«زاريادي» حديقة عصرية في موسكو ظهرت على أطلال «رمز» الحقبة السوفياتية

دخلت قائمة «أفضل 100 موقع في العالم» حسب مجلة «تايمز»

حديقة زاريادي قرب الكرملين
حديقة زاريادي قرب الكرملين
TT

«زاريادي» حديقة عصرية في موسكو ظهرت على أطلال «رمز» الحقبة السوفياتية

حديقة زاريادي قرب الكرملين
حديقة زاريادي قرب الكرملين

تُصنف حديقة «زاريادي» في العاصمة الروسية موسكو، على أنها واحدة من أكثر الحدائق شهرة على مستوى المدينة والبلاد، فضلا عن شهرتها العالمية. وتقف هذه الحديقة قرب الساحة الحمراء، وتزيد إطلالات الكرملين جمالاً، منذ أن تأسست على أنقاض فندق «روسيا» الضخم، الذي كانت له أمجاد يذكرها كل حلفاء موسكو الشيوعية، وقادة الحزب الشيوعي السوفياتي، وأصبح في التسعينيات المكان المفضل لرجال المافيا ومغامراتهم. واتسعت شهرة «زاريادي» عالمياً بعد أن ضمتها مجلة «تايمز» إلى قائمة «World's Greatest Places 2018» أي (أفضل 100 مكان في العالم عام 2018)، وهي المرة الأولى التي تصدر فيها المجلة مثل تلك القائمة، وتختار أفضل مواقع في العالم بناء على معايير محددة.
وكان لافتاً أنه تم اختيار هذه الحديقة بالذات، رغم وجود عشرات الحدائق الكبرى، وغيرها من معالم عصرية في العاصمة الروسية، تستحق كذلك إدراجها على تلك القائمة، وفق ما يرى موسكوفيون. لكن يبدو أن الأسلوب العصري الحديث في تصميمها، وظهور منشآت ترفيهية فيها لم تعرفها سابقاً «الحدائق السوفياتية المهيبة»، عوامل جعلت حديقة «زاريادي» تحظى دون غيرها من معالم روسية بصفة واحد من أفضل 100 مكان في العالم. في تعليقها على اختيار حديقة «زاريادي» تقول مجلة «تايمز» إن «الحدائق العامة الضخمة كانت السمة الرئيسية للمدن السوفياتية، (حدائق) مركزية ورسمية ومهيبة، ولا شيء من هذا كله في زاريادي، أول حديقة عامة ضخمة ظهرت في موسكو خلال السنوات الـ50 الماضية». وتضيف: «في الحديقة يوجد مسرح، وكهف جليدي، وجسر بوميرانغ، معلق فوق نهر موسكو».
انضمت حديقة «زاريادي» إلى المعالم المميزة في العاصمة الروسية موسكو عام 2017 ضمن حفل افتتاح تزامن مع احتفالات «يوم المدينة» الذي يصادف 9 سبتمبر (أيلول) من كل عام. وافتتح الرئيس الروسي شخصيا تلك الحديقة، بحضور عمدة موسكو سيرغي سوبيانين. وبدأ العمل على بناء الحديقة منذ عام 2014. أي بعد عام على مسابقة شاركت فيها عشرات مكاتب التصميم الهندسي من روسيا ودول العالم. وفي نهاية المطاف وقع الاختيار على تصميم قدمته شركة أميركية، من مدينة نيويورك، وبموجبه تم تشييد «زاريادي»، الحديقة التي انضمت إلى صفحات تاريخ عريق لتلك المنطقة من مدينة موسكو.
ويعود أصل تسمية الحديقة إلى كلمة «زا - ريادامي»، أي المنطقة الواقعة خلف صفوف المحال التجارية التي كانت منتشرة وسط موسكو، ليس ببعيد عن نهر «موسكو»، وبالقرب من الكرملين. ويُقال إن الإنسان استقر منذ القرون الوسطى على المساحة التي تمتد عليها اليوم الحديقة الجديدة. وفي فترة لاحقة تحولت إلى منطقة يقطنها كبار التجار والنبلاء، وأقامت عائلة رمانوف القيصرية مقرا لها هناك، كما ظهرت بعض الكنائس التي بقي معظمها حتى يومنا هذا شاهدا على تاريخ المنطقة، ويعود الفضل في ذلك إلى ميناء أقيم على نهر موسكو، ساهم حينها في تنشيط المنطقة تجارياً. ولم يتراجع الاهتمام بتلك المنطقة في الحقبة السوفياتية، نظرا لقربها من الكرملين وإطلالتها المميزة الجميلة على نهر موسكو. واقترح البعض تحويلها إلى منطقة لتخليد ذكرى القادة السوفيات، مثل فلاديمير لينين، ومن ثم كان هناك اقتراح ببناء «دار الصناعات»، وفي عام 1947 درست السلطات إمكانية تشييد برج ثامن من مجموعة الأبراج الشهيرة في موسكو التي شيدت في عهد ستالين، ليكون مقرا لوزارة أمن الدولة. إلا أن العمل على بناء ذلك البرج توقف عند الطابق الخامس عشر، ذلك أن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف، وريث السلطة بعد جوزيف ستالين، قرر عدم المضي على نهج سلفه في بناء الأبراج. وبعد دراسة عدة اقتراحات حول مصير تلك المنطقة، ولدت فكرة تشييد فندق ضخم عليها، يحمل اسم «فندق روسيا».
ويُعرف عن «فندق روسيا» أنه كان الأضخم في أوروبا، وفيه نحو 3000 غرفة، بقدرة استيعاب 5 آلاف نزيل في آن واحد. انتهت أعمال بناء الفندق عام 1969. واعتمدت السلطات السوفياتية على الفندق الجديد كمقر لإقامة أعضاء اللجان المركزية للحزب الشيوعي من الجمهوريات السوفياتية الأخرى، فضلا عن استضافة وفود الأحزاب الشيوعية العالمية هناك.
وفي التسعينات تحول الفندق إلى مكان مفضل لرجال المافيا، الذين وجدوا فيه مكانا مناسبا للترفيه ولعقد اجتماعات «العصابات». ومع أن الفندق لم يسقط مع سقوط الدولة السوفياتية، إلا أنه كان على موعد مع ذات المصير لاحقا، حيث تم إغلاقه بداية عام 2006.
ومن ثم أزالته السلطات عام 2010. لتنتهي بذلك سيرة حياة فندق كان شاهدا على الكثير من الأحداث التاريخية، وتحمل جدرانه الكثير من أسرار المحادثات السياسية في تلك الحقبة. ومع زوال «فندق روسيا» بدأ التفكير بمشروع بديل لإقامته على تلك المساحة. وحسم الرئيس الروسي الجدل عام 2012، خلال زيارته «أطلال فندق روسيا»، واقترح على سيرغي سوبيانين، عمدة موسكو الحالي، تحويل المنطقة إلى حديقة عامة ضخمة. وهكذا افتتحت صفحة جديدة في تاريخ حي «زا ريادامي» التاريخي، وتحولت المنطقة إلى حديقة ضخمة تحمل اسم «زاريادي»، باتت وجهة مفضلة للموسكوفيين، ويحرص على زيارتها كل من يصل إلى العاصمة الروسية للسياحة أو في زيارة عمل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».