عالمات الفضاء في الهند... طموح يصل للقمر والمريخ

ضغوط مجتمعية لتحقيق التوازن بين البيت والعمل

شهدت الهند زيادة كبيرة في أعداد النساء اللاتي انضممن إلى فئة علماء الفضاء
 




العالمة الهندية أي لاليثمبيكا
شهدت الهند زيادة كبيرة في أعداد النساء اللاتي انضممن إلى فئة علماء الفضاء العالمة الهندية أي لاليثمبيكا
TT

عالمات الفضاء في الهند... طموح يصل للقمر والمريخ

شهدت الهند زيادة كبيرة في أعداد النساء اللاتي انضممن إلى فئة علماء الفضاء
 




العالمة الهندية أي لاليثمبيكا
شهدت الهند زيادة كبيرة في أعداد النساء اللاتي انضممن إلى فئة علماء الفضاء العالمة الهندية أي لاليثمبيكا

هن مجموعة من النساء يرتدين الساري شأن باقي أقرانهن في المناطق المجاورة، لكنهن يمتلكن ميزة نادرة، وهي اختراقهن لمجال لطالما ظل حكراً على الرجال، وهو برنامج الفضاء الهندي.
ففي 15 من أغسطس (آب) 2018، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن إطلاق أول رحلة فضاء هندية عام 2022 تحمل اسم «غاغانيان». ومن المقرر أن تقود المشروع الكبير السيدة أي لاليثمبيكا التي تعد واحدة من أكبر عالمات الهند.
تتميز العالمة الهندية، 56 عاماً وأم لولد وبنت، بقدرتها على قيادة فرق العمل وتنفيذ المهام، وقد قضت قرابة ثلاثة عقود في بناء برنامج الصواريخ الهندي.
وللاليثمبيكا سيرة ذاتية رائعة أهمها نجاحاً إطلاق 104 أقمار صناعية خلال رحلة واحدة، وهو ما كان بمثابة التحدي الأكبر الذي واجه فريق عملها، وكان سبباً في فوز الهند بكثير من الجوائز الدولية. كانت العالمة الهندية محاطة خلال نشأتها الأولى بالمهندسين المميزين، منهم والدها وعمها، ولاحقا زوجها.
وفي تصريح للإعلام، قالت لاليثمبيكا: «كان جدي عالم الرياضيات المحفز الأول والدافع لحبي للعلوم. وكثيرا ما شاهدنا معاً عمليات إطلاق الصواريخ من محطة ثامبا الاستوائية القريبة من بيتنا كل أربعاء».
وشأن أي امرأة هندية أخرى، كان على لاليثمبيكا الرضوخ لرغبة عائلتها في الزواج ونسيان حلم السفر للدراسة بعيدا عن بلدتها، فقد كان والديها وجدتها لأمها تواقين لزواجها. استطردت لاليثمبيكا بقولها: «كنت الطفلة الوحيدة لوالدي، ولذلك فقد رتبوا لزواجي سريعاً بمجرد أن أنهيت دراسة الهندسة».
بعد ذلك واصلت لاليثمبيكا دراستها الجامعية للحصول على درجة الماجستير في التكنولوجيا، ورزقت في تلك الفترة بابنتها الأولى. أضافت أنها حصلت على إجازة لمدة 41 يوماً فقط، وأنها اعتمدت على صديقة مقربة كانت «تنسخ المحاضرات وتحضر إليها للمذاكرة معاً».
ومنذ زمن ليس بالبعيد باتت تيسي توماس أول امرأة تتولى رئاسة مشروع الصواريخ الهندي. وتحت رئاستها للمشروع، انضمت الهند إلى نادي الصفوة الذي ضم عدداً محدوداً من الدول المنتجة للصواريخ البالسيتية، ولذلك أطلق عليها اسم «سيدة الهند الصاروخية».
وقد عملت لاليثمبيكا تحت قيادة مثلها الأعلى عالم الفضاء الهندي البارز والرئيس السابق عبد الكلام الذي عينها في برنامج الصواريخ «أغني»، غير أنها توارت عن الأنظار بعد ذلك. لكن بفضل عزيمتها التي لا تلين وعملها الدؤوب، فقد شقت تيسي طريقها في برنامج التسليح «دردو»، وفي غضون 25 عاما، تمكنت تيسي من تحقيق نجاح كبير يعد الأبرز في مسيرتها وهو إطلاق صاروخ «أجني في» الباليستي العابر للقارات من منصة بدرجة حرارة مرتفعة، فيما تجاوزت الحرارة عند عودة الصاروخ إلى الغلاف الجوي 3000 درجة مئوية.
لم تكن المسيرة حافة بالنجاح دون الفشل، فقد كان لها نصيب من الإخفاقات أيضا.
ففي يوليو (تموز)، تعرض فريق عملها لانتقادات حادة بسبب الفشل في إحدى مهامه. لكن بفضل عزيمتها القوية، فقد حملت تيسي على عاتقها مهمة مواجهة التحدي وكانت تعمل ما بين 12 و16 ساعة يومياً وحتى في أيام العطلات الأسبوعية. ولم تكن مفاجأة أنه في غضون 10 شهور، تمكنت العالمة الهندية من تحويل الفشل إلى نجاح جديد.
وعلى المنوال نفسه سارت نانديني هاريناث، عالمة الصواريخ الهندية بـ«وكالة أبحاث الفضاء» بولاية بنغلورو. فقد لعبت هاريناث دورا جوهريا في تشغيل «محطة المريخ الفضائية» الهندية عام 2013. وتتولى هاريناث حاليا إدارة مشروع مشترك بين وكالتي «ناسا» الأميركية و«إيسرو» الهندية التي تستعد لعملية إطلاق في 2020.
يردد الكثيرون عنوان الكتاب الشهير الذي يقول: «الرجال جاءوا من كوكب المريخ فيما جاء النساء من كوكب الزهرة»، لكن بعد النجاح الذي حققته بعثة المريخ، أطلق الرجال على العالمات الهنديات لقب «نساء المريخ». يتطلب العمل في مهام الفضاء قدراً من الصبر والجلد في تحمل جدول العمل الشاق والضغوط الكبيرة، ناهيك بتبديل فترات التناوب بين مجموعات الزملاء لفترات تبلغ 20 ساعة عمل يوميا تشهد مواقف تصل فيها القلوب إلى الحلقوم.
ليس سهر الليالي وحده سببَ المعاناة في تلك المهام إذ إن ضغوط العمل والمشكلات التي تواجهها المرأة الهندية العادية عامل لا يُستهان به. فالزوجة الهندية مطالبة برعاية والدي زوجها نظراً لنمط الحياة والسكن العائلي المشترك وما يتطلبه ذلك من طهي وتنظيف ورعاية الأطفال والزوج. لكن كيف يستطعن تدبير كل ذلك؟
جاءت الإجابة على لسان نانديني حيث قالت: «لقد شاركت في 14 مهمة عمل خلال 20 عاما بمحطة أيسرو الفضائية، وفي كل مهمة تشعر بأنها أهم من سابقاتها، لكن رحلة المريخ كانت ذات طبيعة خاصة. في البداية، كنا نعمل 12 ساعة يومياً، لكن مع اقتراب موعد الإطلاق، زادت لتصبح 14 - 16 ساعة. وفي وقت الإطلاق كنا نادرا ما نبرح المكاتب». استطردت بقولها إن «تلك الشهور القليلة كانت حرجة للغاية في البيت. فقد كان العمل أشبه بالسباق مع الوقت، حيث كنت أعود لبيتي بعد منتصف الليل لاستيقظ في الرابعة فجرا لاستذكر دروس 12 مادة دراسية مع ابنتي. فقد كنا منشغلتين معاً».
هناك أيضاً مينال روهيت، إحدى المديرات ضمن مشروع مركبة المريخ والتي تبلغ من العمر 38 عاما ولها طفل يبلغ 6 أعوام. تتمتع مينال بنهج خاص في تحقيق التوازن بين البيت والعمل. وفي هذا الصدد، قالت: «نتعامل مع الأقمار الصناعية والحمولات الإضافية مثلما نتعامل مع أطفالنا. بالنسبة لنا، فالأقمار الصناعية لها روح، ولذلك فإن قوانين العمل والبيت واحدة، فالمكانان يتطلبان الصبر، وترتيب الإجراءات وتحديد الأولويات، وإن كنت صبورا، فقد فزت بنصف المعركة. لا تسمح بالفشل أن يعطلك عن مسيرتك، احرص على وجود خطط بديلة دائما في عقلك في جميع الأوقات لتفادي الفوضى».
منذ نحو 33 عاما، كانت الفتاة الصغيرة ريتو كاريدال تتعجب من أن القمر يغير شكله وحجمه كل ليلة. وفي فترة المراهقة، كانت ريتو حريصة على متابعة نشاطات محطة «إسرو» وكذلك برنامج «ناسا» الفضائي من خلال الصحف والاحتفاظ بكل ما يُنشر عنها. وفي الوقت نفسه تقريبا، كانت دوتا تقرأ أن أول قمر صناعي هندي حمل اسم «شاندريان 1» وكانت تقول لنفسها إن رواد الفضاء هؤلاء محظوظون، لأنهم جزء من هذا المشروع. وإذا تقدمنا بالزمن إلى وقتنا الحالي، فإن كلتا السيدتين تعمل عالمة في أعلى السلم الوظيفي في برامج الفضاء الهندي وضمن فريق عمل رحلة المريخ المرتقبة. تعمل دوتا حاليا ضمن فريق العمل الهندي الثاني الذي يستعد لإرسال ثلاثة رواد فضاء، منهم سيدة، في رحلة استكشافية إلى سطح القمر.
هل لا يزال هناك أي تمييز لأنك سيدة؟ ردا على هذا السؤال، قالت دوتا، وهي أم لطفلين: «لا يهتم أحد إذا ما كنت رجلا أم امرأة. الموهبة والأفكار الجيدة هي ما يهم، فالاثنان أمامهما الفرص نفسها».
في السنوات القليلة الماضية، شهدت الهند زيادة كبيرة في أعداد النساء اللاتي انضممن إلى فئة علماء الفضاء، وحاليا تشغل النساء نسبة 20 – 25 في المائة من علماء «وكالة أبحاث الفضاء الهندية».
هناك أيضاً أنورادا تي كي التي تشغل حالياً منصب مدير برنامج «جيوستا» للأقمار الصناعية وتعمل في مجالات مهمة في مدار الشمس ذات أهمية بالغة للاتصالات اللاسلكية ونقل البيانات. كانت المرة الأولى التي فكرت فيها أنرودا في أن تصبح عالمة فضاء في سن التاسعة. كان ذلك عندما سار أرمسترونغ على سطح القمر للمرة الأولى، وهو الإنجاز الذي سحر لبها.
عندما انضمت أنرودا إلى وكالة الفضاء عام 1982، لم يكن هناك غير عدد قليل من السيدات في قسم الهندسة. وفي هذا الصدد قالت أنرودا: «أحياناً أنسى أنني امرأة هنا لأن السيدات هنا لا يتلقين أي معاملة خاصة لأنهن سيدات. كذلك لا تتعرض هنا للاضطهاد لأنك سيدة. الجميع هنا يتلقى المعاملة ذاتها. هناك سيدات كثر يستمتعن بأداء عملهن ويتحدثن عن أبحاثهن بوصفها أهدافاً سامية تساعد في حل كثير من المشكلات الحالية».


مقالات ذات صلة

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

يوميات الشرق ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لـ«ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكويكبات الجديدة رُصدت بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً

تمكن فريق من علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة من رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق رحلة ولادة الكسوف الاصطناعي (أ.ب)

«عرض تكنولوجي» فضائي يمهِّد لولادة أول كسوف شمسي اصطناعي

انطلق زوج من الأقمار الاصطناعية الأوروبية إلى الفضاء، الخميس، في أول مهمّة لإنشاء كسوف شمسي اصطناعي من خلال تشكيل طيران فضائي مُتقن.

«الشرق الأوسط» (كيب كانافيرال فلوريدا )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».