مؤسس «بيت الحكمة الصيني»: ننقل الثقافة العربية إلى الصين تعويضاً عن غياب المؤسسات المعنية

طرح 5 آلاف عنوان إلكتروني للقارئ وترجمات لكتاب مصريين وعرب

د. أحمد سعيد
د. أحمد سعيد
TT

مؤسس «بيت الحكمة الصيني»: ننقل الثقافة العربية إلى الصين تعويضاً عن غياب المؤسسات المعنية

د. أحمد سعيد
د. أحمد سعيد

ظهرت مؤسسة «بيت الحكمة للثقافة والإعلام والترجمة الصيني» إلى ساحة النشر العربية بشراكة مصرية صينية عام 2011، ويسعى مديرها الدكتور أحمد سعيد إلى جعلها «منصة للتعاون الثقافي الصيني العربي في مجالات النشر والترجمة وتبادل حقوقها بين الصين والدول العربية، وإنتاج أفلام الرسوم المتحركة والبرامج الوثائقية وإنشاء بنوك المعلومات الرقمية العربية وتجارة الكتب الإلكترونية، وتحويل المحتوى المطبوع لمحتوى رقمي».
حول خطط وأعمال هذه المؤسسة، هنا حوار مع مدير المؤسسة د. أحمد سعيد:
> لاحظت اهتماماً كبيراً بـ«بيت الحكمة» في عديد من القنوات التلفزيونية في الصين. ما سبب هذا الاهتمام الإعلامي؟
- «قناة الصين العربية» تقوم بشكل عام بتغطية كل نشاطاتنا في معرض القاهرة الدولي للكتاب، كما أنهم قدموا حلقة خاصة عن إصداراتنا منذ وقت قريب، لكن الإعلام الصيني عموماً مهتم بخططنا لنقل الثقافة الصينية للعالم العربي، والدور الذي نقوم به، والأساليب التي نعتمدها لتحقيق ذلك، والأهداف التي نسعى لها تحديداً، والدعم الذي تقدمه لنا الحكومة الصينية لتحقيق ذلك. كما أنهم يتابعون ما يتم من أحداث ثقافية صينية، وعندما يكون لدينا حدث مهم نجدهم حاضرين لتسليط الضوء عليه.
وحين افتتحنا «مركز التحرير العربي» التابع للمؤسسة، هنا في القاهرة من شهر تقريباً جاءوا، واهتموا بالأمر، وصوروا حلقة، وعلى كل حالٍ القائمون على العمل في قنوات الصين، عربية أو ناطقة باللغة الصينية، على تواصل دائم معنا، لنقل أي حدث مهم يضطلع به «بيت الحكمة».
> لكن ما هي علاقة «بيت الحكمة» بالصين؟
- نحن لسنا مؤسسة حكومية، نحن شركة تجارية خاصة، وأنا المؤسس، ويعمل معي اثنان من الشركاء الصينيين، من مقاطعة نينغشيا، ويقوم عملنا على تنفيذ مشروعات حكومية، ولدينا شهادتان من الحكومة الصينية، الأولى حصلنا عليها عام 2016 من عدد من الوزارات هناك، هي: «الثقافة»، و«المالية»، و«الدعاية»، والهيئة الوطنية للصحافة والنشر، ومفادها أننا الشركة الوحيدة المعتمدة هناك، والمصرح لنا بتبادل الترجمة بين الدول العربية والصين، وبعدها بعام حصلنا على تصديق آخر من الوزارات نفسها بأن «بيت الحكمة» مؤسسة صينية على المستوى الوطني التي يحق لها تصدير الثقافة الصينية للخارج.
> ما أهمية هاتين الشهادتين لمؤسستكم؟
- تعطيانني مصداقية، وتسهلان عملي لدى المؤسسات الصينية في الداخل، وقريناتها في الخارج عندما نعقد اتفاقيات مع الدول العربية، كما أنهما تجعلانني معروفاً بالنسبة للسفارات الصينية، وأنني أعمل مشروعاً وطنياً يحتاج الدعم منها.
> هل يقف الأمر بالنسبة لك عند هذا الحد؟
- بالطبع لا، فالحكومة الصينية تسند لي مشروعات ثقافية متعددة تنصب على نقل الكثير من الإبداعات الفنية للخارج.
> هل لديك بروتوكولات تعاون بين «بيت الحكمة» ومؤسسات نشر مصرية؟
- بالفعل وقعنا اتفاقيات مع دار الكتب والوثائق، وهيئة الكتاب، ودار المعارف، واتحاد الناشرين المصريين، فضلاً عن عدد من دور النشر الخاصة.
> هذه البروتوكولات تحقق مشروعات متشابهة، أم أنها تتكامل مع بعضها البعض؟
- هيئة الكتاب هي أكبر مؤسسة نشر رسمية في مصر، ولديها إصدارات جيدة جداً، ونحن نتعاون معها في تنفيذ مشروع مكتبة رقمية باللغة العربية، نتيحها لدارسين في ثلاث وأربعين جامعة صينية، وقد حصلنا بموجب ذلك على خمسة آلاف عنوان من مطبوعاتها، وقمنا بإتاحتها مرقمنة لطلابها والقارئ الصيني فقط، هناك شيء آخر مهم هو أن الهيئة تشرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهذا جعلنا نتفق على أن يكون لديهم جناح في معرض بكين، مقابل معرض للصين في القاهرة، ونحن نشارك بقاعة مساحتها كبيرة تصل لمائتي متر كل عام.
> وماذا عن باقي المؤسسات؟
- بما أن اتحاد الناشرين المصريين هو الذي يسهل وينظم صناعة النشر في مصر، فقد أسسنا بروتوكولاً بيننا على استضافته في معرض بكين، مع عدد من أصحاب دور النشر، لحضور الفعاليات والندوات، وهناك فرصة خلال وجودهم للاتفاق على ترجمة كتب صينية، يتم التعاقد عليها مباشرة مع الناشر الصيني. أما بالنسبة لـ«دار المعارف» فلديها سلسلة مكتبات بيع منتشرة في المحافظات، يصل عددها إلى 21 فرعاً، وهي الأوسع انتشاراً في مصر، واتفقنا معهم على إتاحة موقع ثابت داخل تلك الفروع لعرض ما لدينا من أعمال صينية مترجمة للغة العربية. أما «دار الكتب والوثائق»، فقد كان الاتفاق بيننا على عمل رقمنة لأرشيف النشر لديهم، لكن المشروع توقف، ونأمل أن يتم تفعيل الاتفاقية، بعد انتهائهم من تطويرات واسعة يقومون بها لقاعدة البيانات لديهم، حيث وضعوا نظاماً يلزم الناشر بتسليم 10 نسخ من أي كتاب ينشره، فضلاً عن نسخة إلكترونية، وهذا يعني أننا نتعامل مع كل واحدة من هذه الجهات لتحقيق أهداف مختلفة ومتنوعة.
> هل أنتم مهتمون برقمنة أرشيف دار الكتب والوثائق المصرية؟
- نتمنى ذلك، لأن لديهم أفضل محتوى معرفي يمثل الثقافة العربية، وهي مظلومة لأن هناك من ينظرون إليها من منظور ديني متطرف، وهذا نقص يلحق بها حين تصل للآخر، الذي ربما يكون في احتياج للب هذه الثقافة، فالأرشيف المصري منذ بداية النشر في 1860 حتى اليوم يحتوي كنوز التراث العربي الإنساني الذي يمكن أن تستفيد منه البشرية بصرف النظر عن ديانات سكانها.
> وماذا عن المخطوطات؟
- هناك سعي لعمل اتفاقية مع متحف المخطوطات في مكتبة الإسكندرية لنقل ما لديهم من كنوز معرفية، هم قاموا برقمنة كل ما لديهم، وسوف نكتفي بتصويرها فقط لإتاحتها لكل الباحثين المهتمين بالشأن العربي في العالم وبتقنيات صينية.
> هناك ملاحظة واضحة بالنسبة لعمليات الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية حيث تغلب الكتب الأدبية والفكرية على الكتب العلمية؟
- هذا لا ينطبق على ترجماتنا، لأن ما يصل إلى 70 في المائة منها كتب تجيب عن أسئلة هامة لدى العرب، وأكثر ما يهم المواطن العادي عن الصين، هو ماذا حدث هناك في الأربعين سنة الأخيرة من تطورات مذهلة نقلتها من دولة فقيرة إلى السيطرة على معظم أسواق العالم في كثير من المنتجات بما فيها الصناعات الإلكترونية، ولدينا كتب كثيرة تتحدث عن التجربة الصينية، وأسباب النهضة التي تحققت، وماذا يمكن أن تؤول إليه، وماذا سوف تقوم به الصين في المرحلة المقبلة، هل سوف تنفرد بالعالم، وتتراجع أميركا، أم أننا سوف نظل في عالم متعدد الأقطاب، وحين ألفت كتابي «طريق الصين سر المعجزة» حاولت الإجابة عن كل التساؤلات التي تجعل المواطن العربي يتعرف على ماذا دار ويدور في الصين، بما في ذلك ما حدث في ميدان السماوة عام 89، وهل يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى، وكذلك المشاكل التي تحدث بسبب مواقع التواصل الاجتماعي.
> لكن ماذا عن خطط «بيت الحكمة»؟
- في المرحلة المقبلة سوف نحاول البحث عن أفضل المنتج الفكري الصيني لترجمته للعربية، وقد بدأنا ذلك بمؤلفات اقتصادية، منها كتاب «قراءة في الاقتصاد الصيني» مع مشروع «كلمة»، وهو الأفضل على الإطلاق لأنه تأليف نائب رئيس البنك الدولي السابق، البروفسير لين يي فو، هذا الرجل لديه وحدة دراسات في جامعة بكين، تهتم بالاقتصاد الصيني الحديث.
> لكن ترجمة الأدب العربي الستيني تغلب على ترجماتكم؟
- دعني أتحدث عما قمنا به من ترجمات للكتَّاب العرب، نحن قمنا مثلاً بترجمة أعمال الدكتور علاء الأسواني، ولدينا مشروع تبادل الترجمة والنشر بين الدول العربية والصين، نشرف عليه، وقدمنا من خلاله 25 كتاباً، قاربنا على الانتهاء منها، والقائمة بها أسماء لامعة مثل: يحيي الطاهر عبد الله «الطوق والأسورة»، وصبري موسى «فساد الأمكنة»، وبهاء طاهر «واحة الغروب»، وفضلاً عن أعمال لعدد من الكتاب مثل فاطمة المزروعي من الإمارات، والدكتورة سهير المصادفة، والتونسي كمال العيادي، وعزت القمحاوي، وعبد الحكيم قاسم، وأمير تاج السر، ومحمد المنسي قنديل، وقائمة الكتب هذه تم انتقاؤها عن طريق خبراء صينيين بترشيحات من «بيت الحكمة».
> لكن ماذا يهم الصينيين غير الأدب العربي؟
- يريدون أن يعرفوا عن الإسلام الكثير، خصوصاً ما يخص الفلسفة، دون الدخول في تفاصيل دينية، وقد حقق «حياة محمد» للمفكر خالد محمد خالد انتشاراً واسعاً في الصين، وفي المستوى نفسه يأتي العقاد وسلسلة عبقرياته الأربعة، وابن بطوطة ومقدمة ابن خلدون، وهذه الكتب قمنا بترجمتها جميعاً وأتحناها للقارئ الصيني بالتعاون مع دور نشر صينية.
> هل هناك مشكلات في الترجمة للغة الصينية؟
- ما نقوم به من ترجمة للمؤلفات العربية يتم على استحياء، فالصين هي التي تدعم الترجمة، ولا توجد أي جهة عربية تقوم بمهمة نقل الأدب والفكر العربي إلى اللغة الصينية، ومعظم، إن لم يكن جميع مؤسسات الترجمة العربية تعمل في اتجاه واحد فقط، حيث تقوم بالترجمة إلى الداخل، لكنها غير مهتمة بنقل الفكر العربي إلى اللغات الأخرى.
> ماذا عن حصاد كل هذه الجهود؟
- حصلت على جوائز وألقاب كثيرة. منها جائزة الدولة للإسهام المتميز في مجال الكتاب بالصين ودرجة مستشار وخبير في مشروع ترويج الكتاب الصيني في العالم، وهاتان الجائزتان هما الأرفع مستوى بين الجوائز التي تمنح للأجانب في مجال الثقافة بالصين. وأنا أصغر الحاصلين عليهما منذ إنشائهما.
> يتضح من قائمة أعمالكم أنكم أصدرتم 500 كتاب صيني إلى اللغة العربية، في مقابل 50 إلى الصينية... ما سر هذا الاختلال؟
- في الصين مهتمون بترويج ونشر الثقافة الصينية، ولديهم أربعة مشروعات نشر كبرى لنقل الثقافة والإبداعات للخارج، ولذلك تجدهم يدعمون حقوق النشر والترجمة، ويعطون بذلك دفعة لزيادة أعمال كتابهم المنقولة إلى اللغات الأخرى. هذا من جهة، أما عندما أقدم كتباً عربية فأنا أيضاً أتحمل تكلفة ذلك، ولا تقوم أي جهة عربية بهذه المهمة.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض