«كتاب مبتدئون» يتصدرون مرشحي جائزة «غونكور» وخروج «كتاب كبار»

بينهم المغربية مريم علوي

TT

«كتاب مبتدئون» يتصدرون مرشحي جائزة «غونكور» وخروج «كتاب كبار»

كشف أعضاء أكاديمية جائزة غونكور عن القائمة الأولى للكتاب المرشحين للجائزة الأدبية الفرنسية الأكثر أهمية وأقل ما يمكن قوله هو أنها جاءت مخالفة تماما لتوقعات النقاد الأدبيين والصحافة المختصة.
الإعلان لم يذع هذا العام من مطعم دروان بحي غاليون الباريسي العريق كالعادة بل من كواليس الدورة الأربعين لمعرض الكتاب الأدبي بمدينة نانسي شمال فرنسا، الموطن الأصلي لمؤسس الأكاديمية إدمون غونكور.
لجنة التحكيم مُكونة من عشرة كُتاب وشخصيات ثقافية منهم الكاتب والإعلامي الشهير برنار بيفو، والكاتب بيار أسولين، فيليب كلودال والكاتب الفرنكوفوني طاهر بن جلول، قدموا قائمة تضم 15 اسما معظمهم كتاب جُدد دخلوا مجال الكتابة منذ مدة قليلة. المفاجأة كانت كبيرة أولاً لأن الكتاب الذين راهن عليهم النقاد أقصوا جميعا من قائمة سعداء الحظ للفوز بالجائزة الأدبية العريقة. لا جيروم فيراري وكتابه الجديد «على صورته» رغم فوزه منذ أيام فقط بجائزة صحيفة لوموند ولا «المراقب» للكاتب الفرنسي كريستوفر بولتانسكي، ولا إميلي نوتومب وروايتها الجميلة «أسماء محايدة بين الجنسين» ولا حتى مايليس دو كيغونغال وروايتها «العالم في قبضة اليد» التي حظيت بإقبال الجمهور وتغطية صحافية واسعة ورغم الثناء النقدي الكبير الذي لقيته كل هذه الأعمال الأدبية أقصيت.
قائمة المرشحين التي أحدثت المفاجأة تضم 15 كاتباً منهم أربع نساء، وكان بيرنار بيفو رئيس لجنة الغونكور قد كشف للصحافة بأن أهم ما ميز المسابقة هذه كون أكثر الأعمال عدداً هي روايات أولى، وقد كان صعباً على اللجنة اختيار المرشحين لأنها كانت جميعها جيدة وذات قيمة أدبية عالية.
الخمس روايات الأكثر حظاً في الفوز بالجائزة حسب التوقعات التي قد لا تصح بالطبع هي تحديداً لكتاب مبتدئين، أهمها رواية ديفيد ديوب «إخوة السلاح» (دار نشر لوسوي) التي هي الرواية الأولى له، وهو أستاذ جامعي ولد في فرنسا لكنه عاش طفولته وأولى سنوات شبابه في السنغال بأفريقيا.
«إخوة السلاح» تحكي قصة «ألفا نداي»، الفلاح السنغالي البسيط المنخرط في صفوف جيش القناصة السنغاليين للمحاربة إلى جانب الجيش الفرنسي إبان الحرب العالمية الأولى، وهو ينقل لنا مشاعر الإنسان المعذب وهو يقتل ويدمر لكي يستمر في العيش. وهي أيضاً قصة صداقة قوية بين شخصين في عالم قاس مليء بمشاعر الحقد والكراهية. ويقول الكاتب بأن فكرة الكتاب جاءته بعد اطلاعه على رسائل جنود فرنسيين من الحرب العالمية الأولى. ودفعه تأثره بهذه الرسائل للبحث عن رسائل الجنود الأفارقة التي وجد بعضها لكن لم يسمح له بالاطلاع عليها مما يجعله يقرر تأليف الرواية للتعبير عن هذه المشاعر بلسان شخصية الفلاح السنغالي.
رواية ديفيد ديوب هذه تحديدا لقيت الكثير من الثناء النقدي، فكتب إليزيبيث باريلي من صحيفة لوفيغارو أن «الكاتب لا يضع في عمله الطيبين أمام الأشرار ولا البيض أمام السود، ولا البراءة أمام الجريمة أو الخيانة بالصداقة، بل إنه يمزج الكل في نفس الأنشودة الإنسانية المربكة». أما موقع «ميديابارت» المتميز فيكتب: «من بين روايات هذا الدخول الأدبي، استطاعت رواية ديفيد ديوب بطبع الواقع بروعتها وقوة طرحها». وقالت صحيفة لومانيتيه عن الرواية بأنها «ذات أسلوب قوي الإيقاع، تقليدي وعصري في نفس الوقت، مليء بالصور القوية والناطقة».
رواية «عصر المشتبه بهم» تحتل هي الأخرى مكانة الصدارة في قائمة مرشحي جائزة الغونكور وهي العمل الثامن للمؤلف جيل مارتان شوفييه مع دار نشر غراسيه. القصة تروي أحداث مقتل شاب من أصول مغاربية في ظروف غامضة، ومن خلال ذلك، يضع الكاتب المجتمع الفرنسي تحت المجهر، ولا سيما حين يتظاهر بالتعاطف مع مآسي الفئات الشعبية بينما هو في الواقع يستغلها لصالح الطبقات الغنية.
وتدور الرواية الأولى للكاتبة البلجيكية الشابة أدولين ديودوني «الحياة الحقيقية» حول مغامرات فتاة تعيش وسط عائلة من الصيادين، وأثارت هي الأخرى الاهتمام، كما رُشحت لأربع جوائز أدبية أخرى منها جائزة رونودو وجائزة فيمينا، وقد لاقت ترحيب الصحافة المختصة حيث كتب الصحافي الناقد برونو كورتي من صحيفة لوفيغارو عن شخصية الرواية بأنها: «بطلة رائعة تجسد الحرية والذكاء».
الكتاب الفرنكفونيون المغاربة مثلتهم هذه السنة الكاتبة المغربية مريم علوي التي تنشر أول رواية أدبية لها مع دار نشر غاليمار العريقة بعنوان: «الحقيقة تخرج من فم الحصان» عن الواقع اليومي الصعب لفئات بسيطة من المجتمع المغربي عبر شخصية «جميعة» التي تتاجر بجسدها من أجل لقمة العيش. إضافة للغونكور رُشحت رواية مريم العلوي لجوائز أخرى مما جعل البعض يراهن عليها للفوز بالجائزة على غرار مواطنتها ليلى سليماني عام 2016.
تألق الروائيين الجدد يستمر مع عمل الكاتبة الشابة إيناس بايار (26 سنة) التي تنشر أول عمل لها مع دار نشر ألبان ميشال المعروفة. تطرح هذه الرواية إشكالية العواقب النفسية والاجتماعية للاغتصاب، عبر الصمت الذي تلجأ له سيدة تعرضت لاعتداء ينتهي بتدمير حياتها وحياة عائلتها في مجتمع يسد أذنيه عن سماع معاناة المرأة. يقول أوليفيه غالي عن الرواية في موقع «ليبريري إديال»: «رواية إيناس مؤثرة لدرجة أني أشعر بقشعريرة كلما أذكرها، الكتابة قوية تجعلنا نعيش الشخصية في كل تفاصيل حياتها ونتألم لآلامها». أما مجلة لوبوان فوصفتها بالرواية الأولى التي «ترى النور تحت ضغط عال».
من الروايات المرشحة أيضاً «يحكى عن سارة» للكاتبة بولين دولابروا دولي وهي كاتبة مبتدئة أيضاً، دانيال بيكولي «تسعون ثانية» عن دار نشر ألبان ميشال، إيريك فوتورينو «سبعة عشر سنة» دار نشرغاليمار، بول غريفياك «آسياد وعبيد» دار نشر غاليمار، نيكولا ماتيو «أولادهم بعدهم» دار نشر أكت سود وتوماس ريفيردي «شتاء الغضب» دار نشر فلاماريون. علما بأن دار نشر غاليمار كانت الأكثر حظاً حيث إنها قدمت ثلاثة مرشحين لهذه القائمة بينما اكتفى الناشرون الآخرون أمثال ألبان ميشال، غراسيه وفلامريون بمرشحين أو حتى مرشح واحد.
وبما أن شهر سبتمبر (أيلول) هو شهر المسابقات الأدبية في فرنسا فقد أعلنت لجنة جائزة الرونودو عن قائمتها هي الأخرى المكونة من 17 رواية. بعضها كان قد رشح لجائزة الغونكور أيضاً كرواية ديفيد ديوب «إخوة السلاح» ورواية أدولين ديودوني «الحياة الحقيقية» و«عصر المشتبه بهم» لجيل مارتان شوفييه. إضافة لروايات أخرى مثل «القبطان» لأدريان بوسك. هل ستذهب هذه الجائزة الفرنسية العريقة، التي سيعلن عنها يوم السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في باريس، لـ«كاتب أو كاتبة مبتدئة»، فتقذفهما فجأة في قلب الشهرة المدوية، والمال أيضاً، وهما بالكاد يبدآن خطواتهما الأولى في عالم الرواية؟



من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.