ترمب ينتظر رسالة من كيم... ومتفائل

غرد ساخراً عن سجن مستشاره السابق: «14 يوماً بـ28 مليون دولار... مليونان عن كل يوم»

الرئيس ترمب خلال حملة تبرعات في داكوتا (أ.ب)
الرئيس ترمب خلال حملة تبرعات في داكوتا (أ.ب)
TT

ترمب ينتظر رسالة من كيم... ومتفائل

الرئيس ترمب خلال حملة تبرعات في داكوتا (أ.ب)
الرئيس ترمب خلال حملة تبرعات في داكوتا (أ.ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه متفائل جداً بخصوص نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وإنه ينتظر رسالة «شخصية وإيجابية» جديدة من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وقال ترمب للمراسلين على متن الطائرة الرئاسية: «أعلم أن رسالة في طريقها إليّ؛ رسالة شخصية لي من كيم جونغ أون تم تسليمها عند الحدود»، مضيفاً: «أعتقد أن الرسالة ستكون إيجابية»، تفيد بأن مفاوضات لا تزال قائمة بعد أسابيع من توقفها.
كما أوضح أن كيم أدلى بتصريح «إيجابي للغاية» بشأنه، وقال: «كان بياناً إيجابياً للغاية، ما قاله عني. لم يكن هناك أبدا بيان أكثر إيجابية». واتهم الإعلام بعدم تغطية المسألة؛ قائلا: «بصراحة لم أرَ الموضوع على صفحاتكم الأولى». وأشاد ترمب بالتقدم الذي تم تحقيقه مع بيونغ يانغ منذ قمة سنغافورة، مضيفا: «لقد استعدنا رهائننا. لقد قلت ذلك مئات المرات: لم يعد هناك إطلاق صواريخ أو تجارب نووية. لكن فلنرَ ماذا سيحدث».
وجدد كيم الخميس الماضي التزامه بهدف نزع السلاح النووي في محادثاته مع مبعوث خاص من سيول قبيل قمة ستجمعه مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن في بيونغ يانغ من 18 إلى 20 سبتمبر (أيلول) الحالي. ونقلت الوكالة الرسمية عن كيم قوله: «يتعين على الشمال والجنوب مواصلة جهودهما لتحقيق نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية». كما أعرب كيم عن استمرار ثقته في ترمب، وفقا لمبعوث سيول، الأمر الذي دفع بالرئيس الأميركي إلى شكر الزعيم الكوري الشمالي، وتعهده «تحقيق الهدف معا».
ونقل مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي شونغ أوي يونغ الذي التقى كيم، عن الزعيم الكوري الشمالي تأكيده أن «ثقته بترمب لم تتغير»، وهذا التعليق كان الدافع وراء تغريدة الرئيس الأميركي. وأضاف شونغ أن كيم أعرب عن نيته العمل في وقت وشيك مع الولايات المتحدة لتحقيق نزع السلاح النووي «في الولاية الرئاسية الرسمية الأولى للرئيس ترمب»، التي تنتهي في يناير (كانون الثاني) 2021.
وكان ترامب ألغى في أواخر أغسطس (آب) الماضي زيارة مقررة لوزير خارجيته مايك بومبيو إلى بيونغ يانغ بسبب غياب تقدم في مسألة نزع السلاح النووي للشمال. إلا إن العلاقات تحسنت على ما يبدو منذ ذلك الحين. كما انتقد ترامب الصين بأنها لا تساعد في الجهود لإقناع بيونغ يانغ بالعدول عن برنامجيها النووي والباليستي. غير أن بومبيو عبر عن موقف أكثر واقعية خلال تصريحات صحافية في نيودلهي الخميس الماضي، مرحبا بقرار بيونغ يانغ عدم إجراء أي تجارب نووية أو صاروخية منذ يونيو (حزيران) الماضي، مضيفا في الوقت نفسه أن أمام كيم كثيرا من العمل الذي ينبغي القيام به. وقال بومبيو للصحافيين في نيودلهي إن كوريا الشمالية «هي الدولة الوحيدة التي لديها التزامات بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي». وأوضح: «هناك قدر هائل من العمل الذي يتعين القيام به. لم تحدث تجارب نووية... لم تحدث تجارب صاروخية... وهو ما نعدّه أمرا عظيما». وتدارك: «لكن مساعي إقناع الرئيس كيم بالقيام بالتحول الاستراتيجي الذي تحدثنا عنه، من أجل مستقبل أكثر إشراقا لشعب كوريا الشمالية، مستمرة».
ومن جانب آخر، حكمت محكمة فيدراليّة أول من أمس على جورج بابادوبولوس، المستشار الدبلوماسي السابق للرئيس ترمب، بالسجن 14 يوماً بسبب كذبه في التحقيق حول التواطؤ المحتمل في عام 2016 بين موسكو وفريق حملة المرشّح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية. كما تمّ فرض غرامة قدرها 9500 دولار على بابادوبولوس البالغ من العمر 31 عاماً، والذي أقرّ في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بأنه قدّم شهادة كاذبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي). وشمل الحكم أيضاً إفراجاً مشروطاً مدّته سنة مع تأدية خدمات مجتمعية. وقال بابادوبولوس في قاعة المحكمة: «كنت صغيراً وطموحاً. لقد ارتكبت خطأ كبيراً كلّفني الكثير، وأشعر بالخجل من ذلك». وتُعدّ العقوبة التي حكمت بها المحكمة خفيفة نسبياً، وأوضح القاضي أنه أخذ في الاعتبار «الندم الصادق» الذي عبّر عنه بابادوبولوس الذي كان قد أخفى عن المحقّقين حقيقة اجتماعاته مع مبعوثين روس قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
وكان بابادوبولوس أول مستشار لترمب يوافق على التعاون مع فريق المحقّق الخاص روبرت مولر الذي يُحقّق في التدخّل الروسي في انتخابات الرئاسة عام 2016. وعلّق الرئيس الأميركي على «تويتر» ساخراً: «14 يوماً بـ28 مليون دولار. مليونان (دولار) عن كلّ يوم»، وذلك في إشارة منه إلى التكلفة التقديرية للتحقيق الذي يجريه مولر. وأضاف ترامب: «ليس هناك تواطؤ. يوم كبير لأميركا».
وكان جورج بابادوبولوس قد انضمّ إلى فريق المرشّح الجمهوري في مارس (آذار) 2016، مع خبرة شهرين فقط في فريق السناتور بن كارسون خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وبسرعة كبيرة، وجدَ نفسه على اتصال مع مبعوثين من روسيا.
وقال محاميه توماس برين: «كان عديم الخبرة وساذجاً وغبيّاً... ولم يكن يعرف أنّ (شخصاً) محنّكاً تلاعب به».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟