«أوركسترا الشباب العربي»... جسر للحوار بين الشرق والغرب

صورة جماعية للفرقة بعد انتهاء العرض في ألمانيا
صورة جماعية للفرقة بعد انتهاء العرض في ألمانيا
TT

«أوركسترا الشباب العربي»... جسر للحوار بين الشرق والغرب

صورة جماعية للفرقة بعد انتهاء العرض في ألمانيا
صورة جماعية للفرقة بعد انتهاء العرض في ألمانيا

نجاحات كبيرة حققها «أوركسترا الشباب العربي الفلهارموني» عبر حفلاته الموسيقية في كثير من دول العالم، التي احتفت به في تقدير بالغ لفكرته الاستثنائية التي تساهم في إقامة جسر من الحوار والتواصل بين الشرق والغرب والحضارتين العربية والغربية، بجانب ما يتمتع به عازفو الأوركسترا من أداء موسيقي رائع لا يقل عن سائر «الأوركسترات» المماثلة للشباب في العالم، وهو ما دفع بعض وسائل الإعلام الغربية، ولا سيما الألمانية، إلى وصفه بعد مشاركته في المهرجانات الدولية بـ«الأفضل». بجانب حرص كثير من الدول على استضافة الأوركسترا بشكل مستمر.
والأوركسترا المعروف عالميا بـ«Arab Youth Philharmonic Orchestra AYPO» هو الأول من نوعه في المنطقة العربية ودول الشرق وأفريقيا، ويشارك فيه 95 فتى وفتاة تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 25 سنة من 11 دولة عربية. ولا يمثل الأوركسترا كيانا فنيا أو ثقافيا، بل إنه يعد قوة ثقافية عربية تعمل على التقريب بين شبابها كإحدى وسائل التوحد الثقافي بين الشباب.
أسس الأوركسترا، الدكتور فوزي الشامي العميد السابق للكونسرفاتوار بأكاديمية الفنون المصرية، ونائب رئيس الاتحاد الدولي للكليات والمعهد الموسيقية بجنيف، وكان ذلك عام 2006 بعدما راودته الفكرة منذ نهاية التسعينات، ويروي الشامي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حكاية الأوركسترا قائلا: «لم يكن مجرد فكرة! بل كان حلما كبيرا، تحقق بحمد الله بعد سنوات من التخطيط والإعداد والتغلب على كثير من العقبات والصعوبات».
ويضيف موضحا: «بدأت الفكرة تلح عليّ عندما كنت عميدا للكونسرفاتوار، أي منذ عام 1997. حين لمست اهتمام الأوروبيين بأوركسترا الشباب، بجانب تمتع العازفين العرب بقدرات فنية واسعة، ومن هنا تساءلت لماذا لا يكون لدينا أوركسترا عربي على غرار الموجود في أوروبا».
وحول الهدف الأساسي من تأسيسه يضيف قائلا: «يهدف الأوركسترا إلى خلق حالة من التوحد والتضامن العربي من خلال تجميع الشباب الموسيقي المتميز في عمل مشروع فني كبير، ولكي يمثل أيضا واجهة حضارية عربية مشرفة أمام الشعوب والمجتمعات الأخرى».
إلى ذلك، يؤكد واقع الأوركسترا وتطوره أن حلم دكتور الشامي أصبح واقعا، إذ يتمتع الأوركسترا بالخصوصية بين الأوركسترات الشبابية في العالم محققا نجاحات كبيرة، فكانت دورته الأولى بدمشق 2006 برعاية وزارة الثقافة السورية، وتبعتها دورات أخرى كثيرة، من أبرزها الدورة الثانية عام 2007 برعاية الجمعية العربية الألمانية وهيئة التبادل العلمي الألمانية لجامعة مدينة بون، حيث قام بجولة واسعة في ألمانيا فشارك في «مهرجان شومان» بمدينة بون، و«مهرجان شباب المبدعين» بمدينة بايرويت، وقدم حفلا بمدينة شتايناخ، وكانت الدورتان بقيادة المايسترو الألماني فالتر ميك. كما جاءت الدورة السابعة بدعوة من هيئة أكبر مهرجان عالمي لأوركسترات الشباب بالعاصمة الألمانية برلين «Young Euro Classic» بقيادة المايسترو الألماني هاينر بولمان، بالإضافة إلى عدد من المهرجانات الدولية والعربية الأخرى.
ويوضح الشامي قائلا: «قدمنا أوركسترا يجمع بين الدول العربية، بلا تفرقة، أو انحياز لدولة أو تيار سياسي أو فكري. فكلهم يعزفون موسيقى واحدة في حالة من التناغم مقدمين صورة حضارية للعرب أمام أوروبا».
ويقول أيوب سغروت من المغرب، عازف آلة كورنو: «يسعدني للغاية أن أكون أول من يمثل بلدي في الأوركسترا، الذي انبهرت كثيرا بفكرته غير المسبوقة وبأهدافه، وتضاعف تقديري وإعجابي به بعد الانضمام إليه، حيث وجدت حسن التنظيم والإدارة، كما أعجبني المستوى الفني الرفيع للعازفين، والأجواء الأسرية».
في السياق نفسه، تقول العازفة مروة الشرقاوي، الطالبة بالجامعة الأميركية في الشارقة: «لا أنسى مشاركتي مع الأوركسترا في حفل بمهرجان Young Euro Classic في برلين، وهو أكبر مهرجان عالمي لأوركسترات الشباب تحت قيادة المايسترو هينر بوهلمان، حيث قدم الأوركسترا حفلا رائعا جمع مؤلفات كلاسيكية وعربية أثارت إعجاب الجمهور. وما زلت أتذكر المسرح وهو زاخر بالمستمعين الذين وقفوا تحية للأوركسترا».
من جانبه يقول أدهم أحمد عازف آلة كورنو، طالب بالمعهد الموسيقي (الكونسرفاتوار) بمصر: «من ملامح التفرد التي يتمتع بها أوركسترا الشباب العربي، هو أنه علاوة على البراعة في عزف البرنامج الكلاسيكي من التراث العالمي، فإنه أيضا يقدم أعمالا لمؤلفين عرب يكتبون للأوركسترا السيمفونى، في حين أنه لا يوجد أي أوركسترا آخر في العالم، يقدم أعمالا للمؤلفين العرب، وهو ما يخلق نوعا من الثراء والتميز، ويلقى ذلك قبولا عظيما إلى حد أن تذاكر الحفل تُباع قبل الحفل بنحو شهرين».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».