رحيل زهرة العلا وجمال إسماعيل بعد عقود من العطاء المتنوع

جمال إسماعيل و زهرة العلا
جمال إسماعيل و زهرة العلا
TT

رحيل زهرة العلا وجمال إسماعيل بعد عقود من العطاء المتنوع

جمال إسماعيل و زهرة العلا
جمال إسماعيل و زهرة العلا

فقدت مصر أمس اثنين من أبرز فنانيها فقد توفيت في القاهرة الممثلة المصرية زهرة العلا عن عمر يناهز 79 سنة، تاركة رصيدا من الأعمال التلفزيونية والمسرحية إضافة إلى مشاركتها في أكثر من 110 أفلام سينمائية منذ بدأت التمثيل عام 1951.
وفي يوم رحيل زهرة العلا شيعت الأوساط الفنية والشعبية، عقب صلاة الظهر من مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، أمس، جثمان الفنان جمال إسماعيل الذي غيبه الموت بمنزله في القاهرة عن عمر يناهز 80 سنة، بعد معاناة مع أمراض القلب والتنفس.
ولدت زهرة العلا بكير في مدينة الإسكندرية الساحلية في العاشر من يونيو (حزيران) 1934 وكان أبوها صديقا للمثل والمخرج المصري يوسف وهبي (1897 - 1982) وقدمها إليه والتحقت بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي الذي أصبح اسمه فيما بعد «المعهد العالي للفنون المسرحية». وكان أول أدوارها عام 1951 في فيلم «خدعني أبي» لمحمود ذو الفقار ورغم أنها كانت لا تزال طالبة فإن اسمها جاء مسبوقا بلقب «نجمة المسرح الحديث». وتخرجت الراحلة في المعهد عام 1954 وكانت الأولى على دفعتها.
شاركت زهرة العلا في أفلام من كلاسيكيات السينما المصرية ومنها «دعاء الكروان» و«رد قلبي» و«جميلة» و«في بيتنا رجل» و«سواق الأتوبيس».
تزوجت زهرة العلا من المخرج حسن الصيفي (1927 - 2005) الذي أسند إليها البطولة في عدد من أفلامه ومنها «بنت الحتة» و«ابن الحتة» وكان آخر أفلامها «بنت الباشا الوزير» عام 1991، وللراحلة من الصيفي بنتان هما أمل ومنال.
أما الفنان الراحل جمال اسماعيل فقد ترك تراثا فنيا خصبا عامرا بالعطاء والتنوع، يربو على 300 عمل في المسرح والدراما التلفزيونية والسينما، ولفتت موهبته المرهفة وبساطة الأداء الأنظار إليه مبكرا، واستطاع أن يجسد معظم الأدوار الإنسانية، بداية من دور اللص الشريف صاحب الروح الكوميدية الساخرة، والشاب الطموح الذي يصارع إحباطات الظروف الاجتماعية لتحقيق حلمه في الحياة، وابن البلد الطيب الغيور على وطنه وناسه، والأب الحنون البشوش الذي لا يكف عن الحب والعطاء. كما كان رمزا للفنان المثقف، الملم بحقائق التاريخ والمعرفة الإنسانية، وتاريخ تطور الفنون والآداب.
ولد جمال إسماعيل في 20 فبراير (شباط) عام 1933. وحصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ من جامعة عين شمس عام 1957، كما حصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1956، والتحق بالفرقة النموذجية بالمسرح الشعبي، حيث كانت تابعة لمصلحة الفنون. كما عين مفتشا للمسرح بمحافظة الإسكندرية عام 1958، وقام بإخراج عروض الفرقة المدرسية والجامعات وحفلات الشركات. كما قام بالإشراف على تكوين فرقة الفنون بالشعر عام 1961، وهو العام نفسه الذي شهد نقطة تحول أساسية في حياته الفنية، وذلك بانضمامه إلى فرقة التلفزيون، التي كانت تضم آنذاك كوكبة من أشهر الفنانين والفنانات والمخرجين المصريين.
بدأ الفنان الراحل طريقه إلى عالم الشهرة والأضواء، من خلال دور صغير شارك به في المسرحية الشهيرة «سيدتي الجميلة» عام 1969 مع نجمي الكوميديا فؤاد المهندس وشويكار، وعرف خلالها بـ«حسب الله بعضشي» الحرامي الشريف، الذي يتسول قوت يومه بسرقات بسيطة عابرة. بعدها، اتسعت مساحة أدواره المهمة التي أداها ببراعة في عباءة الكوميديا؛ مثل دوره في فيلم «إحنا بتوع الأتوبيس» مع النجم عادل إمام، ودوره في مسلسل «دموع في عيون وقحة» مع عادل إمام أيضا، كما قدم دورا شائقا جسده في شخصية أبو اليزيد البقال في مسلسل «فوزية البرجوازية»، ودور الأسطى عزقلاني في «عائلة الأستاذ شلش»، وشخصية شكري عبد اللطيف في مسلسل «قضية العم أحمد» مع النجم فريد شوقي.
اشتهر جمال إسماعيل بدماثة الروح والخلق والتواضع الجم، كما عرف عنه حبه الشديد العمل والالتزام به، مهما كانت الظروف، وكان يجد نفسه دائما على خشبة المسرح، وفي الدراما التلفزيونية، على عكس السينما التي كان عمله بها هامشيا، وانحسر في عدد صغير من الأفلام منها: «مافيا»، و«طباخ الريس»، و«رمضان مبروك أبو العلمين حمودة»، و«التوربيني»، و«حرب أطاليا» و«توم جيمي».
وتبقى من الأدوار المميزة في مشواره الفني دور الأب «بدوي» الذي قدمه في مسلسل «ليالي الحلمية» الشهير، أيضا دور «عم غزال» الرجل الطيب المسالم الذي اختار الحياة مع ابنته الوحيدة في منطقة شبه نائية، معزولة عن الناس، معتزا بكرامته ولقمة عيشه من عمله ميكانيكي سيارات. وحقق بدوره في مسلسل «الضوء الشارد» علامة تميز كبيرة أشاد بها الكثير من النقاد، خاصة في ظل مشاركته كوكبة متنوعة من النجوم من أصحاب الموهبة والمقدرة الفنية، مثل ممدوح عبد العليم ومنى زكي، والفنانة القديرة سميحة أيوب، ومحمد رياض.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».