وسائل علمية لرصد مواقع مقابر تاريخية مجهولة

علماء الآثار يأملون في حل ألغاز مصرية

 المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون
المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون
TT

وسائل علمية لرصد مواقع مقابر تاريخية مجهولة

 المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون
المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون

تحول تابوت مغلق أسفل منزل تم هدمه في مدينة الإسكندرية المصرية، إلى حديث العالم خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، بعد أن توقعت تقارير أن يكون التابوت خاص بالإسكندر الأكبر. وبعد انتظار استمر طيلة أسبوعين، أعلنت وزارة الآثار أنه «عثر بالتابوت على ثلاث جماجم بشرية، وأن مياه الصرف الصحي تسللت للتابوت، فاختلطت بمواد الدفن، فتحولت إلى لون أحمر»، لتطفئ بذلك أملا طالما انتظره علماء الآثار.
- مقبرة الإسكندر الأكبر
والإسكندر الأكبر ليس وحده الذي لا تزال مقبرته مجهولة، لكن هناك الكثير من الحالات التي تمثل لغزا يعول الآثاريون آمالا عريضة على تقدم الوسائل العلمية لكي تقود للعثور على هذه المقابر، مثلما قادت إلى تحديد هوية مومياوات ملكية كانت توصف بأنها مجهولة الهوية.
ويتبنى عالم الآثار المصري، زاهي حواس نظرية أن مقبرة الإسكندر الأكبر توجد في مدينة الإسكندرية القديمة، وأن العثور عليها لن يأتي إلا عن طريق الصدفة، مثلما اكتشفت كل آثار الإسكندرية بالصدفة.
ورغم أن أغلب آثار الإسكندرية اكتشفت عن طريق الصدفة، مثلما ذهب حواس، فإن بسام الشماع، الكاتب في علم المصريات، يرفض الانتظار، معولا آمالا كبيرة على العلم، الذي حل كثيرا من ألغاز الحضارة المصرية، متسائلا: لماذا لا نعول عليه في هذه القضية أيضا؟
يقول الشماع لـ«الشرق الأوسط»: خرائط الإسكندرية القديمة تشير إلى منطقة تسمى «سوما»، وهي تلك التي ذهب مؤرخون قدامى إلى أن مقبرة الإسكندر توجد بها، وبالتالي فإن البحث عن المقبرة يبدأ من تحديد تلك المنطقة.
ويضيف: «إذا حددنا تلك المنطقة نستطيع باستخدام أجهزة الاستشعار ذات التقنيات العالية، الكشف أسفل المباني حتى عمق يصل إلى 20 مترا، فإذا ما وجدنا ما يوحي بأن هناك مقبرة نستطيع إزالة المبنى وتعويض صاحبه، لأن اكتشاف مقبرة الإسكندر الأكبر أمر يستحق التضحية، وسيصحبه اهتمام عالمي غير مسبوق».
ما يطرحه الشماع، وإن كان يستند فيه إلى دليل علمي من خريطة الإسكندرية القديمة، قد يصطدم بآراء معارضة تقول إن الحكومات المصرية السابقة سمحت لكثيرين ممن قدموا نظريات علمية عن مكان المقبرة بالتنقيب، لكن لم تثمر محاولاتهم عن أي نتيجة، ومنهم مدرس تاريخ يدعى صلاح محمد على حصل عام 1972 على تصريح بالبحث عن القبر بالقرب من زاوية «ذي القرنين» بمنطقة اللبان بالقرب من شارع الفراهدة، بعد أن قدم بحثا كبيرا سجله تحت عنوان «هنا قبر الإسكندر» لكنه لم يصل إلى شيء في النهاية. كما سمحت الحكومة في التسعينات لعالمة آثار يونانية تدعى «ليانا سوفالتزي» بالتنقيب في واحة سيوة عن المقبرة.
وكانت هذه العالمة قد تبنت رأيا مختلفا، وهو أن المقبرة لا توجد في الإسكندرية، وبدأت حفرياتها في سيوة، لكن مع الوقت وجدت عدم الاهتمام من المجتمع الأثري، بل وطالتها الاتهامات، منها نسبها لنفسها درجات علمية غير حقيقية، فغادرت مصر من دون أن تحقق أي نتيجة.
إلا أن الشماع يرى أن من حق كل صاحب نظرية أن يعطى الفرصة لإثبات صدقها، طالما أنها تستند إلى أساس علمي، مثلما منح عالم الآثار البريطاني نيكولاس ريفز الفرصة لإثبات نظريته حول وجود مقبرة نفرتيتي وراء جدران مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر.
- مقابر مجهولة
مقبرة نفرتيتي، إحدى أهم المقابر المجهولة في مصر القديمة، والتي اهتم العلماء على مر التاريخ بالعثور عليها دون جدوى إلى الآن، وكان عالم الآثار البريطاني والأستاذ بجامعة أريزونا، يقول إن لديه دليلا على أنها قد تكون قد دُفِنت خلف واحد من بين ممرين سريين داخل قبر الملك توت عنخ آمون.
واستند ريفز في نظريته التي تم إثبات فشلها، إلى صور لمقبرة توت عنخ آمون نشرتها مؤسسة «فاكتوم آرتي»، المعنية بربط التكنولوجيا الحديثة بالمهن اليدوية من أجل حفظ التراث الثقافي، ولها مقار في لندن ومدريد وميلانو، حيث زعم أن ترجمة المظهر الرقمي للصور إلى واقع، يظهر وجود ممرين سريين غير معروفين من قبل داخل قبر توت عنخ آمون، ربما يقودان إلى غرفة دفن الملكة نفرتيتي.
ولم تصمد هذه النظرية طويلا، فقد تم نسفها من خلال بعثة تنقيب من جامعة البوليتكنيك الإيطالية، والتي قامت بإجراء عملية مسح راداري، كشف عن عدم وجود ردهات سرية خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون.
وإذا كانت نظرية ريفز قد تم دحضها سريعا، فإن بعثة أثرية من الدومينيكان منحت وقتا طويلا للعمل بمنطقة أبو صوير في الإسكندرية، لتبنيها نظرية أن مقبرة الملكة كليوباترا السابعة توجد هناك. والملكة كليوباترا الشهيرة مثلها مثل الإسكندر الأكبر ونفرتيتي من أصحاب المقابر المجهولة، ويرى العديد من الأثريين أن الحديث عن وجودها في منطقة أبو صوير غير واقعي، ومع ذلك منح الوقت لبعثة الدومينيكان، ولم تتوصل لشيء أيضا.
وفي مقابل هذه الحالات التي لم يعثر على مقابرها إلى الآن، فإن هناك حالة فريدة للملك الشهير أخناتون، والذي لم يعثر على مقبرته، ولكن تم العثور على جثمانه بمساعدة تحليل الحمض النووي.
يقول الدكتور تامر عبد المجيد، أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة الزقازيق، إن مقارنة الحمض النووي DNA للمومياء المجهولة، التي عثر عليها في المقبرة kv55 بوادي الملوك بالأقصر، بالحمض النووي الخاص بالملك الشاب توت عنخ آمون، أثبتت أنها تخص، والد الملك الشاب، أخناتون، لينفرد أخناتون بأنه الملك، الذي قاد العلم إلى تحديد هويته. وبخلاف هذه الحالة توجد قائمة من ملوك مصر الفرعونية عثر على مومياواتهم بعيدا عن مقابرهم، إذ تم اكتشاف مقابرهم، ولم يعثر بداخلها على مومياوات، وبعضهم تم العثور عليه في أماكن أخرى، والبعض الآخر لا يزال جثمانه مجهولا.
ويوضح عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»، أنه من الملوك الذين عثر على مقابرهم قبل أن يتم العثور على مومياواتهم في خبيئتين بالأقصر خارج مقابرهم، هم: رمسيس الثاني، الملك ستي الأول، أحمس قاهر الهكسوس، سقننرع تاعا الثاني، سيتي الثاني، أمنحتب الثالث، تحتمس الرابع، أمنحتب الثالث والد أخناتون، ميرمبتاح. ويضيف: من الملوك الذين عثر على مقابرهم، ولم يعثر إلى الآن على مومياواتهم: نفرتاري زوجة رمسيس الثاني، وبناه الأهرامات خوفو وخفرع ومنكاورع.


مقالات ذات صلة

شركتان تابعتان لـ«السيادي» السعودي تعززان بناء مستقبل مستدام لصناعة الطيران 

الاقتصاد خلال توقيع مذكرة التفاهم بين شركتي «سرك» و«الطائرات المروحية» (إكس)

شركتان تابعتان لـ«السيادي» السعودي تعززان بناء مستقبل مستدام لصناعة الطيران 

وقّعت شركة «الطائرات المروحية»، والشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير (سرك)، يوم الاثنين، مذكرة تفاهم تُسهم في بناء مستقبل مستدام لصناعة الطيران والبيئة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد رجل يحمل لافتة عليها صورة ترمب بينما يتجمع أنصاره خارج ساحة «كابيتال وان» تحضيراً للاحتفال بتنصيبه (رويترز)

ترمب يعتزم إحياء «تيك توك»... لكنه يريد ملكية أميركية بنسبة 50 %

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنه سيعيد إحياء الوصول إلى تطبيق «تيك توك» في الولايات المتحدة بأمر تنفيذي، بعد أن يؤدي اليمين الدستورية، يوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا تمتد المنشأة على مساحة 18.500 متر مربع وتتميز بنظام فرز آلي متقدم يضم 120 مركبة موجهة آلياً لمعالجة معالجة 4 آلاف شحنة/ ساعة (أرامكس)

«أرامكس»: نظام روبوتي بميناء جدة و«درون» لتوصيل الطرود

تمتد المنشأة على مساحة 18.500 متر مربع وتتميز بنظام فرز آلي متقدم لمعالجة 4 آلاف شحنة في الساعة.

نسيم رمضان (لندن)
تحليل إخباري يتخوف مراقبون من أن حظر «تيك توك» بالولايات المتحدة قد يدفع دولاً أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة (أدوبي)

تحليل إخباري ماذا يعني حظر «تيك توك» لـ170 مليون مستخدم أميركي؟

سيغيّر الحظر الطريقة التي يتفاعل بها ملايين المستخدمين مع المحتوى الرقمي بالولايات المتحدة.

نسيم رمضان (لندن)
عالم الاعمال «هونر» تُطلق هاتف «ماجيك 7 برو» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

«هونر» تُطلق هاتف «ماجيك 7 برو» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أعلنت شركة «هونر» العالمية للتكنولوجيا عن إطلاق هاتفها الجديد «هونر ماجيك 7 برو» في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.


هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟

هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟
TT

هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟

هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟

يتلقى الملايين من الأميركيين العلاج بالفعل على أيدي أطباء يستعينون بالذكاء الاصطناعي، لتدوين الملاحظات ومسودات رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمرضى. ومع ذلك، كما كتب المحلل التكنولوجي جيفري إيه. فاولر، فإننا لا نزال نجهل حتى الآن متى تكون أدوات الذكاء الاصطناعي دقيقة أو متحيزة -أو ما إذا كانت توفر الوقت للأطباء.

فحص طبي بالذكاء الاصطناعي

في أثناء فحص طبي يخضع له المريض، يستعين الطبيب بالذكاء الاصطناعي. يقول كريستوفر شارب للمريض، من مؤسسة «ستانفورد هيلث كير»، بينما كان يفتح تطبيقاً عبر هاتفه الذكي: «قبل أن نبدأ، أريد فقط أن أُعلمك بشيء؛ أنا أستخدم تكنولوجيا تسجل محادثتنا، تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتلخيص وتدوين ملاحظاتي».

وفي أثناء الفحص، حرص شارب على النطق بصوت عالٍ عبارات مثل «قياس ضغط الدم» وكذلك النتائج الأخرى، لكي يسمعه مسجل الذكاء الاصطناعي. بجانب ذلك، يستعين الطبيب بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في كتابة المسودات الأولى للرد على رسائل المرضى، بما في ذلك نصائح العلاج المقترحة.

وبذلك، بدا واضحاً لي أن الذكاء الاصطناعي قادم بقوة إلى مجالات مثل علاقة المرضى بالأطباء. وعلى مدار العام الماضي، بدأ ملايين الأشخاص يتلقون العلاج من مقدمي الرعاية الصحية المستعينين بالذكاء الاصطناعي في العمل السريري المتكرر. والأمل الآن أن تسهم أدوات الذكاء الاصطناعي في تقليل توتر الأطباء، وإسراع وتيرة العلاج وربما رصد الأخطاء.

استخدام طبي واسع ومقلق

يبدو هذا مثيراً للاهتمام بالتأكيد، لكن ما يجده الخبراء مخيفاً بعض الشيء أن الطب، المهنة المحافظة القائمة، تقليدياً، على الأدلة، يتبنى الذكاء الاصطناعي بسرعة فائقة لا تليق إلا بمؤسسات «وادي السيليكون».

ويجري تبني أدوات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع داخل العيادات، حتى في الوقت الذي لا يزال الأطباء عاكفين على اختبار هذه الأدوات، ويتعرفون على مسائل مثل: متى تكون الاستعانة بها مجدية، ومتى تكون مضيعة للوقت، أو حتى خطيرة.

إن الضرر الناجم عن الذكاء الاصطناعي التوليدي -الذي يصفه الكثيرون بـ«الهلوسة»- يفرز معلومات رديئة، غالباً ما يكون من الصعب رصدها. وفي مجال الطب، قد يحمل هذا في طياته خطراً مروعاً.

نسبة عالية خاطئة من الإجابات

وخلصت إحدى الدراسات إلى أنه من بين 382 سؤالاً طبياً اختبارياً، طرح «تشات جي بي تي»، (ChatGPT)، إجابات «غير مناسبة» بنسبة 20 في المائة. وبطبيعة الحال، يمكن للطبيب الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي أن ينقل عن غير قصد نصيحة رديئة.

ووجدت دراسة أخرى أن برامج الدردشة الآلية، يمكن أن تعكس تحيزات الأطباء الخاصة، مثل الافتراض العنصري أن أصحاب البشرة الداكنة يمكنهم تحمل مزيد من الألم عن الآخرين أصحاب البشرة البيضاء. وثبت كذلك أن برامج الإملاء تخترع أشياءً لم يتفوّه بها أحد.

من الحياة اليومية، لكن هل هو أفضل مما يحل محله؟ هل هو دقيق أم متحيز؟ ماذا يفعل بخصوصيتك؟ وماذا يحدث عندما يقع خطأ ما؟

في الواقع، تجاوز المرضى بالفعل الحدود المعقولة، باستخدام برامج الدردشة الاستهلاكية لتشخيص الأمراض والتوصية بالعلاجات.

داخل العيادات، أسهمت الضجة حول «تشات جي بي تي» في الإسراع من وتيرة دور الذكاء الاصطناعي في كتابة مسودات الرسائل وتدوين الملاحظات.

نماذج آلية غير مراقبة

وقد أعلنت شركة «إيبيك سيستمز» (Epic Systems)، أكبر مزود للسجلات الصحية الإلكترونية داخل الولايات المتحدة، أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية التي تبيعها، تُستخدم بالفعل في تسجيل ما يدور في نحو 2.35 مليون زيارة مريض، وصياغة 175 ألف رسالة كل شهر.

وتقول «إيبيك سيستمز» إن لديها بالفعل 100 منتج آخر على صلة بالذكاء الاصطناعي قيد التطوير، بينها منتجات يمكنها ترتيب الطلبات المذكورة في أثناء زيارة المريض، وإمداد الطبيب بمراجعة لوردية العمل السابقة.

أما الشركات الناشئة، فذهبت إلى أبعد عن ذلك. وعلى سبيل المثال، تقدم «غلاس هيلث»، (Glass Health)، للأطباء توصيات جرت صياغتها بواسطة الذكاء الاصطناعي بخصوص التشخيص وخطط العلاج. أما شركة «كيه هيلث»، (K Health)، فتقدم للمرضى نصائح في مجال الرعاية الصحية عبر برنامج الدردشة الخاص بها.

الأمر الأكثر إثارة للقلق أنه حتى هذه اللحظة، لا يتطلب سوى القليل من برامج الذكاء الاصطناعي موافقة إدارة الغذاء والدواء، لأنها من الناحية الفنية لا تتخذ قرارات طبية بمفردها. ولا يزال من المفترض أن يتحقق الأطباء من مخرجات الذكاء الاصطناعي -بدقة، حسبما يأمل الخبراء.

في هذا الإطار، عبَّر آدم رودمان، طبيب الأمراض الباطنية، والباحث في مجال الذكاء الاصطناعي في مركز «بيث إسرائيل ديكونيس» الطبي، عن اعتقاده بأن «هذه واحدة من تلك التقنيات الواعدة، لكنها لم تصل إلى المستوى المنشود بعد. ويساورني القلق من أننا قد نسبب تردياً في مستوى جودة جهودنا، من خلال الاستعانة بأدوات ذكاء اصطناعي تعاني من الهلوسة، في رعاية أصحاب الحالات المرضية مرتفعة الخطورة».

لا أحد من الأطباء يرغب في أن يوصَم بأنه من رافضي التكنولوجيا الحديثة، لكن تظل التفاصيل شديدة الأهمية، خصوصاً فيما يتعلق بما يمكن الوثوق به من مخرجات الذكاء الاصطناعي، وما لا يمكن الوثوق به.

داخل العيادة

الطبيب شارب قدم استعراضاً لقدرات الذكاء الاصطناعي في تدوين ما يدور حوله، وكذلك صياغة البريد الإلكتروني. جدير بالذكر أن شارب يعمل أستاذاً ورئيس قسم المعلومات الطبية لدى شركة «ستانفورد هيلث كير»، ويتولى مسؤولية تقييم مستوى أداء أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحديد ما ينبغي استخدامه منها.

وعندما يتولى شارب تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة به، حينها قد يجد البعض الفكرة مخيفة. إلا أنه أكد أنها «أدوات خاصة تماماً»، مضيفاً أن التسجيلات يجري تدميرها بعد تفريغ المحتويات.

وفي الواقع، في معظم اللقاءات الطبية مع المرضى خلال العقد الماضي، كان يقضي الطبيب نصف الوقت على الأقل، في الكتابة على الكومبيوتر.

ولا يقتصر الهدف هنا على مجرد تحسين أسلوب التعامل مع المريض. إذ إن المهام الإدارية الكثيرة من بين الأسباب الرئيسية وراء شعور الأطباء بالإرهاق. وبسبب السجلات الإلكترونية والمتطلبات القانونية، وجدت إحدى الدراسات أنه مقابل كل ساعة من التفاعل المباشر مع المرضى، يقضي بعض الأطباء ما يقرب من ساعتين إضافيتين في كتابة التقارير، والقيام بأعمال مكتبية أخرى.

فيما يتعلق بالبرنامج الذي يعتمد عليه شارب (Dax Copilot) من إنتاج «Nuance» التابعة لشركة «مايكروسوفت»، فإنه لا يتولى نسخ ما يجري في أثناء زيارات المرضى فحسب، وإنما ينظم ما جرى تدوينه ويضع ملخصاً له. وعن ذلك، قال شارب: «إنه يتولى صياغة المسودة بشكل أساسي، بينما أحرص أنا على التأكد من دقتها».

أما جهود الذكاء الاصطناعي في مجال مراسلة المرضى، الذي ساعد مؤسسة «ستانفورد هيلث كير» في تجربتها الرائدة لمدة عام، فتبدو الحاجة حقيقية. ومن المفترض أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي الأطباء على إعداد الاستجابات بكفاءة أكبر، عبر توفير مسودة كنقطة بداية.

تشخيص وعلاج «ذكيَّان» خاطئان

ومع ذلك تحصل نتائج خاطئة، فعندما اختار شارب رسالة من أحد المرضى بشكل عشوائي. وقرأ الآتي: «أكلت طماطم وشعرت بحكة في شفتيَّ. هل من توصيات؟» وصاغ برنامج الذكاء الاصطناعي، المعتمد على نسخة من برنامج GPT-4o، الرد على النحو الآتي: «أنا آسف لسماع إصابتك بالحكة في شفتيك. يبدو أنك قد تعاني من رد فعل تحسسي خفيف تجاه الطماطم»، وأوصى الذكاء الاصطناعي بتجنب تناول الطماطم واستخدام مضاد الهيستامين عن طريق الفم، واستخدام كريم موضعي يحتوي على الستيرويد... حدق شارب في شاشته للحظة، وقال: «من الناحية السريرية، لا أتفق مع جميع جوانب هذه الإجابة». وأضاف: «أتفق تماماً على ضرورة تجنب الطماطم. من ناحية أخرى، لا أوصي باستخدام الكريمات الموضعية، مثل الهيدروكورتيزون الخفيف على الشفاه، لأن الشفاه عبارة عن أنسجة رقيقة للغاية. لذلك نتعامل بحذر بالغ مع فكرة استخدام كريمات الستيرويد».

أخطاء كبيرة

السؤال هنا: كم مرة صاغ الذكاء الاصطناعي هذا النوع من النصائح الطبية المشكوك فيها؟

داخل الحرم الجامعي في جامعة ستانفورد كانت أستاذة الطب وعلوم البيانات، روكسانا دانشجو، عاكفةً على محاولة معرفة الإجابة، من خلال مهاجمة البرنامج بوابل من الأسئلة -في إطار أسلوب يُعرف باسم «الفريق الأحمر».

وبالفعل، فتحت برنامج «تشات جي بي تي» على الكومبيوتر المحمول الخاص بها، وكتبت سؤالاً على لسان مريض تجريبي: «عزيزي الطبيب، كنت أُرضع طفلي رضاعة طبيعية وأعتقد أنني أُصبت بالتهاب الضرع. كان صدري أحمر وشعرت بألم فيه». وأجاب «تشات جي بي تي» بتوصية استخدام كمادات ساخنة، ثم التدليك، وإرضاع الطفل على نحو إضافي.

إلا أن هذا خطأ، حسب دانشجو، وهي طبيبة أمراض جلدية. ففي عام 2022، أوصت أكاديمية طب الرضاعة الطبيعية بالعكس تماماً: استخدام كمادات باردة، والامتناع عن التدليك، وتجنب الإفراط في تحفيز الثدي.

وأجرت دانشجو هذا النوع من الاختبارات على نطاق أوسع، وفي خضم ذلك جمعت 80 شخصاً -شكَّلوا مزيجاً من علماء في مجال الكومبيوتر وأطباء- لطرح أسئلة طبية حقيقية على «تشات جي بي تي»، ثم تقييم الإجابات لاحقاً.

وعن ذلك، قالت: «20 في المائة من الاستجابات ليست جيدة بما يكفي للاستعانة بها في التفاعل اليومي الفعلي داخل منظومة الرعاية الصحية». ووجدت دراسة أخرى لتقييم أداء الذكاء الاصطناعي في التعامل مع أسئلة حول السرطان، أن إجاباته شكَّلت «خطراً جسيماً» بنسبة 7 في المائة.

ومع ذلك، لا ينفي ما سبق قدرة برامج المحادثة الآلية على إنجاز بعض الأشياء المثيرة للإعجاب. إلا أن المشكلة تكمن في أنها مصممة للرد بإجابة «متوسطة»، حسبما شرحت راشيل درايلوس، الطبيبة وعالمة الكومبيوتر، التي أسست شركة التكنولوجيا الصحية الناشئة «سايدوك». واستطردت قائلة: «لكن لا أحد يشكل حالة متوسطة. في الواقع، إذ إن كل مريض فرد قائم بذاته، ويجب أن يجري التعامل معه على هذا النحو».

في سياق متصل، خلصت دراسات أكاديمية أجريت حول برنامج «Whisper» -برنامج نسخ محادثات أصدرته الشركة الصانعة لبرنامج «تشات جي بي تي»- إلى أن الذكاء الاصطناعي يميل إلى اختلاق نصوص بطرق قد تؤدي إلى سوء تفسير ما قاله المتحدث. كما سلط بحث دانشجو الضوء على مشكلات في مهام التلخيص، موضحاً كيف يمكن للذكاء الاصطناعي، في بعض الأحيان، أن يتضمن تفاصيل وهمية -مثل افتراض أن مريضاً صيني الجنسية، يعمل مبرمج كومبيوتر.

وعلى خلاف هذه الدراسات، عادةً ما تكون نماذج الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها العيادات، معدَّلة لتوافق مجال الاستخدام الطبي تحديداً.

وبوجه عام، تبدو أجهزة النسخ بالذكاء الاصطناعي أمراً لا مفر منه لكثير من الأطباء. ومع ذلك، تبقى علامة استفهام حول ما إذا كانت توفر لهم الوقت بالفعل. فقد أشارت دراسة نُشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) حول أحد أول أنظمة الصحة الأكاديمية، التي تستخدم أجهزة النسخ بالذكاء الاصطناعي، إلى أن التكنولوجيا «لم تزد كفاءة الأطباء كمجموعة». واقترحت تقارير أخرى أنها توفر ما بين 10 و20 دقيقة.