وادي سولاك... محمية القوقاز الجميلة

لؤلؤة سياحية يجهلها العالم ويعشقها السكان المحليون

منظر بانورامي لوادي سولاك
منظر بانورامي لوادي سولاك
TT

وادي سولاك... محمية القوقاز الجميلة

منظر بانورامي لوادي سولاك
منظر بانورامي لوادي سولاك

عند الحديث عن التوجه إلى روسيا بغرض السياحة، فإن أول ما يتم اختياره هو مدن كبيرة مثل موسكو وبطرسبرغ وسوتشي. قلة فقط يعرفون أن منطقة القوقاز تأتي على رأس القائمة بالنسبة للروسيين عندما يفكرون في برنامجهم الاستجمامي السياحي. وهم هنا حالهم حال المثل القائل «أهل مكة أدرى بشعابها»، لأنهم يدركون جيداً أنهم سيجدون في تلك المنطقة ما لن توفره لهم أي بقعة أخرى من العالم. ففي القوقاز الطبيعة الخلابة والتناغم بين الجبال والأنهار والبحر، فضلا عن المعالم القديمة التي تحكي تفاصيل تاريخ تلك المنطقة، وتاريخ روسيا ككل، إلى جانب معالم لا تزال شاهدة على حملات التتار - مغولية، والدولة الإسلامية وغيرها. وبينما كُتب الكثير عن تلك المعالم، فإن الطبيعة في القوقاز ظلت متجاهلة، على مستوى السياحة العالمية، رغم جمالها الذي ترك أثراً كبيراً على أعمال أمير الشعراء الروسي ألكسندر بوشكين. فهذا الأخير كتب الكثير عن المنطقة، مثل قصيدته الشهيرة «أسير القوقاز». كما كان للمنطقة تأثيرات على أعمال أدباء وشعراء آخرين، مثل ميخائيل ليرمنتوف، وليو تولستوي، والفرنسي ألكسندر دوما.

داغستان

داغستان واحدة من جمهوريات القوقاز، التي تتميز، حالها حال جاراتها، بمعالم سياحية، تاريخية وطبيعية فريدة. ومن أشهر معالمها التاريخية مدينة دربند وقلعتها المطلة على بحر قزوين. كُتب عنها الكثير كما أنتجت أفلاماً وثائقية عن معالمها التاريخية. أما طبيعتها، التي لم تحظَ بنفس مستوى الاهتمام بمعالمها التاريخية، فهي متنوعة وبجمال تعجز الكلمات عن وصفه. يقول كثيرون ممن حالفهم الحظ ليتعرفوا عليها عن قُرب، إن «جمالها رهيب». آخرون يستخدمون عبارات مثل «هيبة جمال الطبيعة في داغستان».

وادي سولاك (كانيون سولاك)

ليس ببعيد عن العاصمة الداغستانية، يوجد نهر «سولاك» الذي تمر مياهه بين الجبال، مُشكلة في طريقها أخدودا حمل اسم النهر، ويُعرف باسم «أخدود» أو «وادي سولاك». ويمتد هذا الوادي على طول 53 كلم، يضيق في بعض المناطق، ويتسع في مناطق أخرى لدرجة يصعب معها رؤية الطرف المقابل منه. ويصل عمقه حتى 1920 متراً، أي أنه أكثر عمقا بنحو 120 متراً عن «غراند كانيون» الشهير في الولايات المتحدة. ومع أن الجبال في محيط الوادي تتميز بطبيعة صخرية وعرة، فإن الغابات تنتشر فيها بكثافة. ويتجه السياح عادة إلى المرتفعات الجبلية ليتمكنوا من إلقاء نظرة شاملة على أوسع مساحات من الوادي، والتمتع بجمال طبيعته. ويبدو نهر سولاك للناظرين من أعلى وكأنه ساقية بالكاد تجري المياه فيها، بينما هو في واقع الأمر نهر واسع تتدفق فيه المياه بغزارة، قادمة من ينابيع جبلية، ومن تجمعات الأمطار الربيعية والصيفية. وفي معظم المناطق تبدو مياه نهر سولاك وكأنها «ذيل» قادم من البحر، بسبب لونها «الأزرق السماوي». وساعدت وفرة المياه في ولادة مساحات طبيعية مغطاة بمختلف أنواع الأشجار الجبلية، التي تشكل غابات وارفة، تعيش فيها أنواع نادرة من الحيوانات والطيور الحرة مثل الصقور، التي غالبا ما يمكن رؤيتها بوضوح في أعشاشها بين الصخور على جانبي الوادي.
الجميل في زيارة وادي سولاك أنها ليست بالأمر الذي يتطلب ترتيبات مُعقدة، حتى لو كانت مدة الزيارة إلى داغستان لا تزيد عن يومين أو ثلاثة أيام.
ومع أن الإطلالة على الوادي من أي نقطة تكشف جماله للناظرين بشكل جيد، يفضل كثيرون التوجه إلى قرية «دوبكي» القريبة من العاصمة الداغستانية محج قلعة. وتقع تلك القرية على قمة واحد من جبال «وداي سولاك»، مما يجعلها منطقة مناسبة لمشاهدة الوادي والتمتع بكل ما يخفيه من جمال. ومؤخراً تم افتتاح ساحة خاصة في القرية، توفر إطلالة بانورامية على الوادي، وتراعي شروط الأمان والسلامة.
وبالنسبة للسياح الذين يصلون قرية «دوبكي» ولديهم متسع من الوقت، فإنها توفر لهم كل شروط الراحة، علما بأنها تشكل معلما سياحيا بحد ذاتها. ويعود الفضل في ظهورها ونشأتها إلى ثاني أعلى سد في روسيا، حيث بدأت عملية تشييد المنازل فيها من أجل توفير إقامة العمال والمهندسين الذين شاركوا في بناء السد وتشييد محطة الطاقة فيه. وحتى اليوم يشكل العمال في المحطة الجزء الرئيسي من سكان «دوبكي». وعلى خلاف العادة فإن منازلها لا تشبه المنازل القروية، وإنما هي عبارة عن أبنية طابقية حديثة. وتوجد في القرية، التي تبدو وكأنها مدينة صغيرة في الجبال، مجموعة من المطاعم والفنادق والمنتجعات. معظمها يتمركز بالقرب من البحيرة الضخمة خلف السد. ولا تزيد تكلفة المبيت لليلة واحدة في أي من تلك المنتجعات عن ألف روبل روسي (نحو 16 دولارا أميركيا).
فضلا عن الإطلالة على جماله من أعلى، يقوم كثيرون بتنظيم جولات في وادي سولاك، منها جولات نهرية لاجتياز الوادي على متن قوارب صغيرة، وهو ما يقوم به عادة عشاق مغامرات اجتياز الأنهر على متن قوارب التجديف الأحادية أو الثنائية. وهناك أيضا جولات سيراً على الأقدام على ضفاف النهر. فما تم اكتشافه بعد الإطلالة على جمال الوادي من أعلى، يولد الرغبة في الغوص في تفاصيل ذلك الجمال، والاستمتاع به عن قُرب. ويوجه السكان المحليون والشركات السياحية لعشاق جولات «المسير» في الوادي جملة نصائح أو تعليمات ضرورية ليكون المسير آمناً، ومنها مثلاً ضرورة أن يتوفر حذاء خاص للسير في الجبال، ولا مانع أن يحمل السائح معه أثناء المسير عصي شبيهة بالتلي التي تُستخدم ضمن معدات التزلج على الثلج. أما النصيحة الأهم فهي الاتفاق مع دليل سياحي يحفظ تضاريس المنطقة عن ظهر قلب. وهذا يعني أن يكون إما من السكان المحليين، أو دليل يتم الاتفاق عليه مع واحدة من الشركات السياحية في محج قلعة.
وينصح السكان المحليون والهواة ممن سبق لهم المشاركة في هذه التجربة أن يبدأ المسير من قرية دوبكي نحو قرية في أسفل الوادي اسمها «زوبوتلي». فهذه المدينة ما زالت تحتضن منازل بمعمار خاص يستحق الزيارة، على الرغم من أنها باتت شبه خالية من سكانها، الذين تم نقلهم للعيش في أماكن أخرى بسبب ارتفاع منسوب المياه. تحديد الدرب الصحيح بين القريتين للمسير لم يأت عبثا أو عشوائيا. فهو يتوفر على شلالات تصب من أعالي الجبال في نهر سولاك، مما يجعلها منطقة رائعة الجمال تحيط بها بحيرات صغيرة، بعضها مغلق، والبعض الآخر ينفتح على النهر. وهذا كله في منطقة مصنفة «محمية طبيعية»، ما زالت طبيعتها شبه عذراء، تعيش فيها أنواع مختلفة من الحيوانات، مثل الذئاب والثعالب، والماعز الجبلي، والغزلان والأرانب وغيرها.

قرية «زوبوتلي»

عند الوصول إلى قرية «زوبوتلي» يمكن تناول وجبة من الطعام، ومن ثم إما العودة مباشرة، أو اختيار مكان للمبيت في الهواء الطلق. فقد نصبت فيها خيام معسكر المسيرن تجذب عشاق ممارسة صيد السمك.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».