الغليان الشعبي في البصرة يتصاعد... والمحتجون يقطعون معبراً مع إيران

سد طرق إلى حقول نفطية... و30 ألف إصابة بالتسمم في المحافظة

محتجون بصراويون يقطعون الطريق إلى معبر الشلامجة الحدودي مع إيران أمس (أ.ف.ب)
محتجون بصراويون يقطعون الطريق إلى معبر الشلامجة الحدودي مع إيران أمس (أ.ف.ب)
TT

الغليان الشعبي في البصرة يتصاعد... والمحتجون يقطعون معبراً مع إيران

محتجون بصراويون يقطعون الطريق إلى معبر الشلامجة الحدودي مع إيران أمس (أ.ف.ب)
محتجون بصراويون يقطعون الطريق إلى معبر الشلامجة الحدودي مع إيران أمس (أ.ف.ب)

تواصل الغضب الشعبي في محافظة البصرة جنوب العراق أمس، وشهدت مدن عدة مظاهرات واحتجاجات غاضبة ضد السلطات المحلية والاتحادية على ضعف الخدمات ووقوع عشرات الآلاف من الإصابات بأمراض المغص والإسهال نتيجة ملوحة وتلوث مياه الشرب.
وأغلق مئات المتظاهرين مواقع استراتيجية مهمة في المحافظة الغنية بالنفط. عمد محتجون غاضبون إلى الاعتصام في منفذ الشلامجة الحدودي الرابط بين العراق وإيران لقطع الحركة التجارية بين البلدين في مسعى للضغط على الحكومتين المحلية والاتحادية، إلا أن القوات الأمنية تمكنت في وقت لاحق من فض الاعتصام بالقوة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر أمنية أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق نحو 150 محتجاً تجمعوا عند المدخل الرئيسي لحقل نهر بن عمر النفطي في البصرة. وقال مسؤولون في الحقل الذي تديره شركة نفط البصرة الحكومية، إن عمليات الإنتاج تسير بشكل طبيعي. وأضاف المسؤولون أن إنتاج الحقل يبلغ حالياً نحو 44 ألف برميل يومياً. وهدد المحتجون باقتحام الحقل النفطي إذا لم ترد الحكومة على مطالبهم بتحسين الخدمات العامة وتبحث شكواهم بشأن مياه الشرب التي يقول سكان إنها غير صالحة للشرب بسبب ارتفاع مستوى ملوحتها. وقال حسن علي أحد منظمي الاحتجاج: «لن نسمح باستمرار العمل في الحقل ما لم نحصل على ماء نظيف. لا خدمات، لا وظائف والآن لا يوجد ماء نظيف للشرب. لقد طفح بنا الكيل».
وفي موقع آخر، تجمع عشرات المتظاهرين وقاموا بإغلاق طريق تربط المحافظة ببغداد، حيث أحرق المتظاهرون إطارات سيارات، ما تسبب في اختناقات مرورية كبيرة. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تظاهر آخرون عند مقر المحافظة وسط مدينة البصرة، حيث خرجت مظاهرات مماثلة خلال اليومين الماضيين. من جهة أخرى، ذكرت مصادر بصرية أن القوات الأمنية اعتقلت عدداً من المتظاهرين المشاركين في المظاهرات التي نظمت بالقرب من سوق في مدينة التنومة. كذلك حدثت مظاهرات مماثلة في مركز البصرة ومنطقة شط العرب، وفرضت القوات الأمنية من الجيش والشرطة إجراءات مشددة حول المقر ومناطق أخرى بينها حقول نفطية.
من جانبه، كشف مدير مفوضية حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي عن ارتفاع عدد المصابين إلى نحو 30 ألف حالة، محذراً من أن «الأوضاع الصحية والسياسية خطيرة جداً في البصرة». وقال التميمي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يجري اليوم في البصرة طبيعي ومرشح للتصاعد في الأيام المقبلة، الأوضاع خطرة جداً، الحكومة لم تكن لديها خطط استراتيجية أصلاً، ثم لحقت بكل ذلك مسألة عدم الاستجابة لمطالب المحتجين، فتعقدت الأمور ووصلت إلى ما هي عليه اليوم». وأشار التميمي إلى أن «الحكومة الاتحادية لم تنفذ ولو بنسبة واحد في المائة الوعود التي قطعتها للبصريين في شهر يوليو (تموز) الماضي، لذلك نحن نحذر ونكرر من أن الأمور تسير باتجاه مستويات خطيرة جداً».
وحول لجوء المتظاهرين والمعتصمين إلى استعمال مختلف الطرق للضغط على الحكومة ومنها استعمال قنابل المولوتوف ضد القوات الأمنية وقطع الطرق الرئيسية بين بغداد والبصرة وطرق حقول النفط والمنافذ الحدودية، يرى التميمي أن «المواطنين استنفدوا جميع الطرق السلمية ولم يجدوا أي استجابة من السلطات الاتحادية والمحلية، ويجدر بتلك السلطات أن تجد حلاً عاجلاً لمطالب الناس بدلاً عن الحديث عن المندسين والمجرمين». وبشأن أعداد المعتقلين والمحتجزين من قبل العناصر الأمنية، ذكر التميمي أنه نجح في إقناع الجهات الأمنية بإطلاق سراح 9 أشخاص أمس اعتقلوا أمام مبنى المحافظة، وكشف اعتقال 10 في احتجاجات الأمس.
من جهته، قال عضو مجلس محافظة البصرة حميد المياحي، أمس، إن «الوعود الحكومية بشأن المحافظة كاذبة». وذكر المياحي في تصريحات أن «الحكومة الاتحادية المركزية لحد الآن لم توفر أي قرار تجاه البصرة ولم تصرف المبالغ لمشاريع المحافظة ولم توفر فرص العمل العشرة آلاف التي أعلنتها»، مضيفاً أن «الحكومة أعطت أهالي البصرة وعوداً ترقيعية وكاذبة وليس للحكومة أي مصداقية في نظرهم».
بدوره، لا يستبعد الناشط والأستاذ الجامعي البصري نائل الزامل احتمال تطور الأوضاع في البصرة إلى مزيد من الفوضى والتدهور إذا لم تبادر السلطات إلى تنفيذ مطالب المحتجين. وقال الزامل لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة لا تستمع لمطالب الناس، إنما تكذب عليهم فقط، القوات الأمنية وقيادة عمليات البصرة بقيادة جميل الشمري تعامل المحتجين بقسوة مفرطة، وذلك له تداعيات خطيرة برأيي». ويشير إلى أن «الاعتصامات دخلت أسبوعها الثالث ولم يأتِ أي مسؤول للحديث مع المحتجين، وذلك يعني أنهم يستهينون بالناس وبمطالبهم».
ويضيف: «حدث أول من أمس تطور خطير في منطقة الحيانية، حين قام أحد المحتجين بتوجيه إطلاقات نارية على قوات الجيش التي استخدمت الأسلحة المتوسطة في تفريق المتظاهرين، كما استعملت جميع الطرق الوحشية من اعتقال وضرب بالهراوات والغاز المسيل للدموع».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.