موسكو تبحث ملفي إدلب وعفرين مع طهران وأنقرة والمعارضة

قلق روسي من تعزيزات عسكرية أميركية شرق سوريا

TT

موسكو تبحث ملفي إدلب وعفرين مع طهران وأنقرة والمعارضة

أعلنت موسكو أنها تخوض عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية مناقشات مكثفة حول تطورات الوضع في إدلب، والموقف في عفرين، مع كل من طهران وأنقرة والنظام السوري والمعارضة بشقيها في داخل سوريا وخارجها.
وأكد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أن الاتصالات الروسية الجارية ستكون محور بحث مع نائب المبعوث الدولي إلى سوريا رمزي رمزي، الذي يزور روسيا الثلاثاء المقبل، في حين سيطرت أنباء عن تعزيزات أميركية في شمال سوريا على تعليقات أوساط دبلوماسية وبرلمانية روسية، وعكست تصاعد القلق الروسي من ازدياد نشاط التحركات الأميركية في سوريا.
وقال بوغدانوف إن المحادثات المرتقبة مع رمزي رمزي ستركز على الوضع الميداني العسكري والإنساني في سوريا، فضلا عن الملف السياسي وآفاق تحريك العملية السياسية على خلفية دعوة الأمم المتحدة لعقد لقاء لضامني عملية آستانة (روسيا وتركيا وإيران) في جنيف. علما بأن الزيارة تمت بناء على رغبة نائب المبعوث الدولي الذي طلب من الجانب الروسي تحضير لقاءات مع مسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع، بالإضافة إلى مجلس الأمن القومي الروسي.
وأوضح بوغدانوف أن رمزي سيجتمع في إطار زيارته لموسكو مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف. وهما المسؤولان حاليا عن الملف السوري، وسيشاركان في اجتماعات جنيف المقررة يومي 11 و12 سبتمبر (أيلول) المقبل. وأشار بوغدانوف إلى أن الحضور سيقتصر على ممثلي البلدان الثلاثة، وأن الدعوة لم توجه إلى الأطراف السورية المشاركة في عملية آستانة.
وأشار بوغدانوف إلى أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بعد اجتماعه مع ممثلي «ثلاثي آستانة» سوف يدعو إلى لقاء منفصل مع «المجموعة المصغرة» حول سوريا التي تضم مصر وفرنسا وألمانيا والأردن والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة.
وقال نائب الوزير إن المحادثات مع فريق المبعوث الدولي هي جزء من الاتصالات النشطة التي تجريها روسيا مع كل الأطراف ذات الصلة بالملف السوري؛ مشيرا إلى أن بلاده تخوض مناقشات حول الوضع في إدلب وعفرين مباشرة «مع كافة الأطراف المعنية، وهي الحكومة السورية وممثلون عن معارضتي الداخل والخارج والمعارضة المسلحة المشاركة في مفاوضات آستانة وإيران وتركيا».
وشكك بوغدانوف - ردا على سؤال الصحافيين - في صحة أنباء صحافية عن لقاء جمع وفدا أمنيا أميركيا أخيرا زار دمشق سرا، مع رئيس جهاز الأمن الوطني السوري علي مملوك. وأعرب نائب الوزير الروسي عن قناعته بأن «هذه الأخبار مفبركة»؛ لكنه استدرك بالإشارة إلى أن موسكو «لا تمتلك معلومات حول زيارة من هذا النوع».
وتحولت التحركات الأميركية في سوريا أخيرا إلى عنصر أساسي في التعليقات وردود الفعل الروسية، وسط تصاعد القلق الروسي من أنباء عن تعزيزات عسكرية زجت بها واشنطن أخيرا في شمال سوريا، بالإضافة إلى معطيات عن إنشاء قاعدة عسكرية أميركية جديدة.
وفي حين أكدت وزارة الدفاع الروسية أنها تراقب النشاط الأميركي عن قرب، برزت دعوات في البرلمان الروسي لنقل ملف الوجود العسكري الأميركي في سوريا إلى مجلس الأمن.
وقال نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفيدرالية (الشيوخ) فلاديمير جباروف، إن موسكو تدعو دمشق لطرح المسألة حول ما تردد عن نشر منظومة أميركية للدفاع المضاد للصواريخ في أراضي سوريا، في مجلس الأمن الدولي، في أسرع وقت ممكن.
وقال إن هذه المعطيات «إذا صحت، ستكون مخالفة كبرى واعتداء سافرا على سيادة سوريا». ونقلت وكالة «نوفوستي» عن جباروف، أنه «أمر غير شرعي تماما. وليست لدى الولايات المتحدة موافقة على ذلك من جانب الأمم المتحدة. ولا يحق لها الوجود في سوريا لا سيما بناء أي منشآت عسكرية هناك».
لكن اللافت أن وكالة «سبوتنيك» الرسمية الروسية، نقلت أمس عن المكتب الصحافي للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، تأكيدا على أن المعلومات التي ترددت عن إنشاء واشنطن مظلة صاروخية متكاملة في مناطق الشمال السوري «ليست دقيقة، وتضم خليطا من التحريفات والدعاية السياسية».
وقال ممثل التحالف للوكالة الروسية، إن «الشركاء في التحالف، كجزء من جهود محاربة تنظيم داعش الإرهابي، نشروا منظومات في شمال شرقي سوريا، من أجل توفير الحماية الجوية لطيران التحالف، الذي يدعم مهمة القضاء على التنظيم، وتحديد الأهداف» موضحا أن هذه الأنظمة «موجهة فقط لتنفيذ هذه المهمة، وضمان توفير الدعم الدائم والأمن لهذه الجهود الدولية». لكن المتحدث ترك الباب مواربا لاحتمال وصول مزيد من التعزيزات الصاروخية، أو العمل على تغيير الأهداف لجهة فرض منطقة حظر جوي في بعض المناطق السورية في الشمال، مشيرا إلى أن «نحن لن نخمن ماذا ستقرر الإدارة السياسية والعسكرية بعد انتهاء عملية (راون أب) ضد تنظيم داعش الإرهابي، هذا قرار القيادة السياسية».
وكانت وسائل إعلام قد نقلت أن الولايات المتحدة قد انتهت من وضع 3 أنظمة رادار محدثة في مناطق عين العرب وتل بيدر وصرين، كما نشرت 13 من أنظمة الرادار الثابتة والمتنقلة للمراقبة والاستكشاف. ورأت أن «الخطوة الأميركية المقبلة، هي إنشاء نظام الدفاع المضاد للصواريخ في المنطقة التي يجب أن تعتبر جزءا من خطة واشنطن الطويلة الأجل في المنطقة».
وزادت أن الولايات المتحدة تخطط أيضا لنشر أنظمتها في مدينتي الحسكة ورميلان، ما يؤشر إلى البدء في التخطيط لإنشاء منطقة لحظر الطيران في شمال سوريا، في المناطق الواقعة شرق الفرات، التي تبلغ مساحتها 26 ألف كيلومتر مربع، ويسيطر عليها حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.