إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»

تركيا ماضية بالمفاوضات... وروسيا تستمهل النظام لحسم «معقّد»

إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»
TT

إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»

إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»

قلّص وجود العناصر المتشدّدة في محافظة إدلب، بشمال غربي سوريا، فرص تجنيب المحافظة معركة عسكرية يتأهب لها نظام دمشق وداعموه، وعلى رأسهم موسكو. وفي حين يستمهل الروس بانتظار مبادرة تركية لتجنيب المحافظة المتاخمة لأراضي تركيا معركة عسكرية يرى المعارضون أنها ستكون قاسية، يرغب الطرف الروسي في تجنبها عبر التوصل إلى تسويات «تهندسها» أنقرة، وسط مخاوف الأتراك من أن يتسبب أي هجوم في موجة جديدة من اللاجئين إليها.
طبول الحرب التي يحسم موعدها وسقفها اجتماع طهران الثلاثي، بدأت تُقرع أواخر شهر يوليو (تموز) إثر فشل الجهود لاحتواء تنظيم «جبهة النصرة» الذي ينقسم قياديوه بين جناح مؤيد للانفكاك عن تنظيم «القاعدة» وإعادة التموضع تحت مسميات أقل تشدّداً، وبين جناح آخر مصرّ على التحالف مع «التنظيم الأم». وهذا الواقع منح النظام وداعميه ذرائع إضافية للتحضير لمعركة، على الرغم من أن كل التقديرات تشير إلى أن حل معضلة إدلب لن يكون عسكرياً أو سياسياً، بل عبر المقاربتين معاً.
ووفق المتابعين، تمثل حالة «النصرة»، العقدة الأبلغ في ملف التوصل إلى تسوية في إدلب، لسببين: الأول، يجسده فشل الجهود لتحييدها عن «القاعدة» على ضوء الانقسامات الداخلية بين المقاتلين السوريين وآخرين ينتمون عضوياً إلى «القاعدة» ويؤتمرون منها. والآخر، يتمثل في الفشل بإدخال العناصر ضمن تنظيم جديد أقل تشدّداً غير مرتبط بـ«القاعدة»، هو «الجبهة الوطنية للتحرير» التي انضمت إليها فصائل من «الجيش السوري الحر»، وهنا يقول خبراء إن تركيا أنشأت هذه «الجبهة» بالذات لفصل المقاتلين المتشدّدين عن المقاتلين المعتدلين.

يمضي النظام السوري في الاستعداد لمعركة محدودة في ريف محافظة إدلب في شمال غربي سوريا. ولقد تمكن النظام من إعادة فتح طريق حمص – حلب الدولية، وتأمين مناطق حيوية للنظام في محافظتي حماة واللاذقية، وسط تقديرات بأن يكون «الجيش السوري الحر» هو المتضرّر الأكبر من العملية التي تتضارب المعلومات حول موعد انطلاقتها، والتي لن تؤثر على «جبهة النصرة» الموجود ثقله في شمال المحافظة.
محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها هي آخر منطقة كبيرة خاضعة للمعارضة المسلحة. وتُعد معركة إدلب آخر أكبر معارك النزاع السوري، بعدما انحصر وجود مسلحي المعارضة في محافظة إدلب ومناطق محدودة محاذية لها، وعلى ريف محافظة حلب الشمالي، حيث تنتشر قوات تركية. ويقدر عدد المسلحين المعارضين في إدلب بأكثر من 30 ألف مقاتل، يتصدرهم «النصرة» وحلفاؤه بنحو 10 آلاف مقاتل، في حين يتبع الآخرون فصائل المعارضة السورية، وهم بمعظمهم معتدلون، كانوا موجودين في أرياف حلب وحماه وإدلب، قبل أن ينقل النظام السوري آلافاً آخرين إلى إدلب من الجنوب وريف دمشق وحمص إلى المحافظة الواقعة في شمال غربي سوريا.
بيد أن الحل لمعضلة إدلب، الذي سيأتي على مراحل، لن يكون – على الأرجح – حلاً عسكرياً أو أمنياً على غرار المقاربة التي اتبعتها روسيا أو التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب تجاه «داعش». والسبب أن إمكانية احتواء «النصرة» وإعادة تأهيله، تعد أكثر سهولة، ذلك أن معظم المقاتلين في صفوف «النصرة» هم من السوريين، وتتراوح نسبتهم بين 70 و80 في المائة، بحسب ما يقوله الدكتور هشام جابر، رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات» في العاصمة اللبنانية بيروت.
جابر قال لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه، إن «الغالبية العظمى من (داعش) هم أجانب؛ ما صعّب عملية احتوائهم، خلافاً لمقاتلي (النصرة) الذين سيعمل على إعادة تأهيلهم، بينما سيجري ترحيل الأجانب منهم خارج البلاد». ويلفت جابر – وهو عميد ركن متقاعد من الجيش اللبناني – إلى أن العناصر التي سيُعمل على إعادة تأهيلهم «سيُدمجون، وفي النهاية بعد تفكيكهم عن تنظيم القاعدة، سيصار إلى منحهم مقعداً في المفاوضات الأخيرة على مستقبل سوريا». وتابع «حتى الآن، لا يمكن القول إنهم غير إرهابيين، بانتظار تفكيك علاقتهم بالقاعدة، وعندها سيجري حل الملف بأقل الخسائر الممكنة»، مستنداً إلى اعتقاد بأن حل مسألة إدلب «لن يكون عسكرياً أو سياسيا فحسب، بل سيكون بمقاربة تتبع الاثنين في وقت واحد».

- معركة معقّدة
تنظر مصادر عسكرية في المعارضة السورية إلى معركة الشمال على أنها ستكون معقّدة. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» شارحة «الحسم خلال شهر أو اثنين سيكون مستحيلاً، ذلك أن المعركة ستكون عسيرة، وهي مفتوحة على احتمالات عسكرية أكثر تعقيداً مرتبطة بالوجود الجغرافي للعناصر المتشدّدة في ريف اللاذقية غرباً التي يمكن أن تهدد جبل العلويين، كما أنها يمكن أن تهدّد، في ظل قوتها الحالية، مناطق تواجد النظام شرقاَ وجنوباً».
واضح أن النظام السوري يستعجل المعركة، ويسعى لحملة واسعة النطاق، بهدف منع المعارضين من الحصول على أي فرصة «لفرض شروط معينة أو انتزاع امتيازات» يمكن أن يأخذوها بالمفاوضات، كما حصل – وفق النظام – في ريف محافظة حمص الشمالي أو في بعض مناطق محافظة ريف دمشق. وفي المقابل، تستمهل روسيا المعركة بانتظار انتهاء المفاوضات الجارية مع تركيا، التي تعمل من جانبها على خط التسويات وتجنيب المنطقة معركة قاسية. وفي الحالتين، يتوقع أن يكون حسم الاجتماع الثلاثي التركي – الروسي – الإيراني الذي استضافته العاصمة الإيرانية طهران، أمس (الجمعة)، ملف معركة إدلب.
وفي ظل التقديرات بأن «النصرة» يعد العقبة الأكبر؛ إذ تعمل تركيا منذ فترة على تفكيك «النصرة» وفض علاقة هذا التنظيم بتنظيم القاعدة، بحسب مصادر بارزة في المعارضة السورية في الشمال لـ«الشرق الأوسط». وتشير هذه المصادر إلى تشكيل «الجبهة الوطنية للتحرير»، التي تعد أكبر كيان عسكري معارض للنظام في محافظتي حماة (وسط) وإدلب (شمال غرب) وتضم هذه «الجبهة» آلاف المقاتلين. ولقد تضاعف عددها بشكل كبير في مطلع «أغسطس (آب) الماضي، إثر انضمام فصائل «جبهة تحرير سوريا» و«جيش الأحرار» و«صقور الشام» إلى التشكيل الجديد.
ولا ينفي مصدر بارز في الشمال السوري أن تركيا «قطعت شوطاً كبيراً في جهود تفكيك (النصرة) وإعادة دمج عناصره»، بيد أنه أكد لـ«الشرق الأوسط»، أنها «لم تستطع إنهاؤه بعد». وتابع المصدر «نحن أمام وضع جديد لـ(النصرة)، بعد انسحابه من أكثر من 400 قرية في وقت سابق، وتركز وجوده في شمال المحافظة... لكن الوضع ليس الوضع المثالي بعد، بالنظر إلى أن عملية تكييفه ودمج عناصره هي الحلقة الأصعب؛ كونه مرتبطاً بملف (المسلحين) الأجانب وحل التنظيم نهائياً»، واستطرد مشيراً إلى أن التنظيم المتشدد «لن يحل كيانه إلا إذا أحس بأنه معرّض للفناء بالكامل». ثم أردف «إنجاز عملية كاملة في هذا الوقت غير متاح وغير ممكن؛ ما يعني أن (النصرة) ستكون لديه القدرة على البقاء، حتى أشهر إلى الأمام على الأقل، ولن يكون معرّضاً لهجمات؛ كون عملية النظام بعيدة عن مواقع وجوده في الشمال، بينما سيكون (الجيش الحر)، وتحديداً (جيش العزة) هو الأكثر تضرراً من العملية المزمع القيام بها؛ لأنه موجود في مناطق جنوب المحافظة».
بدوره، يقول العميد الركن الدكتور جابر، إن تركيا «ترفض الخيار العسكري من جانب واحد، وهي التزمت التوصل إلى الحل السياسي عبر فكفكة «هيئة تحرير الشام» وسحب الفصائل عن (الجبهة) لتبقى وحدها، بالنظر إلى أن (النصرة) هو الفصيل الوحيد الرافض لحل سياسي». ويشير إلى أن تركيا «اقترحت حلولاً عدة، بينها استحداث (الجبهة الوطنية) على أمل أن يفك عناصر (النصرة) ارتباطهم بـ(القاعدة)، والانضمام إلى فصيل سوري معتدل يمكن ضبطه».

- لا إدلب ثانية
جدير بالذكر، أن محافظة إدلب شكّلت لسنوات ملجأ لنازحين فروا من المعارك والقصف، ولمقاتلين معارضين أجبروا على الانتقال إليها بعد رفضهم «اتفاقات تسوية» مع النظام السوري في مناطق كانوا يسيطرون عليها. وبمرور الوقت، ازدادت الكثافة السكانية في المحافظة تدريجياً، وبات يعيش فيها، بالإضافة إلى مناطق سيطرة المعارضة المحدودة في محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية لها، نحو ثلاثة ملايين شخص نصفهم من النازحين. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016، حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا من أن «إدلب ستصبح حلب أخرى». وفي هذه الإطار، أطلقت تركيا مفاوضات مع «هيئة تحرير الشام» – التي ضمت فصائل عدة، بينها «النصرة» – يهدف إلى تفكيك الأخيرة، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان». ومن ثم، طالب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بدوره بألا تعمد الدول الغربية إلى «عرقلة عملية مكافحة الإرهاب» في إدلب.
في هذه الساعات الحرجة، بعد اجتماع طهران، ينتظر الجميع جهود حل المعضلة من دون شن عملية عسكرية تترك تداعيات إنسانية، أنه لا توجد «إدلب ثانية» يمكن ترحيل المقاتلين الرافضين للتسويات إليها. وهنا نذكر أنه في ظل المساعي التركية، تراجعت العمليات العسكرية لنحو ثلاثة أسابيع عملاً باتفاق هدنة روسي – تركي، مع أن روسيا بعد ثلاثة أسابيع عادت فاستأنفت غاراتها الجوية التي قالت استهدفت مقرات عسكرية للمعارضة في الشمال، وحقق النظام وداعموه تقدماً طفيفاً بريف حماة الشمالي الغربي «للإيحاء بأن الحل العسكري قائم وممكن، وهي مقدمة لمعركة واسعة النطاق». ووفق جابر «عملية تقاسم الأدوار الروسية – السورية – والتركية تتمثل في أن يتابع النظام نشاطه الميداني في ريف محافظة حماة الشمالي، وبينما تتولى تركيا فتح طريف حمص – حلب الدولية، وتواصل مفاوضاتها مع القوات المعارضة لإبعادها عن (النصرة)، توفر روسيا ضمانات بالتسويات إلى جانب تأمين الدعم العسكري الجوي لقوات النظام في حال حازت على ضوء أخضر للانطلاق بالمعركة». ويؤكد جابر، أن روسيا باتت «المايسترو الوحيد في الميدان السوري» من خلال علاقتها مع تركيا وإيران والأكراد وإسرائيل والنظام، بجانب التواصل مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن معضلة إدلب «تتعاطى معها بجدية استناداً إلى تصريحات وزير خارجيتها سيرغي لافروف... وما يظهر أنه بعد نهاية العام لن تكون هناك طلقة واحدة في سوريا».

- معركة على مراحل
غير أن سياق المعركة، لن يكون واسعاً، بل سيأتي على مراحل، كما يرى المعارضون. إذ يقول هؤلاء إنه «إذا ما باشر النظام بالمعركة الآن، فإنه لن يذهب إلى اجتياح كامل، بل ستكون المعركة محدودة بالسيطرة على طريق حمص – حلب الدولية، وستطال جنوب محافظة إدلب المرتبط بشمال محافظة حماة؛ وذلك بغرض تأمين منطقة وسط سوريا الخاضعة لسيطرته، إضافة إلى السيطرة على بلدة جسر الشغور ومحيطها بهدف إبعاد المعارضة عن اللاذقية وتأمين المحافظة الحيوية». والمعروف أن محافظة اللاذقية هي مسقط رأس الأسد، وتوجد فيها قاعدة حميميم، قاعدة روسيا العسكرية الأكبر في سوريا.
وفي ظل «التجاذب» حول «النصرة»، والتمهيد للعمليات العسكرية، تواصلت «التصفيات الداخلية في شمال سوريا بين فصائل الفصائل ومجموعات متطرّفة»، بحسب تعبير مصادر معارضة في الشمال. إذ أفادت هذه الأخيرة بأن موجة الاغتيالات المستمرة «طالت قادة في الفصائل ومسؤولين نافذين في التنظيمات المتطرفة ضمن إطار التصفيات الداخلية ومعارك بسط النفوذ والسيطرة»، لافتة إلى أن المدنيين «يقتلون ضمن هذه الحرب الأمنية».
ويواصل الفلتان الأمني متصاعد الوتيرة منذ 26 أبريل (نيسان) الماضي عبر عمليات اغتيال بعبوات ناسفة وبإطلاق الرصاص، وعن طريق الخطف ورمي الجثث. وحصدت هذه العمليات 294 شخصاً على الأقل ممن اغتيلوا في أرياف محافظات إدلب حلب وحماة. ويوم 20 أغسطس الماضي، قتل ثلاثة عناصر من «الجبهة الوطنية للتحرير» أيضاً، جرّاء إطلاق النار عليهم من قبل مجهولين في بلدة سراقب بريف إدلب الشرقي. كذلك، استهدفت سيارة مفخخة مقراً يتبع لـ«الجبهة الوطنية» في جبل الأربعين بمدينة أريحا؛ ما أدى إلى مقتل عنصر وجرح عدد من المقاتلين. ولم تتبن أي جهة حوادث الاغتيالات أو التفجيرات في اليومين الماضيين.

- مؤشرات لاقتراب المعركة
هذا، وبينما مهد النظام للمعركة المرتقبة بقصف استهدف مناطق واسعة في إدلب، فرّ مئات المدنيين مساء الأربعاء وصباح الخميس من المقيمين في المحافظة باتجاه ريف حلب الغربي وبلدة عفرين الواقعة بأقصى شمال غربي على الحدود مع تركيا؛ وذلك خشية هجوم وشيك لجيش النظام السوري. فلقد فر مئات المدنيين من جنوب شرقي إدلب «بحثاً عن ملاذ في الشمال خوفاً من هجوم وشيك للنظام السوري»، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وأفاد «المرصد» عن حدوث نزوح ليل الأربعاء وصباح أمس من ريف إدلب الجنوبي الشرقي باتجاه ريف حلب الغربي وعفرين الواقعة شمال البلاد على الحدود مع تركيا. وتأتي حركة النزوح بعد استهداف قوات النظام صباح الخميس جنوب شرقي إدلب بقصف مدفعي؛ ما أسفر عن إصابة ستة أشخاص.
من جهة ثانية، أفادت مصادر سورية معارضة لـ«الشرق الأوسط»، بأن النظام أكمل نشر قواته على تخوم الجبهات العسكرية التي ينوي إطلاق الهجوم نحو إدلب منها، وقالت إن «النظام، كما علمنا، أتم استعداداته في ريف اللاذقية الشرقي للهجوم على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، يصل منها إلى جسر الشغور»، إحدى أكبر البلدات في ريف إدلب الغربي. ونقلت معلومات تفيد بأن قوات النظام «تنتظر الأوامر الرئاسية لإطلاق الهجوم»، مشيرة إلى أن النظام «حشد على الجبهات كافة في الشرق والغرب والجنوب وسهل الغاب للانطلاق بهجوم نحو مناطق محررة (خاضعة لسيطرة المعارضة) في أرياف حماة الجنوبي الغربي، وإدلب الشرقي والغربي، وحلب الغربي والجنوبي».
وكانت المعلومات تحدثت عن عمليات تحشيد غير مسبوقة لمعركة من المرجح أن تشارك فيها معظم القوى العسكرية النظامية العاملة على الأرض السورية، بعد استقدام النظام لتعزيزات عسكرية ضخمة، تمثلت بالدفع بعشرات آلاف العناصر من قوات جيشها ومن المسلحين الموالين لها، بمواكبة نحو ألفي مدرعة.

- تحذيرات دولية للروس والنظام... من منطلقات «إنسانية»
حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرئيس السوري بشار الأسد وحليفتيه إيران وروسيا، مطلع الأسبوع الماضي، من شنّ «هجوم متهوّر» على محافظة إدلب؛ متخوفاً من مقتل مئات الآلاف من السكان والمحليين والنازحين اللاجئين إلى المحافظة. وتابع ترمب في تغريدة على موقع «تويتر»، «سيرتكب الروس والإيرانيون خطأً إنسانياً جسيماً بالمشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة. مئات الآلاف من الأشخاص ربما يُقتلون. لا تسمحوا بحدوث هذا!».
وقبل الرئيس الأميركي، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد حذّر في 29 أغسطس الفائت من «الخطر المتنامي بحدوث كارثة إنسانية في حال حصول عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة إدلب». والواقع أن الأمم المتحدة تخشى أن تجبر العملية العسكرية في إدلب 800 ألف شخص على النزوح. ويذكر، أنه خلال زيارة لوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم إلى العاصمة الروسي موسكو أواخر الشهر الماضي، قال المعلم مهدداً، إن «سوريا في المرحلة الأخيرة لتحرير كامل أراضيها من الإرهاب». وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اليوم التالي، أن بلاده تجري مباحثات من أجل إقامة «ممرات إنسانية» لخروج المدنيين في محافظة إدلب. وقبل ذلك، يوم 24 أغسطس، حذّر وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو من أن «الحل العسكري سيسبب كارثة ليس فقط لمنطقة إدلب، وإنما أيضا لمستقبل سوريا»، مضيفاً في الوقت ذاته، أنه من «المهم جداً أن تصبح هذه الجماعات المتطرفة، والإرهابية، غير قادرة على أن تشكل تهديداً». وتطالب روسيا تركيا، صاحبة النفوذ في إدلب، بإيجاد حل لتنظيم «هيئة تحرير الشام» من الممكن أن تتفادى من خلاله هجوماً واسعاً على المحافظة.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.