النظام الحالي في باكستان هو، وفق الوصف الرسمي، «نظام ديمقراطي برلماني اتحادي فيدرالي في دولة دينها الرسمي الإسلام». وكان أول دستور للبلاد قد اعتمد في عام 1956، غير أنه عُطّل وعُلّق العمل به على يد الجنرال محمد أيوب خان عام 1958. ولقد اعتمد أيوب خان بدلاً من الدستور الأول دستوراً ثانياً سُنّ عام 1962. وبعد ذلك في عام 1973 اعتمد دستور ثالث، وصف بأنه «شامل وكامل»، لكن هذا الدستور عُطّل بعد انقلاب جنرال آخر هو الجنرال محمد ضياء الحق عام 1977، ولم يعد العمل به إلا عام 1985.
تشكّل نصوص هذا الدستور وأحكامه أسس الحكم في باكستان راهناً، وذلك في ظل السيف المُسلّط دائماً وأبداً على النظام السياسي من قبل «المؤسسة العسكرية»، التي يعتبرها كثيرون «السلطة الفعلية» الخفية التي لا بد للساسة والأحزاب من التنبه لمصالحها ونفوذها.
والحقيقة أنه يتعذّر فهم التاريخ السياسي لباكستان من دون الأخذ في الاعتبار عنصرين حيويين:
العنصر الأول، هو الإسلام، الذي كان وراء مبرّر وجود الدولة الباكستانية واستقلاله عن شبه القارة الهندية عام 1947. بالفعل، كان باكستان أول دولة حديثة قامت على أساس كونها «دولة مسلمة». وما زالت القوى السياسية الإسلامية، المعتدلة والمتشددة تلعب دوراً مؤثراً في الحياة السياسية للبلاد.
العنصر الثاني، هو الجيش. والواقع أن الظروف العدائية التي أحاطت بما يعتبره البعض - ولا سيما في الهند - «سلخ» مناطق الكثافة السكانية المسلمة، كالبنجاب والبنغال والسند، عن مناطق الغالبية الهندوسية لتشكيل كيان جديد اسمه باكستان، وما رافق «التقسيم» من تبادل سكاني رافقه أحياناً مجازر، أدت إلى تعظيم دور الجيش كحامٍ للكيان الوليد.
ومن ثم، ترسّخ هذا الدور أكثر فأكثر في ظل اشتداد الخلاف الحدودي المتصل بمصير كشمير، ثم دور الهند في تسهيل انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش حالياً) عن باكستان، ناهيك بتطوير الهند قدرات نووية. وحقاً، تنامى دور الجيش في باكستان باطراد، وأدت الخلافات مع الساسة المدنيين إلا عدة انقلابات عسكرية، وأحياناً الحكم من وراء الستار. وكان بين أبرز القادة الذين حكموا باكستان منذ الاستقلال، الجنرالات: إسكندر ميرزا ومحمد أيوب خان ويحيى خان ومحمد ضياء الحق وبرويز مشرّف، إذ شهدت الفترات من 1958 - 1971، و1977 - 1988، و1999 - 2008 حكم الانقلابات العسكرية وفرض الأحكام العرفية.
اليوم تعيش باكستان تجربة ديمقراطية في مرحلة مهمة من تاريخها. ويؤمل خلالها بالالتزام بروح الدستور ونصوصه، بما فيها تداول الحكم، والفصل بين السلطات. وكان نجم رياضة الكريكيت الدولي السابق عمران خان، زعيم حزب «حركة الإنصاف الباكستانية» قد فاز في الانتخابات العامة الأخيرة، وتولى، بالتالي منصب رئيس الحكومة (رئيس الوزراء) الذي يُعدّ الرأس الفعلي للسلطة التنفيذية في البلاد.
وللعلم، كان في طليعة المتنافسين في هذه الانتخابات ثلاثة أحزاب كبرى هي: «حركة الإنصاف» (الوسط أو «الطريق الثالث») وحزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية» (يمين وسط/ محافظ)، و«حزب الشعب الباكستاني» (يسار الوسط/ اشتراكي معتدل).
وفيما يلي، أبرز ما في هرم السلطة:
- رئيس الجمهورية (أو رئيس الدولة): ينتخبه مجمع انتخابي، وهو رئيس بروتوكولي للبلاد، يعد أيضاً القائد الاسمي للقوات المسلحة - الجيش - (بينما يُعدّ رئيس أركان الجيش القائد الفعلي)، غير أن التعيينات الأساسية في القوات المسلحة تقع ضمن صلاحيات رئيس الحكومة وعلى رئيس الدولة أن يستشيره فيها، غير أن من صلاحيات رئيس الدولة إصدار العفو وتخفيف الإحكام.
- رئيس الحكومة (أو رئيس الوزراء): يكون عادةً رئيس الغالبية (سواءً عبر حزبه أو ائتلاف حزبي يقوده) في مجلس النواب (المجلس الأدنى). وهو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية في البلاد، وهو الذي يختار الوزراء والمستشارون ويعيّنهم وإدارة شؤون الحكم، واتخاذ القرارات، ولا بدَّ من موافقته على كل إجراءات التعيين والتثبيت بالنسبة لمناصب الإدارة الحكومية.
- السلطة التشريعية (البرلمان): يتمثل البرلمان بمجلسين «مجلس النواب» (المجلس الأدنى) الذي يضم 342 مقعداً، ومجلس الشيوخ (المجلس الأعلى) الذي يضم 104 مقاعد. ينتخب نواب مجلس النواب في دوائر انتخابية، ويخصص 7 مقاعد للنساء والأقليات الدينية، في حين تنتخب برلمانات الأقاليم المتساوية التمثيل أعضاء مجلس الشيوخ.
- الحكومات الإقليمية: تضم باكستان أربعة أقاليم لديها برلماناتها المنتخبة مباشرة من الشعب، وكحال الحكومة الاتحادية، ينتخب برلمان كل إقليم رئيس الغالبية رئيساً لحكومة الإقليم. أما الأقاليم الأربعة فهي: البنجاب وعاصمته لاهور، والسند وعاصمته كراتشي، وخيبر - بختونخاه وعاصمته بيشاور، وبلوشستان وعاصمته كويتا. ويضاف إلى الأقاليم الأربعة ثلاث مناطق ذات إدارة ذاتية هي: غيلغيت - باتيستان وعاصمتها غيلغيت، وأزاد كشمير (أي «كشمير الحرة») وعاصمتها مظفر آباد، ومنطقة «العاصمة الاتحادية» إسلام آباد.
باكستان بين الشرعية الإسلامية... وتعايش الديمقراطية والجيش
باكستان بين الشرعية الإسلامية... وتعايش الديمقراطية والجيش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة