الأكراد للعب دور «بيضة القبان» مجدداً

ينتظرون أي الكتلتين «الأكبر» ستلبي مطالبهم

TT

الأكراد للعب دور «بيضة القبان» مجدداً

يبدو أن الأكراد في طريقهم مجددا لأن يصبحوا بيضة القبان في ميزان «الكتلة الأكبر» التي يتصارع على تشكيها محوران شيعيان، (سائرون والنصر) المدعوم من الجانب الأميركي، و(الفتح ودولة القانون) المدعوم من الجانب الإيراني.
ويرى آريز عبد الله، النائب السابق والقيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينسق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (يملكان معا 43 مقعدا) في المفاوضات مع بغداد، أنه من المبكر أن يتخذ الجانب الكردي قراره النهائي، بهذا الشأن، لأن كلا الفريقين سيخفق في تشكيل الحكومة، من دون مشاركة القوى الكردية. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة المقبلة ستشكلها حتماً القوى والتحالفات الشيعية المتمثلة بفريقي سائرون والفتح، وهما في تنافس، ولن نكون جزءا من ذلك الصراع السياسي، بل سنترقب الوضع حتى النهاية ثم نقول كلمتنا، خصوصا أننا متأكدون تماماً بأن كلا الفريقين لن يستطيع تشكيل الحكومة من دون الكرد، لذا علينا أن ننتظر الفريق الذي ينجح في ذلك عندها سننضم إليه، بعد التفاوض معه طبعاً بشأن مطالب وحقوق شعب كردستان».
ويشدد القيادي الكردي على استحالة انبثاق حكومة عراقية اتحادية من دون مشاركة الجانب الكردي، كونه شريكاً رئيسياً في العملية السياسية التي تأسس عليها العراق الجديد القائم على ثلاث ركائز أساسية مثبتة في الدستور هي الشراكة والتوافق والتوازن، منوهاً إلى إمكانية أن ينضم حزب أو بعض أحزاب الكردية إلى المعارضة النيابية في العراق، ولكن لا يمكن إطلاقاً عزل المكون الكردي عن المشاركة في نظام إدارة الدولة، لأن ذلك مخل بمضامين الدستور العراقي ما يعني تدهور الوضع السياسي في البلاد بحسب تعبير. وأكد أن القوى الكردية لم تعد تثق، بالعبادي بسبب مواقفه المتذبذبة، والتجارب المريرة معه طوال فترة حكمه.
أما موقف قوى المعارضة الكردية المتمثلة بـ(حركة التغيير، تحالف الديمقراطية والعدالة، الجماعة والاتحاد الإسلاميين) التي لها مشروع خاص، للمشاركة في الحكومة المقبلة، فيكاد يكون مطابقاً لموقف الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، فيما يتعلق بضرورة ضمان الشراكة الحقيقية للكرد في العملية السياسية، ويقول مجيد صالح، كبير المستشارين في برلمان الإقليم، والقيادي في حركة التغيير «لا يمكن ولا يجوز إغفال الجانب الكردي وعزله عن المشاركة الحقيقية في نظام الحكم، فالحكومات الشيعية السابقة تعمدت تهميش دور القوى السنية في إدارة الدولة، ورأينا جميعاً النتائج الكارثية التي تمخضت عن تلك الخطوة، ممثلة بموجات العنف الدموي التي ضربت العراق، والتي كلفته الكثير».
وأضاف صالح لـ«الشرق الأوسط» أن تهميش دور الكرد، سيدفع قواهم السياسية نحو الابتعاد عن العراق، وبالتالي حصولهم على المسوغ الكافي لتدويل قضيتهم وعندها يصبح الاستقلال والانفصال عن العراق، قضية دولية في حال إذا أفلحت القوى الكردية في رص صفوفها وترتيب البيت الكردي من الداخل، كما أن الخيار المسلح سيبقى مفتوحاً أمامها للمحافظة على وجودها وإقرار حقوق شعب كردستان.
بيد أن الدكتور ريبوار بابكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين في أربيل، يرى أن التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته حيدر العبادي الذي شدد على عدم استعداده للمساومة مع القوى الكردية، يعني بطبيعة الحال أن تحالفه غير مستعد لإقرار حقوق الكرد وتلبية مطالبهم، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «إذن القوى الكردية وخصوصا الحزبين الحاكمين في الإقليم سوف لن ينضما إلى تحالف العبادي ومن معه، وبالتالي يبقى الخيار الوحيد أمام الكرد هو الانضمام إلى تحالف الفتح المدعو إيرانياً والذي أبدى مرونة واضحة حيال المطالب الكردية، وفي مقدمتها عودة قوات البيشمركة إلى المناطق موضع النزاع».
ويعتقد بابكي أن الشراكة الحقيقية للقوى الكردية في إدارة شؤون البلاد، شرط أساسي لاستمرار مسيرة العراق الجديد، وبخلاف ذلك فإن المعضلات والمشاكل المستفحلة ستبقى عالقة بين بغداد وأربيل كما وسيضع الدستور المتفق عليه في مهب الريح.



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.