الولايات المتحدة تقبل «على مضض»... ولبنان «يرضى» بتسوية فرنسية للتمديد لـ«يونيفيل» 12 شهراً

TT

الولايات المتحدة تقبل «على مضض»... ولبنان «يرضى» بتسوية فرنسية للتمديد لـ«يونيفيل» 12 شهراً

مدد مجلس الأمن بالإجماع أمس 12 شهراً إضافية للقوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، «يونيفيل»، بعدما انتزع المفاوضون الفرنسيون من نظرائهم الأميركيين «القبول ولو على مضض» بتسوية «مرضية» للجانب اللبناني الذي كان يأمل في تجديد تلقائي روتيني للمهمة الدولية في جنوب لبنان.
وخاضت فرنسا، باعتبارها حاملة قلم مجلس الأمن في المسائل والشؤون المتعلقة بلبنان، مفاوضات معقدة مع الولايات المتحدة التي قدمت «تعديلات عميقة» على مشروع القرار الفرنسي لتمديد مهمة «يونيفيل» التي ينتهي تفويضها اليوم، لمدة سنة كاملة تنتهي في 31 أغسطس (آب) 2019.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر واسعة الاطلاع على المحادثات، أن المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، طلبت تعديلات تشمل الديباجة والفقرات العاملة من مشروع القرار. وتضمنت التعديلات التي طلبها الجانب الأميركي الطلب من «يونيفيل» دعم خطة «تعطي الأولوية لخفض عمليات القوة البحرية بموازاة تطوير قدرات البحرية اللبنانية»، على أن «يتابع الأمين العام (للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش) خفض القوة البحرية، بنسبة 50 في المائة عما هي حالياً بحلول 31 أغسطس (آب) 2019» على أن يقدم تقريراً إلى مجلس الأمن بحلول 1 مارس (آذار) 2019 يتضمن «إنهاء مكون القوة البحرية بحلول 31 أغسطس 2020». وكان الجانب الأميركي يريد أن «يشدد القرار بصورة خاصة على وصول يونيفيل إلى الخط الأزرق يجب أن يبقى غير معرقل في كل أجزائه»، مع «التنديد بمحاولات منظمة أخضر بلا حدود الحد من حركة دوريات يونيفيل، في بعض الأحيان بدعم من بلديات محلية، والمطالبة بوقف هذا التدخل فوراً وأن تتخذ الحكومة اللبنانية خطوات مناسبة لضمان حرية حركة يونيفيل».
ونجح الجانب الفرنسي في إقناع الأميركيين بأنه «من غير الضروري» الإصرار على «التنديد بحقيقة أن حزب الله يعلن أنه يملك قدرات عسكرية جديدة، بما في ذلك الصواريخ»، مع التذكير بالفقرة العاملة الرقم 15 من القرار 1701 والتي «تفرض تطبيق حظر أسلحة ضد كل الكيانات في لبنان من غير الحكومة ويونيفيل، والطلب من الأمين العام أن يعد تقريراً عن تنفيذ حظر الأسلحة بحلول 1 يناير (كانون الثاني) 2019».
وكشف دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الشعور بين أعضاء مجلس الأمن هو أن رغبة الجانب الأميركي بخفض المكون البحري في يونيفيل لا تتعلق بالضرورة بخفض تكاليف يونيفيل، وإنما لأسباب أخرى تتعلق بالدور الذي تقوم به القوة البحرية في البحر الأبيض المتوسط». وأضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه أن «تفعيل تطبيق حظر الأسلحة ربما يكون الإنجاز الأكبر الذي حققه الأميركيون، إذ أنه بات لزاماً على الأمين العام للأمم المتحدة أنه يقدم ملحقاً خاصاً بالتقرير الذي يصدر كل ثلاثة أشهر حول تطبيق القرار 1701»، علما بأن الولايات المتحدة كانت طلبت تشكيل فريق خبراء مستقلين لمراقبة تطبيق هذا الحظر. غير أن فرنسا وروسيا ولبنان رفضت هذا المطلب. وقال دبلوماسي آخر إن «لبنان قبل بالتسوية الفرنسية لأن الخيارات قليلة أمامه».
وينص القرار في صيغته النهائية على أن مجلس الأمن «يقرر تمديد الولاية الحالية ليونيفيل حتى 31 أغسطس 2019». ويرحب «بتوسيع نطاق النشاطات المنسقة بين القوة المؤقتة والقوات المسلحة اللبنانية، ويدعو إلى زيادة تعزيز التعاون من دون المس بولاية يونيفيل». ويكرر دعوته إسرائيل ولبنان من أجل «دعم وقف دائم للنار» بين الطرفين. وطالب بـ«نشر فعال ودائم للقوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان وفي المياه الإقليمية اللبنانية بوتيرة متسارعة من أجل التنفيذ الكامل لأحكام القرار 1701». وطلب «وضع جداول زمنية دقيقة على نحو مشترك وفوري من جانب القوات المسلحة اللبنانية والأمين العام (...) بهدف تحديد التقدم الذي تحرزه القوات المسلحة اللبنانية في تنفيذ المهمات الموكلة إليها». ويدعو الحكومة اللبنانية إلى «وضع خطة لزيادة قدراتها البحرية، بما في ذلك بدعم مناسب من المجتمع الدولي، بهدف خفض قوة العمل البحرية التابعة ليونيفيل ونقل مسؤولياتها إلى القوات المسلحة اللبنانية، بارتباط وثيق بالتعزيز الفعال لقدرات البحرية اللبنانية، ويطلب من الأمين العام أن يقدم توصيات حول ذلك في غضون 6 أشهر». ويحض كل الأطراف على «التقيد الدقيق بواجبها المتمثل في احترام سلامة قوة يونيفيل وموظفي الأمم المتحدة الآخرين وتدعو إلى زيادة التعاون بين القوة المؤقتة والقوات المسلحة اللبنانية خاصة فيما يتعلق بالدوريات المنسقة». ويدعو إلى «الإسراع في الانتهاء من التحقيق الذي بدأه لبنان فيما يتعلق بهجمات 27 مايو (أيار) و26 يوليو (تموز) و9 ديسمبر (كانون الأول) 2011 من أجل تقديم مرتكبي هذه الهجمات للعدالة». ويطالب كل الأطراف بـ«التعاون بشكل كامل مع مجلس الأمن والأمين العام من أجل إحراز تقدم ملموس نحو وقف دائم للنار وإيجاد حل طويل الأجل على النحو المتوخى في القرار 1701. وفي شأن كل المسائل العالقة في تنفيذ مجلس الأمن القرارات 1701 و1680 و1559 وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة». وذكر بـ«الفقرة 15 من القرار 1701 التي تقضي بأن تتخذ كل الدول التدابير اللازمة لمنع أو بيع الأسلحة أو الأعتدة ذات الصلة إلى أي كان من مواطنيها أو السماح بعبور أراضيها أو استخدام السفن أو الطائرات التي تحمل علمها، أو فرد في لبنان بخلاف تلك التي أذنت بها الحكومة اللبنانية أو يونيفيل».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم