معركة على «تلوث القاهرة»... الحكومة تُكذّب وخبراء يفنّدون المسببات

«فوربس» قالت إنها المدينة الأكثر تلوثاً في العالم

شوارع القاهرة تعاني من تزاحم مئات الآلاف من السيارات يومياً («الشرق الأوسط»)
شوارع القاهرة تعاني من تزاحم مئات الآلاف من السيارات يومياً («الشرق الأوسط»)
TT

معركة على «تلوث القاهرة»... الحكومة تُكذّب وخبراء يفنّدون المسببات

شوارع القاهرة تعاني من تزاحم مئات الآلاف من السيارات يومياً («الشرق الأوسط»)
شوارع القاهرة تعاني من تزاحم مئات الآلاف من السيارات يومياً («الشرق الأوسط»)

ليس جديداً أن تصدر جهات دولية تقريراً تصف فيه القاهرة بأنّها الأعلى تلوثا في العالم، لكنّ الجديد هو أنّ الحكومة المصرية التي عادة ما كانت تتجاهل مثل هذه التقارير، لم تصمت هذه المرة أمام التقرير الذي نشرته مجلة «فوربس» الأميركية يوم الجمعة الماضي الذي وصف القاهرة بأنّها الأعلى تلوثا. لكنّ خبراء البيئة المصريين وصفوا الرد الرسمي بغير العلمي، بينما رأوا أنّ تقرير مجلة «فوربس» منطقيا من الناحية العلمية والواقعية.
وأصدرت وزارة البيئة المصرية بياناً تفصيلياً بعد يومين من نشر التقرير، شكّكت خلاله بدقة البيانات التي استند إليها التقرير، واصفة مصدر البيانات الواردة فيه بأنّه «غير محدد بشكل واضح». ما أثار تساؤلات لدى المعنيين بشؤون البيئة، لكون التقرير قال بشكل واضح إنّه استند إلى دراسة أعدها خبراء في مؤسسة «إيكو إكسبرت» الأميركية عن معدلات تلوث الهواء حول العالم.
لكنّ النائبة المصرية، شيرين فراج، أبدت ندمها لمطالبة وزارة البيئة في مداخلات تلفزيونية بإصدار بيان للرّد على تقرير فوربس، وهو ما استجابت إليه الوزارة. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الوزارة بطبيعتها لا ترد، ولكنّني طالبتهم كثيرا بالرد على هذا التقرير، ويا ليتني ما فعلت، فقد جاء الرد كمن سكت دهراً ونطق كفراً، فكان باهتا وغير علمي، مما ساعد على تعميق الأزمة بدلا من حلها».
وتعجبت النائبة من استناد الوزارة في دفاعها على معايير منظمة الصحة العالمية، لأنّ المنظمة ذاتها كانت قد صنفت هواء القاهرة في تقرير أصدرته في شهر مايو (أيار) الماضي، على أنّها ثاني أكثر المدن تلوّثا في العالم.
وأضافت فراج أنّها طالبت مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لتقصي دراسة «فوربس»، وعرض ما تتوصل إليه اللجنة على البرلمان في دورة انعقاده القادمة.
وقالت النائبة نادية هنري لـ«الشرق الأوسط»: «ليس عيبا أن نعترف أن لدينا مشكلة، ولم نكن في حاجة لتقرير (فوربس) لندرك أن لدينا مشكلة، ولكن أن نحاول التهرب من المواجهة بهذا الرّد غير العلمي الذي أصدرته وزارة البيئة فهذا غير مقبول». وأضافت أنّ تقارير وزارة الصّحة المصرية تقول إنّ لدينا تلوث هواء بنسبة تفوق المعدلات المسموح بها، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع نسبة الوفيات بسبب الجهاز التنفسي، فكيف تقول وزارة الصحة ذلك، وتنكر وزارة البيئة الحقيقة في الرّد غير العلمي الذي أصدرته.
في المقابل، قال الدكتور محمد صلاح الدين، رئيس جهاز شؤون البيئة المصري لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تكون لدى الوزارة محطات تابعة للشبكة القومية لرصد ملوثات الهواء تقوم بالرصد طوال العام، ومن خلال البيانات التي توفرها نُصدر تقرير حالة البيئة السنوي، فمن حقّنا أن نسأل ما هو مصدر الرّصد الذي استندت إليه هذه المؤسسة الأميركية لتخرج علينا بهذه البيانات».
وأوضح صلاح الدين أنّ تجاهل الإشارة إلى المصدر يكشف عن سوء النوايا فيما ذهب إليه التقرير، هذا بالإضافة إلى أنّه يركّز على نقاط محدّدة فقط وهي تلوث الهواء والتلوث البصري والضوضائي. وأضاف: «هل نصدق ما نشرته (فوربس) أم نصدق التقرير الذي اشتركت فيه عدة جهات عالمية ونشر في 2017، وصنف مصر على أنّها في المركز 66 عالمياً بين 180 دولة، بتقدم نحو 38 مركزاً عن العام 2016. وهذا التقرير أعمّ وأشمل، إذ يتناول نحو 24 مؤشرا للتلوث، تغطي (10) مجالات بيئية رئيسية وهي (نوعية الهواء، نوعية المياه والصرف الصحي، المعادن الثقيلة، الزراعة، الغابات، المصايد، التنوع البيولوجي والبيئات، الموارد المائية، التغيرات المناخية والطاقة)».
وكان بيان وزارة البيئة قد أكّد أنّ منظمة الصّحة العالمية WHO وضعت محدّدات لجودة الهواء المحيط تشمل ستة ملوثات، وأفاد البيان، بأنّ نتائج الشّبكة القومية لرصد ملوثات الهواء المحيط التابعة لوزارة البيئة لعام 2017 أوضحت عدم تجاوز الخمس ملوثات (غاز ثاني أكسيد الكبريت، غاز ثاني أكسيد النيتروجين، غاز أول أكسيد الكربون، غاز الأوزون، الرصاص) للنسب المسموح بها عالميا.
من جهته، قال الدكتور مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب: «لماذا نحتفي بتقارير (فوربس) المتعلقة بالاحترار العالمي، ثم نغضب عندما تنشر أمرا يتعلق بنا». وأضاف أنّ «مصدر المعلومات الذي تعتمد عليه الجهات التي تنشر (فوربس) تقاريرها واحد، وهو الأقمار الصناعية، وإذا كنّا سنقبل معلومات تلك الأقمار عن الاحترار العالمي، فلا بدّ أن نقبلها أيضا عندما تقول إننا الأكثر تلوثا بالجسيمات العالقة».
وأشار علام إلى أنّ من يعيش في القاهرة لا يحتاج إلى دراسة دولية تخبره بأنّ مدينته هي الأعلى تلوّثا بالجسيمات الصلبة العالقة، فيكفي أن تنُظّف زجاج نافذة بيتك، لكي ترى في اليوم التالي كم الجسيمات الصّلبة التي علقت به، لتدرك أنّ البيانات التي ذكرها تقرير فوربس تبدو منطقية جدا. وقال: «أتفق مع ما ذهب إليه بيان (فوربس) من أنّ المناطق الصحراوية مسؤولة بنسبة تقترب من 50 في المائة من تركيز تلك الجسيمات، وتأتي النسبة المتبقية من عوادم السيارات ومحطات الكهرباء التي تحرق المازوت». والحل الذي يراه علام هو «إعادة إحياء مشروع الحزام الأخضر حول القاهرة لامتصاص هذه الجسيمات الصلبة».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

بيئة منطقة سكنية غارقة بالمياه جرّاء فيضان في بتروبافل بكازاخستان 13 أبريل (رويترز)

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغير المناخي تسبّب في أحوال جوية قصوى وحرارة قياسية خلال عام 2024، داعيةً العالم إلى التخلي عن «المسار نحو الهلاك».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
بيئة فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة

فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة

أفاد تقرير إخباري بأن فضلات الطيور قد تساعد على التنبؤ بالجائحة القادمة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة عناصر من وزارة الطوارئ الروسية يعملون على تنظيف شاطئ لوَّثه تسرُّب نفطي في القرم (إ.ب.أ)

إعلان حالة الطوارئ في شبه جزيرة القرم إثر تسرب نفطي

أعلنت السلطات الروسية، اليوم (السبت) أن الوضع بات خطراً إثر تسرب نفطي نجم عن غرق ناقلتَي نفط، في منتصف ديسمبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
بيئة حقل قمح في أوساس سوهير بجنوب غربي فرنسا (أ.ف.ب)

المواد البلاستيكية الدقيقة منتشرة بقوة في التربة الزراعية الفرنسية

كشفت دراسة نشرت نتائجها «الوكالة الفرنسية للتحول البيئي» الخميس عن وجود شبه منهجي للمواد البلاستيكية الدقيقة في التربة الزراعية في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا متطوعون ينظفون التلوث الذي غطى الشواطئ الرملية في منتجع أنابا الصيفي بعد تسرب نفط من ناقلتين في البحر الأسود (رويترز)

منطقة روسية تعلن حالة الطوارئ بسبب تسرب نفطي في البحر الأسود

أعلنت السلطات في منطقة كراسنودار بجنوب روسيا، اليوم الأربعاء، حالة الطوارئ على مستوى المنطقة، قائلة إن النفط لا يزال يتدفق إلى الساحل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.