منافسة شرسة بين تجار التمور في عنيزة بهدف بلوغ العالمية

استلهموا عصامية العليان وطموح الجفالي لتحقيق أهدافهم

شباب يتنافسون في سوق التمور بعنيزة وسط السعودية (واس)
شباب يتنافسون في سوق التمور بعنيزة وسط السعودية (واس)
TT

منافسة شرسة بين تجار التمور في عنيزة بهدف بلوغ العالمية

شباب يتنافسون في سوق التمور بعنيزة وسط السعودية (واس)
شباب يتنافسون في سوق التمور بعنيزة وسط السعودية (واس)

في مدينة عنيزة الواقعة وسط السعودية، وقبل بزوغ الشمس بساعة تلحظ مرور الكثير من سيارات والشاحنات محملة بصناديق من التمر والقادمة من المزارع التي تقع في ضواحي تلك المدينة التي يحلو لأهلها بأن تسمى «باريس نجد»، في طريقها إلى ساحة كبيرة أعدتها الجهات الحكومية لتكون مزادا للتمور، وحين تصل إلى تلك الساحة تدهش لكمية الأصوات المنبعثة من شباب صغار غالبيتهم لم يتجاوز الثامنة عشر عاما يعلمون بمهنة الدلالة مستخدمين مهاراتهم الصوتية والحركية لبيع كمية من التمور وفي المقابل يحصلون على نسبة لا تتجاوز 7 في المائة من قيمة البيع.
وفي منافسة شرسة بين البائعين والدلالين والمشترين وأصحاب المزارع في تلك المدينة النجدية تجد كل يبحث بعصامية عن تحقيق طموحة وتحقيق مكاسب كبيرة خاصة أن موسم بيع التمور لا يتجاوز 3 شهور ومن ثم تبدأ علمية أخرى لبيع التمور المخزنة، إلا أن القاسم المشترك بين المتنافسين العصامية والحنكة والطموح، والذي يشير إليها محمد الفنيخ أحد أبناء عنيزة، لافتا أن مدينته أخرجت للعالم العلماء ورجال الأعمال والمثقفين الذي أثروا العالم بعلمهم وتقدمهم.
يقول الفنيخ: «ما زالت قصة سليمان العليان رجل الأعمال السعودي العالمي على الرغم من وفاته قبل عقدين من الزمان ملهمة للكثير من الشباب، لكن تأثيرها على شباب مدينة عنيزة أكثر وضوحا، فأغلب مجالس أعمال الشباب في عنيزة تتحدث عن قصة كفاح العليان وغيره من أبناء مدينة عنيزة الذين أثروا المناطق التي سكنوا بها سواء من رجال الأعمال أو السياسية أو الدين أو العلم»، مستذكراً أن العليان وصل إلى الاستقلالية المالية مبكّراً، وكانت استثماراته في أميركا وأوروبا تقدّر بمليارات الدولارات، ضارباً مثالا على أن سوق التمور تشهد تجربة حية للمنافسة بين الشباب لتحقيق الذات وبناء استثمارات عالمية خاصة مع الدعم الذي تقدمة الدولة السعودية وفق رؤيتها 2030 التي تدعم الشباب والمشاريع المتوسطة والصغيرة.
وقصة العليان الذي انطلق من عنيزة بداية القرن الماضي وتحديدا 1940 إلى أن أصبح أحد أهم المستثمرين في وول ستريت سجلت الكثير من المواقف والنجاحات حاملاً معه صفات الرجل العربي والقادم من مدينة وسط نجد ليبني مجداً عالمياً.
وذكر مايكل فيلد الكاتب الأميركي الذي ألف كتابا عن قصة سليمان العليان، روى فيه كيف استطاع العليان أن ينطلق من الصفر، ليصبح أحد أهم رجال الأعمال والاستثمار في العالم، أنه سأل العليان عن العنوان المناسب للكتاب، وأجاب بأن يكون عنوان الكتاب «سليمان العليان، من عنيزة إلى وول ستريت»، ويقول إنه أجاب العليان أن العالم لا يعرف عنيزة! فقال له العليان: أريد أن أعرّفه بها!.
مالك المانع شاب من عنيزة بدأت تجارته في التمور وهو لم يتجاوز سبعة عشر عاما بمبالغ بسيطة جداً ومع الوقت يقول: بدأت أتسلح بالخبرة والمعرفة إضافة إلى إنشاء شبكة علاقات مع العملاء والتي أحرص أن تكون على مستوى الخليجي والعربي، مشيراً إلى أنه قرأ عن حياة عبد الله الجفالي الذي أسس مجموعة الجفالي عام 1924 وأنه لا يحب البذخ ويركز على إدارة المال والوقت معاً، وهو الأمر الذي تبناه في مشروعه من بيع التمور والذي يتوقع أن يصل للعالمية، إذ بدأ يصدر للخارج معتبراً ذلك طموحاً بالنسبة له، ويضيف: «مثل هذا العمل يحتاج إلى صبر وكفاح لتحقيق ما تريد لأنه من المهم الابتعاد عن التسرع والاستعجال حتى لا يصاب الشخص بالإحباط فالأرباح مرضية جداً في حال الاستمرارية بالحضور للسوق والبيع والشراء في اليوم نفسه».
وعبد الله الجفالي الذي خرج من مدينة عنيزة على ظهر جمل قبل نحو 130 عاما عمل خلال تأسيس تجارته انطلاقاً من مكة المكرمة حتى كون تجارة عالمية ونقل التكنولوجيا الحديثة والمنتجات المتطورة إلى بلاده السعودية، حيث كان أول من قدم خدمة ذات نفع عام في السعودية وذلك بتأسيس وتوزيع الكهرباء في الطائف عام 1948. وبعدها انتقلت الشركة إلى مجال الاتصالات والإسمنت والسيارات والأدوية لتصبح في مصاف الشركات العالمية.
سوق التمور في عنيزة تقدم بعض التسهيلات والحوافز التشجيعية للشباب تجعلهم أكثر ارتياحاً ونشاطاً في بذل المزيد من العمل، ولعل من أبرز تلك الامتيازات الرقابة الصحية التي تعطي اطمئناناً للجميع، إضافة إلى العربات التي تسهل عملية البيع والشراء، إذ يشير صالح السناني الذي يعمل منذ أربع سنوات في التمور إلى أن بدايته كانت بدافع الفضول لمعرفة أنواع وأصناف التمور ليصل اليوم أنه يشتري كميات ضخمة من التمور ومن ثم يعمل على تنسيقها وتغليفها ثم بيعها، مضيفاً أن سوق التمور عملت على مد جسور من التعاون مع العملاء وكسب ثقتهم والتعريف بمنتجاتنا لا سيما والعميل يُدرك النظام الصارم في عملية الفحص على التمور وعدم جلب أي منتج إلا بعد التأكد من خلوه من المبيدات.
ويضيف الشاب السناني أن الشخصيات الفذة عبر التاريخ تعتبر ملهمة للشباب خاصة رؤية السعودية 2030 والتي يقف خلفها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والتي أحد أهدافها أن تكون السعودية المصدر الأول لمنتج التمور، معتبراً أنها فرصة للشباب للوصول للعالمية، مستذكرا حديثاً للراحل غازي القصيبي عن سليمان العليان الذي قال عنه «إنه شخصية تصلح أن تكون قدوة للطامحين من شباب هذا الجيل وما أحوجهم إلى القدوة! هنا رجل ولد فقيراً في بيئة فقيرة في فترة ما قبل البترول ولم يتح له قسط يذكر من التعليم ولا من الوجاهة الاجتماعية إلا أنه أصبح واحداً من أثرى أثرياء العالم».
يقول السناني: «نعمل على استثمار مثل هذه الفرصة لا سيما في ظل التسهيلات التي تقدم ولنكن خير سفراء للوطن بحسن التعامل والصدق مع العملاء من خارج السعودية»، أما بندر العضيلة فيحكي قصة نجاحه والتي بدأت بالعمل في سوق التمور قبل سنوات قصيرة ليصبح الآن صاحب مجموعة محلات متخصصة لبيع التمور على مدار العام.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».