الفنان الأردني أيمن تيسير يغني لفلسطين ويبكي أطفال غزة

ضمن البرنامج الرمضاني لمهرجان جرش 2014

مطربة الأوبرا إيمان عبد الغني تشدو بأغنيات ليلى مراد ووردة (بترا)
مطربة الأوبرا إيمان عبد الغني تشدو بأغنيات ليلى مراد ووردة (بترا)
TT

الفنان الأردني أيمن تيسير يغني لفلسطين ويبكي أطفال غزة

مطربة الأوبرا إيمان عبد الغني تشدو بأغنيات ليلى مراد ووردة (بترا)
مطربة الأوبرا إيمان عبد الغني تشدو بأغنيات ليلى مراد ووردة (بترا)

تواصلت الأمسيات الغنائية والطرَبية ضمن أمسيات مهرجان جرش 2014 والمقامة في المركز الثقافي الملكي، حيث أحيا الفنان الدكتور أيمن تيسير حفلا تميز بالجدية وطاف الحزن على قاعة العرض وبخاصة بعد أن غيّر الفنان تيسير برنامجه ليتناسب مع ظروف العدوان الإسرائيلي على غزة.
واختار مجموعة من الأغنيات والقصائد المناسبة لهذا الظرف، وتفاعل معه الجمهور الذي بات يحفظ أغانيه ويحرص على متابعتها، في أي مكان يحلّ فيه «تيسير}. وضجت القاعة بالتصفيق حين كان يردد الله أكبر في أغنية «قُل للمليحة}، في إشارة واضحة إلى ما يجري من قتل وتدمير لأبناء وقطاع غزة. شاركه بالعزف فرقة مكونة من: يعرب سميرات (كمان)، وليث سليمان (ناي)، وعبد الحليم الخطيب (قانون)، ومحمد خليل (أورغ)، ولؤي قمرجيان (غيتار)، ومنذر جابر (باص) وحمودة مغربي (طبلة) وأحمد الجراح (رقّ)، وعوّاد عوّاد (إيقاع).
استهل أيمن تيسير حفله الغنائي، بأغنية عبد الحليم حافظ «صافيني مرة}، والتي كتبها الشاعر سمير محجوب ولحنها الموسيقار محمد الموجي وغناها العندليب الأسمر في «حديقة الأندلس} لأول مرة وكانت هذه الأغنية التي شهرته ولقد غناها في فيلم أيام وليالي عام (1955). ومن كلماتها «صافيني مره وجافيني مَرّه، ولا تنسانيش كدا بالمره. كنا سوى قلبين الحب جمع شملنا، والعين تقول للعين احنا اختلقنا لبعضنا». تلاه بعزف على «النّاي»، ليردد أيمن تيسير بعدها قصيدة الشاعر «قيس بن الملوّح} وعنوانها «لو كان لي قلبان}.
ومن الشاعر العربي القديم ابن الملوّح إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، حيث قدم أيمن تيسير قصيدة «مُضْناك جفاه مرقده} التي غناها محمد عبد الوهاب. ومن بين القصائد «هرب» الفنان تيسير «غنائيا} إلى لون آخر، فقدم أغنية وديع الصافي «لاعيوني غريبة ولا صوتي غريب.. ضيّعني الهوى.. ضيّعني حبيبي}.
ثم يفصل «القانون» بنقراته الجميلة بين الفقرات، ليعود أيمن تيسير ويقدم رائعة الموسيقار محمد عبد الوهاب «النهر الخالد» من كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل. والتي يقول فيها: «مسافر زاده الخيال.. والسحر والعطر والظلال.. ظمآن والكأس في يديه.. والحب والفن والجمال.. شابت على أرضه الليالي.. وضيّعت عمرها الجبال.. ولم يزل ينشد الديارا.. ويسأل الليل والنهارا}. وهنا يأتي «نحيب} النّاي، قبل أن يُكمل أيمن تيسير وصلته برائعة صباح فخري «قُل للمليحة} من شعر مسكين الدارمي.
بعدها غنى أيمن تيسير «ابعث لي جواب» من كلمات الأندلسي حسام الدين الخطيب، وألحان بكر الكردي وهي للمطرب صباح فخري. ومنها: «ابعتلي جواب.. وطمّني.. ولو أنه عتاب.. لا تحرمني».
وتحضر «غزة»، ويغني لها أيمن تيسير من كلمات عوني قدورة قصيدة بعنوان «ماذا بغزة يا أبي} وتشاركه الحوارية ابنته «نادين». وسبق للفنان تيسير أن قدمها أثناء العدوان على غزة عام 2010. وتبدأ الحوارية بصوت نادين: «ماذا بغزة يا أبي. قل لي إني لخائفة على أهلها».
ويرد عليها الأب «..في غزة حرب على قيم الحياة جميعها. حرب تُشنّ على الطفولة والبراءة والنقاء والابتسام.. حرب لها هدف وحيد.. إنه التدمير للتدمير والقتل».
من جانب آخر قدمت الفنانة المصرية إيمان عبد الغني في أمسية أخرى من أمسيات مهرجان جرش ضمن البرنامج الرمضاني لمهرجان جرش 2014، بمرافقة فرقة عشاق النغم بقيادة المايسترو محمد عبد الستار، جاءت في إطار مسيرتها الفنية الغنية بتقديم الأغاني الطربية، وقدمت برنامجا ذكيا، بحيث تستعرض فيه مجموعة من كبار الأسماء، بمجموعة من الأغاني، فكانت البداية مع وردة الجزائرية بتقديم «كوكتيل»، تجولت فيه ببستان الأغاني، واختارت لهم مقاطع منتقاة من أغانيها، تتنقل ما بين «وحشتوني} و{اسمعوني} و{مستحيل} و{لولا الملامة} و{تلامس أوراق الورد}، و{بلاش تفارق}، هذه الأغاني التي تحتاج إلى صوت قادر ومتمكن، حتى يستطيع الدخول في الأغنية والخروج منها إلى أغنية جديدة، بهذه السلاسة والعذوبة، والإحساس الحاضر الذي يغلف المفردات ويعبر عنها. وبالطبع فإن ليلى مراد حاضرة من خلال أغنية أنا قلبي دليلي، وهي من الأغاني الرومانسية والفنان إيمان تمتلك الصوت الذي يؤهلها لأداء أغنية تضج بالحياة والأمل، والتماهي مع الإيقاع المتغير، والتعبير في الصوت بالتنقل ما بين الرقة والقوة، والحلم والفرح، والعذوبة والأنوثة، وبما يليق بجمال اللحن، ونعومة المفردة.
ومن الأغاني التي قدمتها أم كلثوم لفيلم «رابعة العدوية» كانت أغنية «حانة الأقدار} وقد أدتها الفنانة إيمان بما يتناسب مع المعنى المزدوج للمفردات، التي يمكن فهمها بأكثر من اتجاه، حيث العشق الإلهي والحب الدنيوي.
بعد ذلك تنقلت ما بين غناء أهم نجوم الزمن الجميل، فقدمت أغنية «بيت العز} للفنانة فايزة أحمد و{انت الحب} لأم كلثوم، ومن تراث الموسيقار فريد الأطرش قدمت أغنية «أحبابنا ياعين} وأغنية «أنا بعشقك} لميادة الحناوي، وختمت برائعة أم كلثوم «القلب يعشق كل جميل}. وقالت إيمان عبد الغني حول مشاركتها في المهرجان» إن مهرجان جرش أحد أهم المهرجانات العربية، «فرض نفسه بقوة من خلال برنامجه الغني بالتنوع، واحتضانه للإبداعات الإنسانية، وأنا سعيدة بهذه المشاركة، وأشكر إدارة المهرجان الحريصة على تقديم ما هو مميز وحقيقي وراق ضمن برامج المهرجان}.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».