«ساندوتش الفول» الذي أغضب رئيس الوزراء!

«ساندوتش الفول» الذي أغضب رئيس الوزراء!
TT

«ساندوتش الفول» الذي أغضب رئيس الوزراء!

«ساندوتش الفول» الذي أغضب رئيس الوزراء!

قبل نحو عامين قابلت رئيس الوزراء المصري وقتها المهندس شريف إسماعيل في مكتبه، بمقر مجلس الوزراء بشارع قصر العيني.
قبل بداية الحوار الرسمي كنت أجلس معه في غرفة جانبية في وجود بعض رؤساء التحرير. وتطرقت الدردشة وقتها إلى الظروف المعيشية الصعبة، التي يعانيها الكثير من المصريين. في هذا الوقت كانت الحكومة تدرس الشق الأهم في عملية الإصلاح الاقتصادي، وهو قرار تعويم العملة الوطنية «الجنيه» أمام العملات الأجنبية، وهو ما نفّذته لاحقاً في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
رئيس الوزراء، سأل وقتها عن سعر ساندوتش الفول، الوجبة الأكثر شعبية في مصر، خصوصاً لوجبة الإفطار، وسعر الساندوتش مؤشر مهم دائماً على مستوى الأحوال المعيشية.
يومها أجبت رئيس الوزراء، بأنني أتناول وجبة الفول أحياناً في مطعم بعمارة ملاصقة لمبنى الحكومة. وحكيت له عن الأسعار في هذا المطعم واختلافها من منطقة إلى أخرى حسب مستواها الاجتماعي!
انتهت الدردشة وبدأ الحوار، وتم نشره. لكن في وقت لاحق وبالتحديد يوم الأحد 21 أغسطس (آب) عام 2016 كتبت مقالاً في عمودي اليومي بجريدة «الشروق» عنوانه: «رئيس الوزراء يسأل: كم سعر ساندوتش الفول؟» حكيت فيه، ما حدث، وضرورة أن تراعي الحكومة عدم ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تهم الفقراء مثل «الفول والطعمية».
وفى اليوم التالي اتصل بي أكثر من شخص يلومني على هذا المقال الذي أغضب رئيس الوزراء كما قالوا، لأنه يُظهره كأنه لا يعرف أسعار أهم سلعة يستهلكها المصريون.
لم يكن قصدي بالمرة أن أتسبب في أي إحراج لرئيس الوزراء، خصوصاً أنني أكنّ له كل الاحترام والتقدير، ورأيي أن حكومته اتخذت أصعب القرارات الاقتصادية طوال عقود مثل تعويم العملة وهيكلة الدعم وبالأخص الموجّه إلى الطاقة.
لكنّ هذا المقال تحديداً، كان مؤشراً مهماً بالنسبة إليّ على معضلة تتكرر كثيراً مع الصحافيين والكتاب وهي: هل تنشر وتكتب كل ما تعرفه فوراً... أم تتريث وتحسب الأمر من جوانبه المختلفة؟
أعرف أن كثيرين سيسارعون بالإجابة بأن وظيفة الصحافي هي النشر وليس الحجب، ولا يهم هل يغضب هذا المسؤول أم يفرحه.
لكن على أرض الواقع، وعندما تكون رئيساً للتحرير في غالبية البلدان العربية، فالقواعد ليست مهنية فقط، بل يتداخل فيها العديد من الاعتبارات وفي القلب منها معضلة: هل تنشر ما تعرفه فوراً أم تحافظ على مصدرك خصوصاً إذا كان من مصادر الدرجة الأولى؟
بحكم عملي وعلاقاتي، مثل معظم رؤساء التحرير، أحصل على العديد من الأخبار والقصص المهمة والساخنة، بعضها أعلم أنه صحيح مائة في المائة، لكن لا أستطيع نشر معظمها، لأنني إذا فعلت سأخسر المصدر إلى الأبد. وبالتالي يدخل الصحافي في صراع مع نفسه ومع زملائه: هل أستجيب إلى «الشبق الصحافي» داخلي وأنشر الخبر، وليكنْ ما يكون، أم أتريث وأحافظ على مصدري؟
بالطبع هذا سؤال جدلي. شخصياً أجد نفسي أحياناً منحازاً إلى تأجيل النشر لفرصة مواتية. حتى لا أخسر مصدري الذي قد يمدني بقصص أخرى كثيرة في المستقبل.
أقول ذلك لأنني طبّقت الخيار الأول ذات يوم، ونشرت قصة كان أحد المصادر المهمة قد أخبرني إياها للاطلاع فقط، ولم أستطع المقاومة وقتها ونشرتها. وبعدها صارت القطيعة الصحافية بيننا. نلتقي الآن ونتبادل السلامات والطيبات لكنه لم يعد منفتحاً معي كما كان.
بعد خبرة تصل إلى نحو 32 عاماً في هذه المهنة بدأتها بمحرر تحت التمرين، وتدرجت في كل الأقسام الصحافية تقريباً، لا توجد قواعد محددة تصلح لكل زمان ومكان. هناك مبادئ عامة ندرسها ونتعلمها في كليات ومعاهد وأقسام الإعلام، لكن هناك أيضاً خصوصية لكل تجربة بظروفها وأحوال المجتمع المختلفة، وأخيراً درجة الحرية المتاحة... وفي النقطة الأخيرة هناك الكثير والكثير الذي يمكن أن يُقال.

- صحافي مصري
رئيس تحرير جريدة «الشروق» المصرية


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».