتلاعب بالبنى التحتية للدول، كشبكات الكهرباء والمياه، الطرق والمواصلات، الموانئ والمطارات، أما الكارثة فهي القدرة على اختراق الشبكات العسكرية، وقواعد الصواريخ، والمطارات الحربية، وأنظمة تسيير السفن والأساطيل، وجميعها اليوم باتت تتحكم فيها أجهزة استشعار لا سلكية وفضائية عن بعد.
هل يمكن القطع بأن إرهاب الحادي عشر من سبتمبر كان نسخة أولية غير مطورة عما هو حادث الآن حول العالم وبعد عقدين من الذكرى الأليمة تقريباً؟
الجواب يقتضي نظرة أكثر شمولية لكافة مناحي الحياة، والحقيقة تقتضي الإقرار بأن عقدين تغيرت فيهما أشكال الإرهاب المحتمل إلى الأخطر، في حين بقيت القوى المقاومة والمطاردة والولايات المتحدة الأميركية في مقدمها تتعامل مع الإرهاب والإرهابيين عبر المقاربات التقليدية، ومن دون إعادة قراءة للأسباب التي تدفع في طريق ارتكاب المزيد من الأعمال الإرهابية، وفي مقدمتها الخلط الواضح والفاضح بين ما هو ديني وما هو دنيوي... ماذا نعني بذلك الحديث؟
باختصار غير مخل يمكننا الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من أخطاء إدارة الرئيس الأميركي الأسبق «جورج ووكر بوش» في محاربته للإرهاب سيما بعد أحداث الثلاثاء الأسود، يعود إلى الخطاب السياسي والإعلامي الذي تناول به القضية، فعشية تلك الهجمات النكراء، كان بوش الابن يستحضر أشباحا وأرواحا لواحدة من أسوأ الحقب التاريخية بين الشرق والغرب التاريخي، وقبل أن تظهر القارة الأميركية على مسار الأحداث، حقبة الحروب الصليبية، وقد ذهب إلى تقسيم العالم تقسيماً مانوياً بين الذين معنا والذين علينا، أو دار السلم ودار الحرب.
كانت لغة خطاب بوش كارثية ولا شك، وربما زخمت العناصر المتطرفة والإرهابية بالمزيد من الوقود اللازم لإشعال الفتنة، وتعميق الشرخ الاجتماعي والديني، واستقطاب مزيد من العناصر التابعة للقاعدة في المستقبل.
لا ينكر المرء أن التاريخ لا يمكنه أن يكرر ذاته، لأنه لو فعل كما قال كارل ماركس لأضحى في المرة الأولى مأساة وفي الثانية ملهاة، لكن رغم ذلك فإن هناك بعض الأحداث تاريخياً تتشابه، ولا يتنبه للأمر إلا الذين يجيدون قراءة الأزمنة، ويحسنون مقاربات التاريخ.
جل القصد هنا الإشارة إلى بعض من الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تلك التي استهل بها رئاسته الأولى، عندما منع دخول مواطني عدة دول، هي في مجملها دول إسلامية، وذلك بحجة توفير المزيد من الأمن لمواطني أميركا، وكأنه يضرب سوراً حول البلاد والعباد، في حين أن الموازنة بين الأمن والحريات الشخصية لا تمضي على هذا النحو بالمرة، ما وفر فرصة خبيثة لأولئك المعروفين باسم «الذئاب المنفردة» لإحداث خسائر في الأرواح الأميركية، لم تكن أجهزة الدولة برمتها قادرة على منعها، انطلاقاً من أنه لا يمكن بحال من الأحوال التفتيش في النفوس والعقول، ومعرفة خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
قبل عشرة أيام من فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأميركية تحدث المرشح الديمقراطي باراك أوباما بالقول: «إن الولايات المتحدة الأميركية لن تنجح في هزيمة شبكات إرهابية تنشط في أكثر من ثمانين دولة عبر احتلالها العراق».
توقع العالم برمته أن أوباما القادم من بعيد، والذي يمثل «بوتقة الانصهار» الأميركية، سوف يقدر له أن يعيد الأمور إلى نصابها، وهو القريب فكرياً وأيديولوجيا من المجتمعات الشرقية والإسلامية، وقد استبشر الجميع به بالفعل.
لكن حصاد الحقل، كان مخالفاً طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً عن حساب البيدر، فخلال سنوات أوباما الثماني ربما عاشت جماعات الإسلام السياسي، والتي اعتبرت ولا تزال الحاضنة الأكبر والأهم لجماعات الإرهاب السياسي، أفضل أيام حياتها، وبعضها وصل مقاعد السلطة بدرجة أو أخرى من التواطؤ الأميركي المشبوه، لولا يقظة بعض شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب المصري الذي رفض إرهاب الإخوان المسلمين.
هل أخطأت الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، وباتت تلك الأخطاء مسارب تنفذ منها جماعات جديدة إرهابية تجعل نهار العالم قلقا وليله أرقا؟
يكاد المرء يقطع بأن الرئيس بوش الابن قد استعمل في هش الذباب، مطارق فولاذية تصلح لتفتيت الصخور، وفاته أن الإرهاب أفكار تطير عبر أجنحة الأثير.
ومن بوش الابن إلى ترمب، يمكن القطع والعهدة هنا على ورقة بحثية نشرتها مجلة الفورين بوليسي الأميركية ذائعة الصيت قبل فترة أشارت إلى أن العالم أصبح أقل أمناً عما كان عليه قبل عقدين من الزمن، بل إن 80 في المائة من الأميركيين باتوا يتوقعون هجمة قوية جديدة على بلادهم... ترى ما السبب؟
عند البروفسورة آن ماري، والتي شغلت من قبل عميدة جامعة برنستون الأميركية العريقة «إننا نخسر الحرب على الإرهاب لأننا نتعامل مع العرض وليس مع الأسباب الجوهرية وراء المرض».
هل شخصت السيدة آن ماري جزءا من الإشكالية الحقيقية التي تكسب مزيدا من الإرهابيين أرضاً واسعة لأعمال إرهابهم؟
لقد فعلت ذلك حين كشفت عن إصرار البعض في الداخل الأميركي إحلال الإسلام محل الشيوعية كعدو للغرب ما يغذي رؤية القاعدة و«داعش» وغيرهما، ومما يزيد من الدعم الذي يقدم لهما، ويدفع الكثيرين في نفس الوقت من خانة الاعتدال إلى خانة التطرف.
صوت أميركي آخر يوضح أن هناك عطبا كبيرا في مواجهة الإرهاب منذ ذلك الوقت المحزن، هو صوت آلان كوهين، الخبير الأميركي السابق في قسم مكافحة الاستخبارات الأجنبية، والذي يشير إلى أن مشروع الحرب على الإرهاب، على النحو الذي قادته بلاده منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن، كان مشروعاً فاسداً، ذلك أن شن الحرب على الإرهاب أشبه ما يكون بشن الحرب على الغضب، وأنت لا تشن الحرب على الإرهاب بل على البشر.
يمكننا أن نتساءل في نهاية هذه السطور هل مقاومة الإرهاب هي فعل عسكري فقط أم طرح عقلاني أحياناً يحتاج إلى دعم عملياتي على الأرض؟
أقرب الأجوبة للصواب أن مقاومة الإرهاب والقضاء عليه يتطلبان منظومة متكاملة، لا توجه لجانب على حساب الآخر فحسب، فالعمليات العسكرية ضد المتمردين والإرهابيين هي أعمال أساسية ولا بد منها لإطفاء الحرائق المشتعلة، لكن الانتصار في الحرب على الإرهاب، هو فعل طويل المدى، والانتصار في معركة الأفكار هو المهدد الأول والحقيقي للإرهاب في حاضرات أيامنا.
مجابهة أيديولوجيات الإرهاب والتطرف تحتاج إلى حلول تقدم على أسس وركائز عقلانية وإيمانية واجتماعية، وتسعى لإحقاق العدالة، وإنصاف المظلومين، وإغلاق الملفات البكائية التاريخية، وهذا جهد جهيد، وأول ما يتطلب نوايا صادقة، لا تلاعب على المتناقضات، أي تسخير تلك الجماعات لخدمة الأهداف الاستراتيجية الكبرى لدول بعينها تترقب اللحظة الحاسمة لبسط سيادتها على الأرض ومن فيها.
الشرق والغرب مدعوان هذه الأيام للتفكير خارج الصندوق في المحددات والمهددات التي تجعل من الحياة البشرية رؤية غير يقينية ومسيرة غير آمنة، ولهذا إن لم يتركا وراءهما سوية نظريات الصدام، ويسعيان لعهود من الوفاق الأممي، سيبقى الإرهاب وحشاً أسطورياً، خلف الباب متشوقاً لالتهام المزيد من الضحايا الأبرياء.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».