حلقة مهملة في تاريخ النَّقد الأدبي الحداثيّ

السيد إبراهيم محمد كان له فضل الريادة في كتابه «الضرورة الشعرية»

حلقة مهملة في تاريخ النَّقد الأدبي الحداثيّ
TT

حلقة مهملة في تاريخ النَّقد الأدبي الحداثيّ

حلقة مهملة في تاريخ النَّقد الأدبي الحداثيّ

لَمَّا تخرَّجْتُ في الجامعة، وكان ذلك 1989 كنتُ لا أزال مهموماً بالدراسات النَّقديَّة الحديثة، بعد أنْ عَرَفْتُ طَرَفاً مِنْها لا بأسَ به، في أثناء اختلافي إليها، وأهَمُّ ما ظَهَرْتُ عليه مؤلَّفات شكري عيَّاد، وعبد السَّلام المسدِّيّ، وسعد مصلوح، وكمال أبو ديب، وعبد الله الغذَّاميّ، وزكريَّا إبراهيم، وصلاح فضل، ومقالات مجلَّة «فُصُول». وعرفْتُ في ذلك العهد مؤلَّفات لطفي عبد البديع، ذلك أنَّ نادي جدة الأدبي قدْ أعاد نشْر كِتابَيْه «فلسفة المجاز»، و«عبقريَّة العربيَّة»، فلمَّا رأيْتُ كِتابه «التركيب اللُّغوي للأدب» ابتعتُه، مِنْ فَوْري، وجعلْتُ أقرأه، وإنْ تَعاصَى علي فهمه، لِلَّذي فيه مِن التقاء قديم العرب بجديد الغرب، ولِمَا انطوَى عليه مِنْ نَظَرٍ فلسفي هو أدنى إلى الغموض مِنْه إلى الوضوح، لِمَنْ لمْ يخبرْ هذا الضَّرب مِنَ الكتابة والتأليف، لكنَّني، على طُول العهد بكُتُب لطفي عبد البديع، كنتُ أراه أقرب إلى تَفَهُّم الُّلغة، على نحوٍ لم استبنْه في كتابة جمهرة واسعة مِن النُّقَّاد والدَّارسين، مِنْ أولئك الَّذين كلُّ همِّهم حَشْد طائفة مِنَ المصطلحات الحداثيَّة، مما تَلَقَّفوه مِنَ الغرب، فجاءتْ تلك الكُتُب، وكأنَّ بعضها «تلخيصٌ» مَدْرَسِيٌّ، وإنْ قَدَّمَ أصحابها بين أيدي كُتُبهم الدَّعاوَى.
والحقُّ أنَّ مؤلَّفات لطفي عبد البديع، تلك التي تَعَاصَتْ عليَّ، كانتْ قدْ ألقتْ في رُوعي أنَّ هناك نمطاً مختلفاً مِنَ القول النَّقدي يباين ما اتَّصلْتُ به، مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ، مِنْ مؤلَّفات أريدَ لها أنْ تكون «حداثيَّة» بالحقِّ وبالباطلِ! وكأنَّما كان لطفي عبد البديع قدْ زَهَّدَ في عينَي كلَّ عمل لا يوافق مذهبه في النَّظر وأسلوبه في التطبيق، استثني مِنْ ذلك كِتاب تلميذه سعيد السُّريحي «شِعْر أبي تمَّام بين النَّقد القديم ورؤية النَّقد الجديد»، فَثَمَّ تلميذٌ تَلَقَّفَ مَذهب شيخه، وجعل يقرأ به شِعْراً مُشْكِلاً إشكال شِعْر حبيب بن أوس، وأَظْهَرَ «التلميذ» أنَّه كان أميناً في نَقْل مذهب شيخه، حتَّى لكأنَّك، حِين تقرأ ما سَطَّره سعيدٌ، لا تَجْفُو ما كَتَبَه، ولا تكاد تُحِسُّ عُجْمَة، فلا يزال لعُرُوبة البيان أثرٌ فيما يكتب الشيخ والتلميذ، وإن اتصَّلا بجديد النَّقْد والفلسفة وأبعدا في الاتِّصال.
ولطالما قلْتُ لسعيد السُّريحيّ: إنَّ النَّمط الَّذي أخذ به شيخك لطفي عبد البديع صَعْبٌ عَسِرٌ، وأنَّ الشيخ، على طُول عهده بالتدريس في القاهرة ومكة المكرمة، لمْ يُنْجب تلامذة ومُريدين كُثراً، وأَنَّى له مَنْ يُشِيع مذهبه في النَّظر والتناوُل، وهو كَزٌّ نافرٌ، وإنْ كان أدنَى إلى رُوح اللُّغة والأدب؟ وأنَّني لا أكاد أعرف مَنْ تَقَيَّلَ منهجه وأسلوبه غيرك - أعني السُّرَيْحِي - وإلَّا الدَّكتور السَّيِّد إبراهيم محمد، ذلك الَّذي يَدُور عليه هذا الفصل مِنَ الكلام.
وأنا لا أكاد أعرف، في تلك المُدَّة، شيئا ذا بالٍ عن صاحبنا السَّيِّد إبراهيم محمد! إلَّا أنَّه اتفقَ لي أنْ رأيْتُ كِتاباً صغيراً عنوانُه «الضَّرورة الشِّعْرِيَّة: دراسة أسلوبيَّة»، كانتْ دار الأندلس في بيروت قدْ نشرتْ طبعته الثَّالثة 1983. ولمْ أَكُنْ - في أعقاب تَخَرُّجي في الجامعة - ليعنيني أمر كِتابٍ يبنيه صاحبه على «الضَّرورة الشِّعْريَّة»، هذا المبحث الكَزّ النَّافر، لولا تلك العبارة التي كانتْ تستهويني، آنئذٍ، أعني بها «دراسة أسلوبيَّة»! وقُلْتُ: لن يَضُرَّني لوْ ظَهَرْتُ على كِتابٍ أراد صاحبه أن يَمُدَّ ما بينه وبين «الدَّرْس الأسلوبيّ» بِصِلة، ولوْ كان كِتاباً صغيراً لطيفاً.
قرأتُ الكِتاب في ذلك العهد البعيد، وشَدَّتْنِي إليه أُمُورٌ لا أزال أذكرُها: مِنْها أنَّ ذلك المؤلَّف اللَّطيف لمْ يرتضخْ فيه صاحبه لكنة أعجميَّة، ولمْ يُلْقِ بالمصطلح «الحداثيّ» باليمين وبالشِّمال، بلْ عساه لمْ يستجلبْه إلَّا في خواتيمه، لَمَّا اضُطَرَّه كلام له عن الدَّرس الأسلوبي الحديث أن يُعَرِّف قارئه، بمذهب القوم في «اللُّغة» و«الكلام» وما إليهما، ولا يكاد يُشْعِر قارئَه بمبارحته ما بَنَى عليه كِتاباً أدار معظمه على مذاهب علماء العربيَّة منذ أبي الأسود الدُّؤلي وحتَّى جلال الدِّين السُّيُوطي وعبد القادر البغداديّ، فلمَّا استجلب كَلِماً لطائفة مِنَ الإنجليز والفرنسيين والأميركيين، كان ما استجلبه سائغاً تتقبَّله العين والأذن، وكان، في كلّ أحواله، أدنَى إلى بيان العرب ومنطقهم، وسَلِمَ لسانه مِنْ أثر العُجْمة التي كانتْ، في ذلك العهد الَّذي قرأتُ فيه كِتابه، قدْ أطبقتْ وعَمَّتْ!
على أنَّ أظهر ما استوقَفَني في كِتاب السَّيِّد إبراهيم محمد انتصاره لرُوح اللُّغة لا النَّحو، وكان الرجل قدِ استبانتْ لي قوَّة اتِّصاله بعلوم العربيَّة، ولا سيَّما النَّحو واللُّغة، وأنَّه لمْ يَكُنْ ناقلاً ولا مُلَخِّصاً، لكنَّه كان متضلِّعاً مِنْ مذاهب اللُّغويين والنُّحاة، على اختلاف أزمنتهم ومذاهبهم، وأنَّه، مهما تَنَازَعَتْه مذاهب القوم، كان وَفِيّاً لرُوح اللُّغة، ذلك الرُّوح الَّذي أدركه الشُّعراء، ثُمَّ لَمَّا صار إلى العرب أمرُ النَّظر في لُغتهم، لمْ يترصَّدوا للشُّعراء بالتخطئة، وأنَّى لأبي الأسود الدُّؤليّ، وهو ابن اللُّغة، أن يأخذ على أولئك الشُّعراء، وهو إنَّما أراد بالنَّحو إرشاد تلك النَّابتة مِنَ الموالي إلى ضبط القرآن الكريم ولُغته، فلمَّا آلَ أمر الُّلغة والنَّحو، مِنْ بعد الدُّؤليّ، إلى غير العرب، جعلوا يَلْهجون بالتخطئة على شعراء العربيَّة، لَهَجَ عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي بتخطئة شِعْر الفرزدق.
ونحن نَعْرِف ذلك التحَوُّل الَّذي أصاب نظر النُّحاة إلى الشِّعْر والشُّعراء مِنْ مذهب مَنْ يَعُدُّ الشُّعراء «أمراء الكلام»، ومذهب مَنْ يتربَّص بهم ويقعد لهم كلَّ مَرْصَد، ويُحْصِي عليهم ما يَظُنُّه خطأ وانحرافاً، بين سيبويه - إمام النُّحاة - الَّذي أنشأَ في كِتابه باباً دعاه «باب ما يَحْتَمِل الشِّعْر»، وجِيلٍ مِنَ النُّحاة الَّذين خَلَفُوا مِنْ بَعْده، فغاب منطق الخليل وسيبويه، ذلك المنطق الَّذي يَعْتَدُّ باللُّغة، وأَسْلَمَنا الزَّمان إلى منطق مَنْ لا يودُّ أن يخرق «القاعدة» و«المعيار»، ويُضَّحِي، لأجلهما، بكلام أولئك العرب العرباء، فغاب لديهم - ولدينا - «باب ما يحتمل الشِّعْر»، وبِتْنا نقرأ الشِّعْر بمنطق ابن فارس في «ذَمّ الخطأ في الشِّعْر»، وقِيسَتْ قدرة الشُّعراء على صوغ لُغتهم بمقياس «الضَّرورة الشِّعريَّة»، بلْ لمْ يَرَ فيها الأعمّ الأغلب مِنَ النُّحاة إلَّا «القبيح» و«الخطأ».
إذنْ رأى السَّيِّد إبراهيم محمد في «الدَّرس الأسلوبيّ» استئنافاً لذلك المنهج اللُّغوي الَّذي أخذ به الخليل بن أحمد وسيبويه، ومؤدَّاه أنَّ الشَّاعر «يصنع» اللُّغة، وأنَّ «الضَّرورة الشِّعْريَّة» إنَّما هي مَظْهَرُ قُدرة الشَّاعر على اللُّغة، وأنَّ لِلُّغة منطقاً لا ينبغي أن نتحيَّفه ونَجُور عليه، وما ذلك المنطق إلَّا تلك «الجاذبيَّة» التي تَعْنُو لها الكلمات، فتَمُدُّ الكلمة نَسَبها إلى شقيقات لها، مهما رأى النُّحاة في ذلك «التجاذب» خروجاً على قواعدهم وأقيستهم، وَلْنَكُنْ على ذُكْرٍ أنَّ للشِّعْر نَحْواً يباين ما استقرَّ عليه القوم في رُسُومهم وحُدُودهم، بلْ إنَّ للقرآن الكريم وقراءاته المختلفة نَحْواً يُعارض تلك الرُّسُوم والحُدُود، وكانتْ غاية السَّيِّد إبراهيم محمد أن يُذَكِّرنا بمذهب الخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه، ويُلِحّ علينا، مَرَّة ومَرَّتَيْن وثلاثاً، بأنْ نَعْتَدَّ باللُّغة وبالشِّعْر، وأن يُذكرنا بكلمة لأبي حيَّان النَّحوي ذهب فيها إلى أنَّ «الشِّعْر نفسه ضرورة»، فقال: «فقد يكون الشِّعْر ضرورة لأنَّه ضَرْبٌ مختلف مِنَ الكلام، لأنَّ الشَّاعر لا يركب فيه مركباً ذَلولاً مما عليه الكلام؛ فالشِّعْر غاية متعالية يناهض النَّشاط التعبيري فيها ما تَهَيَّأَ له مِنْ طرائق التعبير التي يتعاطاها أبناء اللُّغة في كلامهم، ومِنْ ثَمَّ كان الشِّعْر نفسه خروجاً عمَّا عليه النَّثر... وهنا تظهر الضَّرورة مرادفة للشِّعْر مِنْ كلّ الوجوه؛ فبها يتميَّز الشِّعْر عن الكلام، فهي تدخل مِنْ هذه الجهة في جوهر الشِّعْر، باعتبارها مِنْ أهمِّ خصائصه، فالضَّرورة ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوب التوليد في اللُّغة يُثْري بها الشَّاعر اللُّغة وينحو بها نحواً جديداً».
كنتُ لَمَّا قرأْتُ كِتاب السَّيِّد إبراهيم محمد، في قراءتي الأُولى عَقِب عام 1989 أُوْقِنُ أنَّ هذا الكِتاب يرتفع نَسَبُه إلى مذهب لطفي عبد البديع؛ دَلَّني عليه ذلك الرُّوح الَّذي يُقِيمُ لِلُّغة وزنها، وكنتُ كأنَّني أُمْسِكُ بأثر الشيخ كُلَّما مضيْتُ في الكِتاب، حتَّى إذا وَقَعْتُ في هوامشه على عناوين مؤلَّفات الشيخ قَوِيَتْ عندي تلك الصِّلة، فلَمَّا استأنس صاحبنا بمذكِّرة جامعيَّة للشيخ، تَأَكَّدَتْ تلك التلمذة واستبانتْ، وأنَّ السَّيِّد إبراهيم محمد كان قدْ سار في ذلك الدَّرْب العَسِر الصَّعب الَّذي لا يستطيعه أي أحد، وعَرَفْتُ، مِنْ بَعْدُ، أنَّ مذهب لطفي عبد البديع قليلٌ أتباعه وتلاميذه، وأَقَلُّ مِنْهم أولئك الَّذين قاموا به!
على أنَّ ما مَضَى ليس كلّ ما ينبغي أن يُقال في السَّيِّد إبراهيم محمد! فإنَّ للرجل لَنَبَأً عجيباً!
فصاحبُنا السَّيِّد إبراهيم محمد وكِتابه اللَّطيف «الضَّرورة الشِّعْريَّة: دراسة أسلوبيَّة» جديرٌ أنْ نُنْزلهما مقاماً يستحقَّانه، متى ما أردْنا التأريخ لحركة المناهج النَّقديَّة ذات الرُّسُوم الحداثيَّة، فالكاتبُ والكِتابُ عهدهُما بهذا الفكر النَّقدي الجديد بعيدٌ، فأصل هذا الكِتاب أطروحة جامعيَّة عالية حاز بها السَّيِّد إبراهيم محمد درجة «الماجستير»، عام 1976 ثُمَّ لَمَّا كان عام 1979 دفع بأطروحته إلى المطبعة فقرأها النَّاس في كِتاب. وسواءٌ استأنسْنا بالتاريخ الأوَّل أوْ لُذْنا بالتاريخ الآخِر، فإنَّ الكاتب والكِتاب حقيقان بذلك القِدَم وتلك الأسبقيَّة، ويكفي صاحبَنا السَّيِّد أن يُقال فيه ذات يومٍ: كان له فضْلُ الرِّيادة في النَّقد الأدبي ذي الرُّسُوم الحداثيَّة، فما ظنُّكَ به وقدْ جَمَعَ، إلى تلك الرِّيادة، الإحسان والإتقان والتجويد!
- ناقد وباحث سعودي



العُلا... إلى تعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا

جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)
جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)
TT

العُلا... إلى تعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا

جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)
جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)

وسط أجواء من العراقة التي تتمثّل بها جبال العلا ووديانها وصحرائها، شمال السعودية، احتفلت، الجمعة، «فيلا الحجر» و«أوبرا باريس الوطنية» باختتام أول برنامج ثقافي قبل الافتتاح في فيلا الحجر، بعرض قدّمته فرقة باليه الناشئين في أوبرا باريس الوطنية.

«فيلا الحجر» التي جاء إطلاقها خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، محافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، في 4 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تعدّ أول مؤسسة ثقافية سعودية - فرنسية تقام في السعودية، لتعزيز الدبلوماسية الثقافية على نطاق عالمي من خلال التعاون والإبداع المشترك، بما يسهم في تمكين المجتمعات ودعم الحوار الثقافي، وتعد أحدث مشروعات الشراكة الاستراتيجية بين «الهيئة الملكية لمحافظة العُلا»، و«الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا».

وبمشاركة 9 راقصات و9 راقصين تراوح أعمارهم بين 17 و22 عاماً من خلفيات متنوعة، أدّى الراقصون الناشئون، تحت إشراف مصمم الرقصات الفرنسي نويه سولييه، عرضاً في الهواء الطلق، على الكثبان الرملية، ووفقاً للحضور، فقد نشأ حوار بين حركاتهم والطبيعة الفريدة للصخور والصحراء في العلا، لفت انتباه الجماهير.

تعزيز التبادل الثقافي بين الرياض وباريس

وأكد وجدان رضا وأرنو موراند، وهما القائمان على برنامج «فيلا الحجر» لما قبل الافتتاح الموسم 2023 - 2024 لـ«الشرق الأوسط» أنه «سعياً إلى تحقيق الأهداف الأساسية لبرنامج ما قبل الافتتاح لـ(فيلا الحجر)؛ جاء (مسارات) أول عرض إبداعي للرقص المعاصر تقترحه الفيلا». وحول إسهامات هذا العرض، اعتبرا أنه «سيسهم في تحديد ما يمكن أن تقدمه هذه المؤسسة الثقافية لتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا، من خلال فهم العلاقة بأرض العلا التاريخية، وبجعلها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأجواء الطبيعية للمنطقة وبالبيئة الحضرية».

من جهتها، شدّدت فريال فوديل الرئيسة التنفيذية لـ«فيلا الحجر»، لـ«الشرق الأوسط» على التزامهم «بتقديم عروض لفنون الأداء وتسليط الضوء على الطاقة الإبداعية للمواهب السعودية والفرنسية والدولية» مشيرةً إلى أن شراكة الفيلا مع أوبرا باريس الوطنية، من شأنها أن «تعزِّز وتشجّع التعاون والحوار الثقافي بين السعودية وفرنسا، وعلى نطاق أوسع بين العالم العربي وأوروبا، إلى جانب تشكيل فرصة فريدة لصنع إنجازات ثقافية تتميز بالخبرة في بيئة فريدة ولجمهور من كل الفئات».

«مسارات»

وبينما أعرب حضور للفعالية من الجانبين السعودي والفرنسي، عن إعجاب رافق العرض، واتّسم باستثنائية تتلاءم مع المكان بعمقه التاريخي وتشكيلاته الجيولوجية، أكّد مسؤولون في «فيلا الحجر» أن عرض «مسارات» جاء تحقيقاً للأهداف الأساسية لبرنامج «فيلا الحجر» لما قبل الافتتاح، حيث يعدّ أول عرض إبداعي للرقص المعاصر على الإطلاق تقترحه المؤسسة المستقبلية، وتوقّعوا أن يُسهم العرض في تحديد ما يمكن أن تسهم به هذه المؤسسة الثقافية لتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا، من خلال فهم علاقتها بأرض العُلا التاريخية، وبجعلها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأجواء الطبيعية للمنطقة وبالبيئة الحضرية.

وانتبه الحضور، إلى أنه احتراماً للمكان الغني بالتنوع البيولوجي وبتاريخه الممتد إلى آلاف السنين (العلا)، جاء العرض متحفّظاً وغير تدخلي، فلم تُستخدم فيه معدات موسيقية ولا أضواء، بل كان مجرد عرض مكتف بجوهره، في حين عدّ القائمون على العرض لـ«الشرق الأوسط» أنه حوارٌ مع البيئة الشاسعة التي تحتضنه وليس منافساً لها.

15 لوحاً زجاجياً يشكّلون عملاً فنياً معاصراً في العلا (الشرق الأوسط)

«النفس – لحظات طواها النسيان»

والخميس، انطلق مشروع «النفس – لحظات طواها النسيان» بعرض حي، ودُعي إليه المشاركون المحليون للتفاعل مع المنشأة من خلال التنفس والصوت؛ مما أدى إلى إنتاج نغمات رنانة ترددت في أرجاء الطبيعة المحيطة، ووفقاً للقائمين على المشروع، فإن ذلك يمزج العمل بين التراث، والروحانية، والتعبير الفني المعاصر، مستكشفاً مواضيع خاصة بمنطقة العلا، مثل العلاقة بين الجسد والطبيعة.

وكُشف النقاب عن موقع خاص بالمنشأة والأداء في العلا، حيث يُعدّ المشروع وفقاً لعدد من الحاضرين، عملاً فنياً معاصراً من إنتاج الفنانة السعودية الأميركية سارة إبراهيم والفنان الفرنسي أوغو شيافي.

يُعرض العمل في موقعين مميزين بالعلا، حيث تتكون المنشأة في وادي النعام من 15 لوحاً زجاجياً مذهلاً يخترق رمال الصحراء، بينما تعكس المنحوتات الزجاجية المصنوعة يدوياً جيولوجيا المنطقة في موقع «دار الطنطورة».