تسيبراس يعلن عن حزمة سياسات تعوض اليونانيين عن سنوات التقشف

وسط أجواء من المظاهرات المعارضة له

رئيس الوزراء اليوناني في كلمته لعرض برنامجه الاقتصادي للسنوات القادمة خلال زيارته أكبر المعارض التجارية بالبلاد (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء اليوناني في كلمته لعرض برنامجه الاقتصادي للسنوات القادمة خلال زيارته أكبر المعارض التجارية بالبلاد (أ.ف.ب)
TT

تسيبراس يعلن عن حزمة سياسات تعوض اليونانيين عن سنوات التقشف

رئيس الوزراء اليوناني في كلمته لعرض برنامجه الاقتصادي للسنوات القادمة خلال زيارته أكبر المعارض التجارية بالبلاد (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء اليوناني في كلمته لعرض برنامجه الاقتصادي للسنوات القادمة خلال زيارته أكبر المعارض التجارية بالبلاد (أ.ف.ب)

طرح رئيس الوزراء اليوناني، في كلمة مساء أول من أمس، برنامجه الاقتصادي للسنوات المقبلة خلال زيارته لأكبر المعارض التجارية للبلاد، وقال إنه سيسعى لخفض معدلات البطالة، التي كانت قد وصلت لذروتها عند 28 في المائة في عام 2013، علاوة على رفع الأجور وتطبيق تخفيضات ضريبية.
وأكد في تصريحات أمس على متانة الوضع المالي للبلاد في الوقت الراهن، حيث أشار إلى أن لدى اليونان سيولة احتياطية بمليارات اليورو تغنيها عن اللجوء إلى الأسواق المالية خلال فترات التقلبات.
وأوضح تسيبراس أن لدى بلاده احتياطيات تصل إلى 30 مليار يورو مما يسمح لها بالاكتفاء ذاتيّاً لمدة عامين ونصف العام. وتأتي تلك التصريحات بعد أن أنهت اليونان، الشهر الماضي، حزمة الإنقاذ الثالثة المقدمة لها من دائنين أوروبيين ودوليين، الذي كان مؤشراً على استعداد الاقتصاد للخروج من أزمته المالية الطويلة، التي كانت من تبعات الأزمة المالية العالمية في 2008.
ومستعرضاً إنجازاته، قال ألكسيس تيسبيراس، أول من أمس، إنه نجح في خلق 300 ألف فرصة عمل جديدة خلال السنوات الثلاثة التي تولى فيها منصبه، مضيفاً أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2.5 في المائة خلال 2018.
وقال إنه يستهدف خفض البطالة من مستوياتها الحالية عند 19 في المائة إلى 10 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة، وأن يصل الدين تصنيف الدين اليوناني لدرجة الاستثمار خلال عامين.
وبعد سنوات من سياسات تقشفية عسيرة تم فرضها على اليونان من خلال الدائنين، تعهد تسيبراس بخفض ضرائب الشركات والتوسع في الإنفاق على الرفاه وتوفير إعفاءات ضريبية لجذب الشباب المتعلم جامعياً للبلاد مرة أخرى بعد أن اتجه للهجرة، ورفع الحد الأدنى للأجور واستعادة التفاوض الجماعي على الأجور.
وهاجر ما يقرب من 400 ألف مواطن يوناني، معظمهم في العشرينات والثلاثينات من العمر، منذ عام 2010 (وقت اندلاع أزمة البلاد المالية) إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى بشكل رئيسي.
وأكثر من ثلثي المهاجرين هم من خريجي الجامعات وكثير منهم يحملون شهادات عليا، ويوجد في البلاد عجز كبير في توفير الخبرات، أكثر ما يكون في مجال الخدمات الصحية، والتعليم والحياة الاجتماعية العامة.
ووعد تسيبراس بخفض تدريجي لضرائب الشركات من 29 في المائة إلى25 في المائة ابتداء من العام المقبل بالإضافة إلى خفض بنسبة 30 في المائة في المتوسط لضريبة عقارية سنوية لا تحظى بأي شعبية على أصحاب المنازل ليرتفع هذا الخفض إلى 50 في المائة لمنخفضي الدخل.
ووعد أيضاً بخفض المعدل الأساسي لضريبة القيمة المضافة نقطتين إلى 22 في المائة ابتداء من 2021.
وبشأن سياسة خفض المعاشات التي تعهدت بها الحكومة للدائنين، قال تسيبراس إنه يعتقد أن تحقيق فائض في الموازنة العامة، وهو أحد الأهداف الرئيسية للسياسات الاقتصادية في البلاد في الوقت الراهن، يمكن بلوغه دون المزيد من الاستقطاع من المعاشات، وأشار تسيبراس إلى أنه سيناقش هذا الأمر لاحقا مع الاتحاد الأوروبي خلال العام الحالي.
وكانت الحكومة قد أجازت بالفعل قانوناً لخفض المعاشات العام المقبل في إجراء مثير للجدل بشكل كبير في بلد يعاني من ارتفاع نسبة البطالة مما يجعل من أرباب المعاشات العائلين الرئيسيين لكثير من الأسر. وكانت هذه الفئة هدفاً لتخفيضات تجاوزت عشر مرات منذ 2010.
لكن تسيبراس الذي بدا في خطابه أميل لتعويض المواطنين عن سنوات التقشف العسيرة، شدد على أن جميع الإجراءات الخاصة برفع مستوى المعيشة يجب أن تتم بالتشاور مع الدائنين، مضيفاً: «نحن عازمون على الالتزام بما اتفقنا عليه (مع الدائنين)».
واتفقت اليونان مع دائنيها على الحفاظ على فائض سنوي أساسي في الميزانية يبلغ 3.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي حتى 2022 مع استبعاد تكاليف خدمة الديون. وحتى الآن تفوقت اليونان في تحقيق الأهداف المالية وعاد الاقتصاد إلى النمو.
وقال تسيبراس أمام مسؤولين ودبلوماسيين ورجال أعمال: «لن نسمح بعودة اليونان مرة أخرى إلى عصر العجز والانحراف المالي». وأضاف أن اليونان ستتجاوز مرة أخرى المستوى المستهدف من الفائض الأساسي هذا العام.
وطغت المظاهرات على افتتاح المعرض، حيث خرج آلاف الأشخاص إلى شوارع سالونيك للاحتجاج على إجراءات التقشف الحكومية وارتفاع معدلات البطالة. ورفع المحتجون لافتات كتبوا عليها «نريد وظائف وليس ضرائب لا نهاية لها!»، حسبما نقلت وسائل الإعلام المحلية.
ونجحت اليونان في الخروج من برنامج الإنقاذ الثالث والأخير في 20 أغسطس (آب)، منهيةً بذلك ثمانية أعوام من القروض الدولية التي استهدفت إخراج البلاد من أزمة الديون وإبقائها في منطقة اليورو. وأصبحت اليونان مكلفة الآن بتمويل نفسها بشكل مستقل.
وزار تسيبراس جناح المعرض الأميركي مع وزير التجارة الأميركي، ويلبر روس، الذي قال إن كثيراً من الشركات الأميركية مستعدة للاستثمار في اليونان. وذكرت وسائل إعلام يونانية أن الشركات الأميركية أعربت بالفعل عن رغبتها في شراء حوضين يونانيين لبناء السفن.
وقال تسيبراس إن الولايات المتحدة تستطيع أن تساعد اليونان على ضخ الحياة في الاقتصاد خاصة في مجالات الإبداع والأنشطة الوليدة (startup business).
وكانت مؤسسات تصنيف دولية حسنت من نظرتها لليونان خلال الفترة الأخيرة مما يعكس اتجاه الاقتصاد للتعافي، حيث رفعت وكالة «فيتش» علامة الدين اليوناني الشهر الماضي، متوقعة لهذا البلد أن يخرج «بنجاح» من برامج المساعدة المدعوم من أوروبا وصندوق النقد الدولي.
وأشارت «فيتش» إلى أن اليونان تملك أموالاً تغطي تمويل دينها السيادي لمدة 22 شهراً حتى منتصف 2020. ومنتصف يوليو (تموز)، رفعت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندارد أند بورز» آفاق الدين السيادي لليونان من «مستقر» إلى «إيجابي»، ورأت الوكالة أن «مشاريع البنى التحتية العامة ستحفز الاستثمارات في قطاع السياحة والقطاع اللوجيستي، مما يؤدي إلى تحسن توقعات النمو لليونان».
وكانت اليونان قد حصلت على مبلغ 289 مليار يورو، من صندوق النقد الدولي وشركائها في منطقة اليورو، تسلمتها على ثلاث حزم مساعدات في الأعوام 2010 و2012 و2015.
وفي الوقت الذي لن يتم فيه طلب أو فرض أي اقتطاعات أو خطط جديدة للتقشف بعد الانتهاء من خطة الإنقاذ، يبقى ما تم الاتفاق عليه فعلا مؤثرا بشكل كبير في الأجيال المقبلة، ففي كل عام على مدى العقود الأربعة المقبلة، سيتعين على الحكومة أن تحقق معدلات نمو أكبر من معدلات الإنفاق مع ضمان أن الاقتصاد، الذي تقلَّص بمقدار الربع منذ عام 2009، آخذ في بالتوسع، ولا يزال الدين يمثل 180 في المائة من الناتج المحلي للبلاد.



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.